حذّر صندوق النقد الدولي من ارتفاع وشيك في أسعار السلع والمواد الغذائية خلال الفترة المقبلة، خصوصاً مع ظهور بعض مؤشرات تؤكد ارتفاع معدلات التضخم. وفيما تشير أحدث البيانات إلى انخفاض في تضخم أسعار المواد الغذائية الاستهلاكية على مستوى العالم، لكن قد يتغير ذلك خلال الأشهر المقبلة. في حين من المتوقع أن يواجه المستهلكون على مستوى العالم موجة جديدة من ارتفاعات الأسعار مثلما حدث خلال العام الماضي، حين ارتفعت الأسعار في النهاية مرة أخرى.
ومن المحتمل أن تكون هناك اختلافات كبيرة بين البلدان نظراً إلى عوامل مختلفة، ومن المرجح أن يشعر المستهلكون بالتأثير أكثر في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، التي لا تزال تصارع تأثيرات جائحة فيروس كورونا المستجد.
فرض رسوم جمركية
وكشف الصندوق في تقرير حديث عن أن الزيادة جاءت في تضخم أسعار المواد الغذائية الاستهلاكية قبل انتشار الوباء. ففي صيف عام 2018، تعرضت الصين لتفشي حمى الخنازير الأفريقية، ما أدى إلى القضاء على كثير من قطيع الخنازير في الصين، الذي يمثل أكثر من 50 في المئة من الخنازير في العالم. وأدى هذا إلى ارتفاع أسعار اللحوم في بكين إلى أعلى مستوى على الإطلاق بحلول منتصف عام 2019، وهو ما أحدث تأثيراً مضاعفاً على أسعار اللحوم والبروتينات الحيوانية الأخرى في عديد من المناطق حول العالم.
وقد تفاقمت الأزمة بفعل فرض رسوم جمركية على الواردات الصينية على لحوم الخنازير وفول الصويا في الولايات المتحدة خلال النزاع التجاري بين واشنطن وبكين. وقال التقرير إنه في بداية الوباء، أدت اضطرابات سلسلة الإمداد الغذائي، والتحول من الخدمات الغذائية (مثل تناول الطعام بالخارج) إلى البقالة بالتجزئة، وتخزين المستهلك (إلى جانب الارتفاع الحاد في قيمة الدولار الأميركي) إلى ارتفاع مؤشرات أسعار المواد الغذائية الاستهلاكية في بلدان عدة، مع ارتفاع تضخم المواد الغذائية الاستهلاكية إلى ذروته في أبريل (نيسان) 2020، على الرغم من انخفاض أسعار المنتجين للسلع الأولية، بما في ذلك الغذاء والطاقة بشكل حاد، مع تعطل الطلب على السلع الغذائية الأولية. ومع ذلك، بحلول أوائل صيف 2020، تراجعت أسعار المواد الغذائية الاستهلاكية المختلفة، ما أدى إلى انخفاض تضخم تلك المواد في عديد من الدول.
الأسعار تتأثر بارتفاع تكلفة الشحن البحري
وفي حين أن أسعار المواد الغذائية قد تكون ارتفعت، فمن المبالغة القول إنها ترتفع حالياً بأسرع وتيرة لها منذ سنوات. كما أنها لا تسهم في الوقت الآني في التضخم الرئيس، على الرغم من أنها قد تفعل ذلك في وقت لاحق من هذا العام، وربما تستمر الأزمة حتى عام 2022.
من ناحية أخرى، ارتفعت أسعار المنتجين أخيراً، لكن الأمر يستغرق ما لا يقل عن ستة إلى 12 شهراً قبل أن تعكس أسعار المستهلك التغيرات في أسعار المنتجين. أيضاً، في المتوسط، يكون العبور من أسعار المنتجين إلى أسعار المستهلك نحو 20 في المئة فقط. وذلك لأن أسعار المواد الغذائية الاستهلاكية تشمل تكاليف شحن السلع الغذائية الأولية، وتجهيز وتعبئة وتسويق المواد الغذائية، وتكاليف التوزيع النهائية مثل تكاليف النقل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار التقرير إلى ارتفاع أسعار الشحن البحري وفقاً لمؤشر مقياس لتكاليف الشحن بنحو اثنتين إلى ثلاث مرات خلال الأشهر الـ12 الماضية. بينما أدى ارتفاع أسعار البنزين ونقص سائقي الشاحنات في بعض المناطق إلى ارتفاع تكلفة خدمات النقل البري. وسيؤدي ارتفاع تكاليف النقل في نهاية المطاف إلى زيادة تضخم أسعار المواد الغذائية الاستهلاكية.
ومن أدنى مستوياتها في أبريل من العام 2020، ارتفعت أسعار الغذاء الدولية بنسبة 47.2 في المئة، لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2014 خلال شهر مايو (أيار) 2021. على سبيل المثال وخلال الفترة بين مايو 2020 ومايو 2021، ارتفعت أسعار فول الصويا والذرة بأكثر من 86 و111 في المئة على التوالي.
3 أسباب وراء الأزمة
وكشف التقرير عن أن هناك ثلاثة عوامل رئيسة وراء الارتفاع الأخير في أسعار المنتجين، يتمثل الأول في أن الطلب على المواد الغذائية الأساسية للاستهلاك البشري وعلف الحيوانات ظل مرتفعاً، لا سيما من الصين، إذ قامت الدول بتخزين احتياطات غذائية بسبب المخاوف المتعلقة بالوباء بشأن الأمن الغذائي.
ويتعلق السبب الثاني في أن أزمة المناخ تسببت في وجود طقس جاف في البلدان الرئيسة المصدرة للأغذية، بما في ذلك الأرجنتين والبرازيل وروسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة. وقد أدى ذلك، في بعض الحالات، إلى عدم تلبية المحاصيل. ومع تجاوز الطلب العرضَ، وصلت نسب الأسهم إلى الاستخدام في الولايات المتحدة والعالم، وهي مقياس لضيق السوق، إلى أدنى مستوياتها في سنوات عدة لبعض السلع الأساسية.
أما السبب الثالث فيتعلق بالطلب القوي على الوقود الحيوي الذي أدى إلى زيادة الطلب على المضاربة من قبل التجار غير التجاريين، كما أن قيود التصدير هي عوامل إضافية تدعم أسعار المنتجين العالمية.
واستناداً إلى هذه المعطيات، فمن المرجح أن يرتفع تضخم أسعار المواد الغذائية الاستهلاكية مرة أخرى في الفترة المتبقية من عامي 2021 و2022. وبالفعل، بدأت الزيادة الحادة الأخيرة في أسعار المواد الغذائية الدولية بالفعل تتغذى ببطء على أسعار المستهلك المحلي في بعض المناطق، لأن تجار التجزئة، غير القادرين على استيعاب التكاليف المتزايدة، ينقلون الزيادات إلى المستهلكين.
ارتفاع فاتورة واردات الدول النامية
ومع ذلك، فمن المرجح أن يأتي المزيد، إذ من المتوقع أن ترتفع أسعار المواد الغذائية الدولية بنحو 45 في المئة خلال العامين الحالي والمقبل، منها 25 في المئة خلال العام الحالي، و20 في المئة خلال العام المقبل. ويعني ذلك زيادة تضخم أسعار المواد الغذائية الاستهلاكية بنحو 3.2 نقطة مئوية و1.75 نقطة مئوية في المتوسط خلال عامي 2021 و2022. كما يمكن إضافة نقطة مئوية واحدة إضافية إلى التضخم العالمي للغذاء الاستهلاكي لعام 2021 من خلال ارتفاع أسعار الشحن.
وكشف التقرير عن أن الأزمة سوف تختلف من بلد إلى آخر، إذ يمكن أن يشهد المستهلكون في الأسواق الناشئة زيادات أعلى بسبب زيادة الاعتماد على الواردات الغذائية. على سبيل المثال، بلدان في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كما أن التحول من أسعار المنتجين إلى أسعار المستهلك يميل إلى أن يكون أكبر بالنسبة إلى الأسواق الناشئة.
وبالنسبة إلى البلدان منخفضة الدخل التي تعاني حتى الآن من تأثيرات وتداعيات جائحة كورونا، قد تكون آثار زيادة تضخم أسعار الغذاء وخيمة وتهدد بتراجع الجهود المبذولة للقضاء على الجوع. أيضاً، فإن الأسواق الناشئة والبلدان منخفضة الدخل هي أيضاً أكثر عرضة لصدمات أسعار الغذاء، لأن المستهلكين في هذه الدول ينفقون عادةً نسبة كبيرة نسبياً من دخلهم على الغذاء.
وبالنسبة إلى الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، هناك عامل خطر إضافي يتمثل في انخفاض قيمة العملة مقابل الدولار الأميركي، ربما بسبب انخفاض عائدات الصادرات والسياحة وصافي تدفقات رأس المال الخارجة. ونظراً إلى أن معظم السلع الغذائية تُتداول بالدولار الأميركي، فقد شهدت البلدان ذات العملات الأضعف ارتفاعاً في فاتورة الواردات الغذائية.