للمرة الثانية في أقل من عام، شهدت جنوب أفريقيا ما يمكن أن تكون أكبر عملية نصب وسرقة في عالم العملات المشفرة حتى الآن. فقد اختفى الأخوان أمير كاجي (17 عاماً) ورئيس كاجي (21 عاماً) بعدما أبلغا المستثمرين الذين أودعوا المليارات في شركتهما، أفريكريبت (مشفرات أفريقيا)، أن الشركة تعرّضت للقرصنة والاختراق، وأنهما يحاولان استرداد الأموال.
حدث ذلك في أبريل (نيسان) الماضي، حين ارتفع سعر "بيتكوين" فترة وجيزة مع إعلان الملياردير الأميركي إيلون ماسك أن شركته "تيسلا للسيارات الكهربائية" يمكن أن تقبل "بيتكوين" عملة دفع لشراء سيارات "تيسلا". وفي رسالة من الأخوين للمستثمرين المودعين لديهما، نصحاهم بعدم إبلاغ السلطات "لأن ذلك سيعقّد محاولة استعادة أموالهم وسعي الشركة لمواجهة عملية القرصنة".
لكن بعض المستثمرين، الذين أودعوا كل مدخراتهم لدى الشركة وكانوا على أمل تحقيق أرباح كبيرة وسريعة، ارتابوا في الأمر فاستأجروا شركة محاماة في كيب تاون لاسترداد أموالهم بعد فشلهم في ذلك. ونقلت وكالة "بلومبيرغ" عن شركة المحاماة أنها "لم تستطع" الوصول إلى الأخوين، كما أن موقع الشركة مغلق.
وذكر الموظفون التقنيون في الشركة أنهم لم يعد بإمكانهم الوصول إلى البنية الأساسية لموقع الشركة من قبل عملية الاختفاء في أبريل. كما اكتشفت شركة المحاماة أن كل حسابات الشركة أفرغت تماماً، وأن محافظ العملاء (على شبكة بلوكتشين التي تعد مثل دفتر العملات المشفرة عالمياً) خاوية تماماً أيضاً. واكتشفت أيضاً أن كل الأموال نقلت من الحسابات والمحافظ إلى محافظ عملات مشفرة أخرى عدة مرات.
النصب المشفر
وهكذا، تبخّرت 69 ألف "بيتكوين" من الشركة، تبلغ قيمتها وقت الاختفاء في أبريل ما يصل إلى 3.6 مليار دولار، لتصبح هذه أكبر عملية سرقة ونصب في مجال العملات المشفرة حتى الآن، لكن مع تراجع قيمة "بيتكوين" الآن، ربما تصل قيمة ذلك الرقم إلى أقل من مليارين ونصف المليار دولار بقليل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي العام الماضي، انهارت شركة ميرور تريدنغ إنترناشيونال لتداول "بيتكوين" في جنوب أفريقيا، ليفقد المستثمرون فيها ما يصل إلى 1.2 مليار دولار. وحسب أحدث أرقام تقارير سوق العملات المشفرة، شهدت السنوات العشر الأخيرة 80 عملية سرقة ونصب بمجموع خسائر للمستثمرين يصل إلى 2.5 مليار دولار. وتنتشر عمليات النصب والسرقة عبر كثير من شركات التداول وصرافة العملات المشفرة، خصوصاً "بيتكوين".
وفي الأسبوع الأخير من مايو (أيار) الماضي، رفعت لجنة الأسواق والأوراق المالية الأميركية دعوى قضائية في محكمة في منهاتن ضد مجموعة من مروّجي العملات المشفرة جمعوا نحو ملياري دولار من الناس بدعوى تحقيق عائد هائل شهرياً. وتلك أكبر قضية ترفع أمام المحاكم فيما يتعلق بالعملات المشفرة حتى الآن.
وعلى الرغم من أن لجنة الأوراق المالية لم تتهم مروّجي العملات المشفرة بالنصب مباشرة، فإن تفاصيل القضية تشير إلى عمليات غش وتدليس. فقد ابتكرت تلك المجموعة من الأميركيين مشتقاً استثمارياً مشفراً يدعى "بيتكونكيت" في عام 2016. وبدأت في جمع الأموال من الناس على أساس الاحتفاظ بها مدة ما بين أربعة وعشرة أشهر لاستثمارها في عملة "بيتكوين" المشفرة، وتحقيق عائد بنسبة 40 في المئة شهرياً.
وخسرت "بيتكونيكت" 95 في المئة من قيمتها، أي انهارت تقريباً، وخسر أغلب المودعين فيها كل ما يملكون. وتطالب الدعوى التي رفعتها اللجنة بإعادة أموال الناس إليهم مع غرامات مالية للسلطات أيضاً.
حكاية الأخوين رئيس وأمير
في عام 2016 أيضاً، أسس الأخوان رئيس وأمير كاجي شركتهما من كمبيوتر في غرفة نومهما، وبدآ في جذب المودعين الراغبين في الاستثمار في "بيتكوين". وواضح أن ذلك العام كان عام فورة شركات تداول وصرافة واستثمار العملات المشفرة. وزاد إقبال المستثمرين، بينما يرون حساباتهم على تطبيق الشركة في هواتفهم الذكية دائماً باللون الأخضر، أي تزيد استثماراتهم. ولا يمر شهر إلا وتحقق حساباتهم ما بين عشرة و12 في المئة من المكاسب.
بدأ الأخوان حياة بذخ وإسراف جعلتهما موضوعاً لمجلات المجتمع ومواقع الشهرة. لكنّ أحداً لم يشك في أن ذلك من أموال المودعين، فشركتهما في نمو هائل وسريع بفضل أموال المودعين التي تتقاطر عليها، وما يحدث في سوق المشفرات من ارتفاع كبير في قيمتها.
وبعد اختفائهما ومعهما الأموال كلها، حاولت شركة المحاماة مستعينة بتقنيين الوصول إلى أي أثر للأموال، لكن ذلك صعب جداً لطبيعة تلك المشفرات وشبكة "البلوكتشين". وجرى إبلاغ الشرطة في جنوب أفريقيا، حيث فتحت وحدة الجريمة المنظمة وجرائم النصب والأموال تحقيقاً في الأمر، وأبلغت شركات المشفرات حول العالم للمساعدة في اكتشاف أي نشاط يمكن أن يقود إلى الأخوين كاجي أو أموال المودعين المفقودة.
أما هيئة ممارسات القطاع المالي في جنوب أفريقيا فلا يمكنها فتح تحقيق رسمي في عملية النصب والسرقة، ذلك لأن "بيتكوين" والعملات المشفرة ليست مشتقات مالية تخضع لتنظيم الهيئة. وتلك هي مشكلة سوق المشفرات عموماً، فعلى الرغم من أن بعض شركات التداول والصرافة مسجلة لدى السلطات في بعض البلدان فإن أغلبها لا تخضع لأي لوائح أو قواعد تنظيم عمل، بالتالي يصعب تماماً التدقيق في عملياتها من قبل السلطات.