تحت شعار "احميها من الختان"، أطلق المجلس القومي للمرأة المصرية، بالتعاون مع "القومي للطفولة والأمومة"، حملة لطرق الأبواب للتوعية بمخاطر عادة ختان الإناث، بالمحافظات المصرية، بالإضافة لعقد مؤتمرات تثقيفية من أجل تغيير قناعات المواطنين، خصوصاً على مستوى القرى والأرياف حول تلك العادة التي ما زالت منتشرة بكثرة، على الرغم من انحسارها بالمدن والحضر.
ختان الإناث
يعرف الختان دولياً، طبقاً لمنظمة الصحة العالمية، بأنه "التشويه المتعمد للأعضاء التناسلية للإناث، سواء ما ينطوي على هذا من إزالة جزئية أو كلية منها لأسباب ثقافية، أو غير طبية، ما يعد انتهاكاً حقيقياً لحقوق الفتيات والسيدات، لأضراره العضوية والنفسية الجسيمة المترتبة عليه".
وكشف تقرير رسمي للمجلس القومي للسكان عن تراجع نسب انتشاره من 74 إلى 61 في المئة وسط الفئة العمرية من 15 -17 سنة، إلا أنه على الرغم من هذا الانخفاض ما زالت قناعة المواطنين في الريف المصري مؤمنة بأن الختان فضيلة، خاصة في إقليم صعيد مصر. وطبقاً لمنظمة الصحة العالمية فإن مصر تحتل المركز الرابع عالمياً في انتشار عادة الختان، على الرغم من تجريم القانون المصري لتلك الجراحة الآثمة.
يذكر أن قرية الحواتكة بمركز منفلوط في محافظة أسيوط شهدت في فبراير (شباط) من عام 2020 مصرع طفلة تبلغ من العمر 12 عاماً خلال خضوعها لعملية ختان في عيادة خاصة لطبيب متقاعد.
الخوف من العقم سبب الختان!
وذكرت مكة محمد، رائدة ريفية وناشطة في حملات طرق الأبواب في قرى أسوان، أن من أسباب بقاء عادة ختان الإناث بشكل كبير، هو اعتقاد الكثير من السيدات والمواطنين، أن عدم ختان الفتيات يسبب العقم لهن بعد الزواج، ما يدفع الأسر إلى التعجيل بختان الإناث بطفولتهن. وأضافت أن "قناعة المجتمع في المدن والحضر أصبحت راسخة بأن الختان جريمة في حق الفتيات، وقد تدمر حياتهن للأبد بفضل ارتفاع معدلات التنمية والتعليم، إلا أنه في بعض القرى ما زالت عادة الختان محاطة بعدة خرافات وأساطير منها الخوف من العقم والتنمر للتخلف من الختان".
وقالت فاطمة الهواري، ربة منزل بمحافظة قنا، "إن حملة (احميها من الختان) أقنعتها بأنه عادة ليس لها أساس ديني، وليس لها أي فوائد، بل تتسبب في أضرار جسيمة ومتنوعة للفتيات"، لافتة إلى "أنها تراجعت عن قرار تختين ابنتها حرصاً على سلامتها حتى لا تتعرض للموت والأضرار النفسية والجسدية".
وذكرت حسناء الجبلاوي، ربة منزل، أنها "كانت تؤمن بأن ختان الإناث عادة حسنة، لكن بعد أن عايشت عدداً من حالات الطلاق بسبب البرود الجنسي الناجم عن الختان في طفولتهن، قررت التحذير من هذه العادة العشوائية التي تقهر الفتيات في سن مبكرة، عبر التطوع في الحملة".
الذكرى الأسوأ في ذهن الفتيات
من جانبها، قالت هدى سعدى، مقرر المجلس القومي للمرأة في قنا، "إنه يكفي الختان قبحاً بأنه الذكرى الأسوأ في ذهن الفتيات مهما طال بهن العمر، لما في ذلك من طقوس تقهر فيها الفتاة للخضوع لتلك الجراحة الآثمة، الأمر الذي يفقدها الثقة في كل من حولها"، مؤكدة، أن "جهود المجلس القومي للمرأة لن تتوقف حتى يتم تغيير قناعة المجتمع إزاء هذه العادة الآثمة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشارت الأديبة راندا ضياء، إلى أنها "مرت بتجربة مريرة مع ختان الإناث، فخلال خضوعها لعملية الختان، أصيبت بنزيف حاد جراء قيام الطبيب بقطع شرايين رئيسة في موضع عفتها، ما دفع الطبيب للهروب، مطالباً أسرتها بنقل الفتاة للمنزل للتعافي إلا أن النزيف تفاقم، ونقلت على أثره إلى العناية المركزة".
وأضافت أنه "على الرغم من نجاتها من الموت بأعجوبة، فإن تجربة الختان ظلت، وما زالت عالقة في وجدانها بشكل مؤسف، لذلك قررت عند ظهور موهبة الكتابة الأدبية لديها، أن تنتج ديواناً يحكي مأساة الفتيات مع عادة الختان، لقي استحساناً كبيراً في قصور الثقافة بصعيد مصر".
الداية فوزية عزيز
عملت الداية فوزية عزيز بمحافظة المنيا 30 عاماً في إجراء عمليات الختان للفتيات، إلا أنها عقب ملاحظتها الأضرار الجسيمة التي تلحق بالفتيات، كارتفاع نسبة الطلاق بين المختونات بسبب انهيار حياتهن الزوجية، بفعل تشويه أعضائهن التناسلية، قررت في لحظة فارقة أن تقود جهود التوعية في صعيد مصر للقضاء على هذه العادة.
وأشارت الداية فوزية، إلى أن "عملية الختان مؤلمة، سواء أجريت على يد طبيب، أو داية، ولا يوجد منفعة واحدة منها، بل إنها تدمر حياة الفتيات". ولفتت إلى أنها "كانت صادقة مع نفسها حينما قررت أن تسبح عكس التيار للمطالبة بوقف عادة الختان في قرى محافظة المنيا وصعيد مصر"، مؤكدة أن "الجهل ما زال يتحكم في تلك العادة، على الرغم من تغليظ عقوبة الختان"، مناشدةً أولياء الأمور عدم تعريض بناتهن للموت والتدمير النفسي والعضوي، معتبرة جراحة الختان بمثابة عملية قتل لأنوثة الفتيات.
أضرار الختان
تتعدد الأضرار العضوية والنفسية والاجتماعية لختان الإناث، ما جعل حملات طرق الأبواب تستخدم تلك الأضرار كوسيلة لإقناع المواطنين. أوضح إبراهيم القوصي، استشاري أمراض النساء والتوليد، أنه "لا يوجد أي سبب علمي يتطلب إجراء جريمة الختان، بل إن هناك أضراراً بالغة على صحة المرأة، قد تستمر معها في جميع مراحلها العمرية، منها التهاب المسالك البولية، وتكيسات المبيض، وتقرحات الرحم، وتكوين أورام ليفية، والبرود الجنسي، علاوة على الأضرار النفسية المتمثلة في انهيار الثقة في النفس والمجتمع".
"بدور" أيقونة ضحايا الختان
في عام 2007 لقيت بدور، طفلة في المرحلة الابتدائية لم تتجاوز 12 عاماً، مصرعها، في مركز مغاغة بمحافظة المنيا بشمال صعيد مصر، خلال خضوعها لعملية الختان، في 14 من يونيو (حزيران)، نتيجة نزيف حاد، وسط حالة من الغضب في كافة الأوساط الثقافية والنسائية. وتقرر عقب هذه الواقعة المؤسفة تخصيص ذلك اليوم (14 يونيو) كيوم وطني مصري لمناهضة ختان الإناث في مصر.
وأشارت صابرين جابر، مقرر المجلس القومي للمرأة بالأقصر، إلى أن مصر سنوياً منذ مقتل بدور تكثف حملات التوعية عبر حملات ومؤتمرات شعبية وميدانية للتحذير من مخاطر تلك العادة الهمجية التي تسبب العديد من الأضرار الصحية والنفسية للفتيات، وتعرضهن للموت والانهيار، كما يعقد المجلس القومي للمرأة ندوات متنقلة للتحذير منها على مدار العام.
تغليظ العقوبة القانونية
أوضحت مروة عبدالرحيم، محامية متخصصة في الدفاع عن حقوق المرأة، أن "مجلس النواب وافق على قانون لتغليظ عقوبة ختان الإناث لتصل إلى السجن المشدد لمدة لا تقل عن 10 سنوات، لكل من أجرى أو تقدم أو شارك في عملية الختان". وأشارت إلى أن "القانون الجديد شدد على عقوبة ختان الإناث في المادة رقم 242، حيث نص القانون على معاقبة كل من طلب ختان أنثى وجرى ختانها بناءً على طلبه بالسجن مدة لا تقل عن 5 سنوات، وإذا نشأ عن ذلك الفعل عاهة مستديمة تكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن 7 سنوات، أما إذا أفضى الفعل إلى الموت فتكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن 10 سنوات".