جاءت مقررات مؤتمر برلين الثاني متماهية مع توقعات الليبيين وتطلعاتهم، بتشديدها على إجراء الانتخابات الوطنية في موعدها، وإزالة كل العقبات في طريق إنجازها بما يشمل المسائل الجدلية، مثل خروج القوات الأجنبية وتوحيد الجيش وحسم القواعد القانونية اللازمة لها.
وعلى الرغم من التفاؤل بتعزيز الملتقى حال التوافق الدولي على ضرورة حل القضية الليبية بالطرق السلمية، وبما يضمن سيادة البلاد ووحدتها، فإن أطرافاً ليبية عدة أبدت تخوفها أن تلقى هذه المقررات مصير سابقتها في مؤتمر برلين الأول، التي بقيت تنتظر التنفيذ بعد مرور عام ونصف العام على إقرارها.
وفي ما بدا أنه استجابة سريعة للضغط الدولي على السلطات الليبية وفي مقدمها مجلس النواب لإتمام الاستحقاقات المتبقية في العملية السياسية في أقرب وقت ممكن، دعا البرلمان إلى جلسة جديدة الأسبوع المقبل لحسم مصير الموازنة العامة، مع تواتر تصريحات من داخل المجلس عن توافق النواب على مرورها بسلام في هذه الجلسة، بعد تعثر التصويت عليها في أربع جلسات سابقة.
نصوص الوثيقة
وكان المشاركون بفعاليات مؤتمر "برلين 2" في ألمانيا اختتموا مداولاتهم التي اقتصرت على يوم واحد بتبني وثيقة ختامية من 58 بنداً، بالتوافق بين ممثلي الدول المشاركة وعددها 17 دولة، أبرزها الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا والإمارات ومصر والمملكة المتحدة وتركيا وروسيا، وأربع منظمات إقليمية ودولية، أبرزها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ونصّت الوثيقة في بندها الثاني على أن "المشاركين في ملتقى برلين يجددون تأكيد الالتزامات التي جرى التعهد بها في مؤتمر برلين1 حول ليبيا، في 19 يناير (كانون الثاني) 2020".
وعالجت الوثيقة أبرز القضايا التي أسهمت في انسداد الأفق السياسي أخيراً، مع اقتراب موعد الانتخابات العامة، وتعهدت بالإسهام في حل هذه الإشكالات.
وشدد البيان الختامي للمؤتمر على أنه "رغم التقدم المُحرز في المسار السياسي، لا يزال يتعين القيام بالمزيد لمعالجة الأسباب الكامنة للنزاع وحلها، وتعزيز السيادة الليبية واستعادة السلام والازدهار لجميع الليبيين".
وأضاف، "يجب إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الوطنية في 24 ديسمبر (كانون الأول) 2021، على النحو المتفق عليه في خريطة الطريق التي اعتمدها منتدى الحوار السياسي الليبي، ويجب قبول نتائجها من الجميع".
وفي البند الخامس، نصّت الوثيقة على أنه "يجب سحب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا من دون تأخير، وإصلاح قطاع الأمن ووضعه تحت إشراف وسلطة رقابة مدنية موحدة".
وتابعت الوثيقة، "يجب البدء في عملية مصالحة وطنية شاملة وقائمة على الحقوق والعدالة الانتقالية، ولا بد من استمرار الحوار الليبي الشامل". وأكدت التزام المشاركين بـ "الامتناع من التدخل في النزاع أو في الشؤون الداخلية لليبيا، ونحث جميع الجهات الدولية الفاعلة على أن تحذو حذوهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نتائج أسرع من المتوقع
بشكل أسرع مما هو متوقع، بدت نتائج مؤتمر برلين حول ليبيا تظهر على الساحة الدولية والمحلية لتنفيذ أبرز ما نص عليه، وكله متعلق بالإجراءات المتعلقة والمرتبطة بالموعد الانتخابي.
وعلى الصعيد الدولي، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن "الأمم المتحدة ملتزمة بدعم الآلية الليبية لمراقبة وقف إطلاق النار، وسيجري نشر الفريق الأول من المراقبين التابعين للأمم المتحدة في طرابلس قريباً"، داعياً إلى "ضرورة وضع حد لجميع التدخلات الأجنبية، بما في ذلك الانسحاب الكامل لكل القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا".
وفي الأثناء أبدت موسكو، أحد أهم الأطراف المتدخلة في الشأن الليبي، تجاوبها مع دعوات المشاركين في المؤتمر، خصوصاً في ما يتعلق بسحب المقاتلين الأجانب من ليبيا.
وقال نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي فيرشينين لوسائل الإعلام بعد المؤتمر، "الوضع في ليبيا يسير في الاتجاه الصحيح، وكل القرارات التي يجري اتخاذها على مستوى المجتمع الدولي تسهم في ذلك، وهناك فرصة لتحقيق الاستقرار"، مشدداً على أن "تقليص الوجود المسلح في البلاد يجب أن يدرس جيداً".
لكن يبقى الجميع في ليبيا بانتظار وضوح الموقف التركي من مقرّرات المؤتمر، وهي الطرف الثاني البارز بين الأطراف الأجنبية المتدخلة في أزمة ليبيا، والدولة الوحيدة بين المشاركين في "برلين 2" التي تحفّظت على بعض بنوده، خصوصاً البند المطالب برحيل القوات الأجنبية، بحسب البيان الختامي الصادر عن الخارجية الألمانية.
نهاية التنافس الأوروبي
أوروبياً، عزز المسار الإيجابي لمؤتمر "برلين2" تماسك وتوحد الموقف الأوروبي تجاه الملف الليبي، وهو الذي بسبب تشتته طوال السنوات الماضية، والتنافس بين عواصم أوروبية بارزة على المصالح في ليبيا، تعمقت الأزمة في البلاد، وانقسم الدعم الأوروبي خلف فرقاء النزاع المحلي، خصوصاً فرنسا وإيطاليا.
رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي أكد في تصريحات جديدة أن مرحلة الانقسام والتنافس الأوروبي في ليبيا "باتت من الماضي"، قائلاً إن "مرحلة التنافس بين المصالح الوطنية للدول الأوروبية في ليبيا ومنطقة الساحل المضطربة انتهت، نظراً للإدراك بأن ذلك يمثل تحدياً كبيراً للغاية، بحيث لا يمكن أن تواجهه دول بمفردها".
وأضاف مخاطباً مجلس الشيوخ الإيطالي، الأربعاء، "هل تتذكرون عندما كانت هناك دول أوروبية اعتقدت أن لديها استراتيجيتها الوطنية الخاصة في ليبيا؟ لم تعد تتحدث عن ذلك، إنها تحاول تقليص وجودها في منطقة الساحل، ونحن نتجه نحو اتفاق منسق وعمل جماعي".
الموازنة العامة تناقش من جديد
محلياً، بدأت الأطراف الداخلية الليبية في التفاعل سريعاً مع الدعوات الدولية الملحّة لإنهاء الإشكالات العالقة بالمسار السياسي وحسمها في أسرع وقت، والتوجه للتركيز على الترتيبات الخاصة بإجراء الانتخابات الوطنية في ديسمبر، ومصير أغلبها في يد البرلمان الليبي، مثل الموازنة العامة وتقاسم المناصب السيادية وإقرار مقترح القاعدة الدستورية للانتخابات، المحال إليه من لجنة الحوار السياسي.
وفي أول استجابة من مجلس النواب للضغوط الدولية في شأن إنهاء هذه الاستحقاقات الملحّة، صرح المتحدث الرسمي باسم المجلس عبد الله بليحق، بأن "مجلس النواب سيعقد الإثنين المقبل جلسة خاصة لمناقشة الموازنة العامة للحكومة للمرة الخامسة"، مشيراً إلى أن "حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة ستمثل أمام البرلمان في جلسة استماع الثلاثاء المقبل".
وذكرت مصادر مطلعة ومتطابقة من داخل البرلمان الليبي أن "المجلس في طريقه للموافقة على مقترح الموازنة الحكومي الذي فشل في التصويت عليه أربع مرات خلال شهرين".
وقالت المصادر إن "مجلس النواب في طريقه أيضاً لإيجاد صيغة توافقية مع مجلس الدولة حول المناصب السيادية المتنازع عليها بين الطرفين منذ بداية العام الحالي، وأسهم هذا الخلاف إلى حد كبير في تعطيل مرور الموازنة العامة، وتقرير مصير كثير من القضايا المشتركة بينهما في سياق الحوار السياسي".