صادقت الحكومة الروسية، الجمعة 25 يونيو (حزيران) الحالي، على اتفاقية إنشاء مركز لوجستي للإمداد المادي والتقني للأسطول البحري الروسي في السودان، وذلك بحسب ما نقلته قناة "روسيا اليوم"، وسط صمت من الجانب السوداني الذي لم يعلق على الخبر حتى الآن.
ويأتي ذلك بعد تسلم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في 23 يونيو، مرسوماً من الحكومة الروسية ليوقعه.
وكان الرئيس السوداني السابق، عمر البشير، أعلن في مقابلة أجريت معه في عام 2017، عن إمكانية إنشاء قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر في السودان. وبعد الشروع في إنشاء تلك القاعدة، سقطت حكومة البشير. وجمدت الحكومة السودانية الحالية العمل فيها في عام 2020. وسحبت روسيا معداتها وآلياتها، آنذاك، من منطقة البحر الأحمر. ويفترض ألا يتجاوز عدد أفراد القاعدة اللوجستية المراد إنشاؤها، 300 فرد من الجانب الروسي، بالإضافة إلى 4 سفن روسية.
شد وجذب
وعلى الرغم من الرغبة الروسية الكبيرة في بناء علاقات مع السودان، فإن الجانب السوداني لم يصرح في هذا الشأن حتى الآن، على الرغم من وجود وزير الدفاع السوداني، ياسين إبراهيم ياسين، في روسيا منذ أيام. وأطلقت روسيا خبر المصادقة أثناء وجود الوزير السوداني على أراضيها، تأكيداً لمباركة الطرفين إنشاء القاعدة.
وفي حين يُعرف أن لروسيا دوراً تاريخياً في السودان، قال رئيس أركان القوات البحرية السودانية سابقاً، الفريق أول ركن فتح الرحمن محيي الدين صالح، إن "العلاقات الروسية - السودانية بدأت عام 1969، بعد انقلاب حكومة الرئيس جعفر نميري. وبدأ التعاون في المجال العسكري، خصوصاً من خلال تأمين الدبابات الروسية والأسلحة بأنواعها لصالح القوات السودانية. وكان الضباط وضباط الصف السودانيون يرسلون لاكتساب خبرات عسكرية في روسيا. وكذلك أنشئت قوات الدفاع الجوي السوداني من قبل الروس في عام 1970، ولكن لم يستمر هذا التعاون وانقطع بعد انقلاب هاشم عطا، الشيوعي، ولم يستأنف حتى عام 2017 عندما بدأ إنشاء قاعدة روسية في السودان، وتم إبرام إتفاقية قبل سقوط البشير بفترة قصيرة. وتمت هذه الإتفاقية على عجل، ولم يتم وضع نقاط واضحة فيها لتحقيق مصالح حقيقية للسودان، وكان الهدف منها هو حماية السودان بواسطة روسيا فقط".
وأوضح صالح أنه "بعد سقوط نظام البشير، صدر قرار بتجميد الإتفاقية والعمل على إعادة صياغتها لتحقق مصالح مشتركة بين البلدين، وشكلت لجنة لدراسة القرار كاملاً". واعتبر أن "المصادقة هي بمثابة مبادرة من الجانب الروسي تعبيراً عن رغبته في استكمال القاعدة في السودان، وهذه بادرة حسن نية من روسيا، التي أبدت رغبتها في إعادة العلاقات على الرغم من سحب معداتها من السودان فور تجميد الاتفاقية. ولا أرى في ذلك مشكلة، خصوصاً أن السودان يحتاج إلى دعم عسكري والاستفادة من ثروته السمكية والبحرية عن طريق روسيا التي تملك خبرة كبيرة في المجال".
ونوه رئيس أركان البحرية السودانية السابق بـ"حاجة السودان إلى العلاقات الروسية لتزويدنا بالتسليح لأنه مكلف، كما ستساعدنا هذه العلاقات على الحفاظ على السفن وإنشاء قوات بحرية تضاهي القوات الأخرى في المنطقة، هدفها حماية شواطئنا". وأضاف، "يجب تكوين المجلس التشريعي أولاً والموافقة عليه لإتمام الاتفاق. القاعدة لوجستية، وليست عسكرية، وهذا يعني أنها لا تحتوي على نشاط عسكري أو تدريبي".
وأكد صالح أن "وزير الدفاع السوداني الذي يزور روسيا للمشاركة في تجمع عسكري كبير، قد يكون حمل معه اقتراحاً لإنشاء القاعدة الروسية، ما دفع روسيا إلى إعلان مصادقتها على إنشاء القاعدة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
استنكار واضح
في المقابل، قال المتخصص في العلاقات السودانية – الروسية، الصادق المقلي، إنه "قبل سنتين، وفي أعقاب سقوط نظام الإنقاذ (أيام البشير)، أورد تلفزيون روسيا اليوم خبراً مفاده أن السودان وقع اتفاقية مع روسيا، إبان آخر زيارة للبشير إلى موسكو. وينص الإتفاق على إنشاء موسكو مركز لوجستي على البحر الأحمر لسفن روسية تحمل رؤوساً نووية، وبوتين نفسه أكد ذلك، بحسب تقرير نشرته "روسيا اليوم". ولاذ نظام الإنقاذ حينها بالصمت ولم يكشف النقاب عن هذه الاتفاقية، حتى إن الحكومة الانتقالية ووزارة الدفاع لم تتحدثان عن هذه الاتفاقية إلا بعد زيارة الوفد العسكري الأميركي إلى السودان. وأخيراً، وردت أنباء عن أن الحكومة الانتقالية اتخذت قراراً بصرف النظر عن الإتفاقية مع موسكو".
وتابع المقلي، "ما ذكر عن مصادقة روسيا على إنشاء هذا المركز اللوجستي يثير تساؤلات عدة، أولها، لماذا دأبت موسكو في كل مرة على الإعلان عن هذا الاتفاق من جانب واحد، وذلك غير متعارف عليه في العمل الدبلوماسي، إذ لا بد من إعلان مثل اتفاق كهذا من قبل الطرفين، وليس بصورة أحادية، الأمر الذي يحتم على الحكومة الانتقالية، وعلى الأقل على مستوى وزراة الدفاع، تأكيد أو نفي الموافقة على هذه الاتفاقية مع موسكو، لذلك ليس من الموضوعية تأكيد الخبر الذي أعلن من طرف واحد طالما أن حكومة السودان لاذت بالصمت".
العلاقة مع أميركا
وعن علاقة العلاقات الأميركية - السودانية وتأثرها بالقاعدة الروسية، قال المقلي، "ربما يثير هذا الخبر حفيظة الولايات المتحدة لأن من شأن هذه الخطوة أن تعيد إلى الأذهان التنافس الدولي على النفوذ في المنطقة من جهة، وأمن البحر الأحمر من جهة أخرى".
ورأى صالح أن "السودان دولة ذات سيادة، ولا يمكن أن تملي أي دولة أخرى شروطها عليها، ولا بد أن تكون العلاقات متوازنة بين الدول، والابتعاد عن سياسة المحاور التي أضرت كثيراً بالسودان".
واعتبر المتخصص في العلاقات السودانية - الروسية أنه "طالما أعلن الخبر من جانب واحد، لا يمكن الجزم بموافقة الحكومة الانتقالية عليه. ولماذا لم يصدر أي تصريح رسمي سوداني عن الاتفاقية؟". وأضاف، "أما إذا افترضنا أن الاتفاقية صحيحة والجانب السوداني موافق عليها، فهذا عين التخبط في السياسة الخارجية ومؤشر إلى تعدد مراكز صناعة هذه السياسة. ومن المؤكد أنه قرار من المكون العسكري، ولا أعتقد أن هذه الاتفاقية تم تدارسها في الجهاز التنفيذي. وللمرء أن يتساءل كيف يتم هضم هذه الاتفاقية في واشنطن في ظل التقارب الأميركي - السوداني والخطوات الإيجابية والاختراق الكبير الذي تم في ملف العلاقات الخارجية بفضل التفاهمات المعروفة للجميع مع الولايات المتحدة. وحتى ولو صح هذا الاتفاق لا بد من المصادقة عليه من قبل الجهاز التشريعي الذي ما زال في علم الغيب".