مع اقتراب عملية الملء الثاني لسد النهضة المثير للجدل من دون اتفاق بين إثيوبيا ودولتَي مصب نهر النيل (مصر والسودان)، تحتدم الحرب الكلامية بين البلدان الثلاثة، وسط ترقّب لما سيحدث خلال شهرَي يوليو (تموز) وأغسطس (آب) المقبلين، الموعد المعلن مسبقاً من قبل أديس أبابا لتنفيذ الملء تزامناً مع موسم الفيضان الجديد.
وخلال الساعات الأخيرة، تبادلت القاهرة وأديس أبابا تهديدات سياسية وعسكرية، على وقع استمرار جمود مسار المفاوضات المتوقفة منذ أبريل (نيسان) الماضي، في وقت تحدثت تقارير محلية مصرية عن جهد أميركي لحل الأزمة عبر مفاوضات برعاية الاتحاد الأفريقي.
حرب كلامية
وبعد تصريحات لجنرال إثيوبي بارز قال فيها إن بلاده لا تسعى إلى حل قضية سد النهضة مع مصر والسودان عسكرياً لكنها مستعدة لهذا السيناريو، مضيفاً أن القاهرة لا تستطيع تدمير السد حتى لو أرادت ذلك، أعلنت مصر على لسان وزير خارجيتها سامح شكري أن "ادعاءات" أديس أبابا "هدفها التهرب والتنصل من الالتزامات"، وإن لدى مصر "القدرة على الدفاع عن مصالح شعبها".
وأوضح شكري في تصريحات إعلامية أدلى بها مساء الجمعة 25 يونيو (حزيران) الحالي، أن بلاده تقدمت بطلب جديد لمجلس الأمن، دعماً لطلب السودان عقد جلسة عاجلة حول سد النهضة، مشيراً إلى أن لمجلس الأمن الحق في النظر بالقضية، لأن جهود الإطار الأفريقي لم تصل إلى نتائج بعد أعوام من العمل. وأضاف وزير الخارجية المصري "يطلق المسؤولون الإثيوبيون تصريحات استفزازية عن العمل العسكري لصرف الأنظار والتهرب من الاتفاق"، لافتاً إلى أن أديس أبابا رفضت استئناف المفاوضات برعاية الاتحاد الأفريقي في كينشاسا، و"ما زالت المفاوضات مجمدة بسبب التعنت الإثيوبي".
من جانبه، قال مدير إدارة الهندسة في وزارة الدفاع الإثيوبية الجنرال بوتا باتشاتا ديبيلي إن بلاده "مستعدة للدفاع عن سد النهضة ضد أي هجوم يمسّ سيادتها"، وذلك بعد رسالة بعثت بها أديس أبابا إلى مجلس الأمن ترفض تدخله في قضية السد. وأوضح الجنرال ديبيلي في تصريحات نقلتها عنه قناة "روسيا اليوم" خلال زيارته موسكو، أن "لا حل عسكرياً لأزمة السد"، مشيراً إلى أن "مصر لا يمكنها تدميره حتى لو أرادت ذلك".
وبحسب حديث ديبيلي، فإن "الجانب المصري لا يريد حل المشكلة من خلال المفاوضات. هم يأتون للنقاش ويرفضون كل المقترحات". وتابع أن "القاهرة لن تحاول مهاجمة السد، ولكن حتى لو هاجمته، فلن تستطيع حل المشكلة أو تدميره، لأنه لا يمكن تدميره بقنابل الطائرات المقاتلة، وهي تعرف أن السد متين".
وتأتي التطورات الأخيرة بعد أيام من طلب الخرطوم الثلاثاء الماضي، من مجلس الأمن الدولي عقد جلسة في أقرب وقت ممكن، لبحث تطورات الخلاف حول سد النهضة. ووفق الطلب الذي بعثت به وزيرة الخارجية السودانية مريم المهدي إلى مجلس الأمن، جددت بلادها اتهامها لأديس أبابا بالتعنت خلال المفاوضات المتعثرة، في إطار أزمة اختتمت عامها العاشر بين الدول الثلاث.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، أعلنت إثيوبيا الجمعة، في رسالة إلى مجلس الأمن، رفضها سعي كل من مصر والسودان إلى تدخل المجلس في قضية سد النهضة. وقالت، بحسب ما نقلت وكالة "فانا" للأنباء، إن "الموضوع خارج نطاق تفويض مجلس الأمن" ودعته إلى "تشجيع القاهرة والخرطوم على مواصلة التفاوض بحسن نيّة تحت رعاية الاتحاد الأفريقي".
ومنذ أبريل (نيسان) الماضي، في أعقاب فشل جولة المفاوضات الأخيرة التي رعتها الكونغو الديمقراطية بصفتها الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، يتبادل السودان ومصر من جهة، وإثيوبيا من جهة أخرى، اتهامات بالمسؤولية عن تعثّر المفاوضات حول السد الذي تقيمه أديس أبابا على النيل الأزرق، الرافد الرئيس لنهر النيل.
وأجرت القاهرة والخرطوم الشهر الماضي، تدريبات عسكرية كانت الأشمل والأوسع بينهما، تحت اسم "حماة النيل"، ما عدّه مراقبون تحركاً يحمل رسائل مبطنة لأديس أبابا، بأن البلدين لن يتهاونا في الدفاع عن مصالحهما المائية. وفي 12 يونيو الحالي، أبلغت مصر مجلس الأمن اعتراضها على اعتزام إثيوبيا بدء الملء الثاني لسد النهضة المحدد في يوليو المقبل.
إلى أين يتجه الموقف؟
يرى مراقبون تحدثوا لـ"اندبندنت عربية"، أن تطورات أزمة سد النهضة التي لم تشهد بعد أي انفراجة سياسية، وتشهد تصعيداً مستمراً من دون أفق للحل، ربكت تنجرف سريعاً نحو "الحل العسكري" في حال استمرار المخاوف المصرية والسودانية بلا "تطمينات وضمانات حقيقية" من الجانب الإثيوبي لمصالحهما المائية.
وقال ضياء القوصي، مستشار وزير الري المصري الأسبق إن "تقديرات الجانب الإثيوبي المعلنة على الأقل بشأن عدم قدرة دولتَي المصب على حماية مصالحهما المائية بأي تكلفة كانت، هي تقديرات يجانبها الصواب"، مضيفاً أن "تحرك القاهرة والخرطوم باتجاه المؤسسات الدولية المعنية والدول الفاعلة في المجتمع الدولي والقارة الأفريقية في الأسابيع والأشهر الأخيرة، وأخيراً مجلس الأمن، يبعث برسالة واضحة مفادها رفض الدولتين تهديد سد النهضة لمصالحهما وأمنهما المائي، والتأكيد على أن الإصرار الإثيوبي على المضي قدماً باتجاه الملء الثاني حتى من دون اتفاق قانوني ملزم، يهدد السلم والأمن الإقليمين".
وفيما رجّح القوصي اتجاه الأمور نحو الخيار العسكري لحل الأزمة من قبل دولتَي المصب في حال إلحاق ضرر بهما من عملية الملء الثاني، "إذ لا يمكن للبلدين ترك مصيرهما المائي تحت السيطرة الإثيوبية"، رأت السفيرة منى عمرو، مساعدة وزير الخارجية المصري الأسبق للشؤون الأفريقية، أن "القاهرة والخرطوم لا تزالان تتبعان النهج السياسي السلمي في البحث عن حل لأزمة سد النهضة، من دون الإقرار بعد بالخيار العسكري كحل نهائي ووحيد للأزمة القائمة".
واعتبرت عمرو أن "لجوء دولتَي المصب إلى مجلس الأمن، بغض النظر عن النتائج المنتظرة من احتمالات عقد جلسة طارئة لمناقشة الملف في الأيام المقبلة، تؤكد أن التوتر القائم بسبب سد النهضة يعمّق من التوتر القائم في المنطقة ويهدد السلم والأمن الدوليين، وعليه، يُفترض بالمجتمع الدولي الاضطلاع بمسؤوليته للتدخل وحل الأزمة سريعاً".
وبحسب عمرو، فإن المشكلة بين الدول الثلاث تكمن في "تنصّل أديس أبابا من التوصل إلى اتفاق ملزم وشامل بشأن تشغيل السد وملئه، لكن لا يزال هناك متسع من الوقت للضغط عليها للوصول إلى هذه النقطة بالوسائل السياسية والدبلوماسية، قبل الوصول إلى الخيار العسكري كحل أخير".
وتخشى القاهرة والخرطوم أن يؤثر السد الإثيوبي في حصّتيهما من مياه النيل البالغة (55 ونصف مليار متر مكعب سنوياً و18.5 مليار متر مكعب على التوالي)، وهو ما تنفيه أديس أبابا، وتقول إنها تسعى إلى توليد الطاقة لا حجز المياه، كذلك يتخوف السودان من معايير أمان السد الذي قد يتسبب انهياره، إذا ما حدث، في غرق مساحات شاسعة من البلاد وتضرر ملايين السكان.
وعلى الرغم من حضّ دولتَي المصب، إثيوبيا على تأجيل خططها لملء خزان السد حتى التوصل إلى اتفاق شامل، أعلنت أديس أبابا في 21 يوليو 2020، أنها أنجزت المرحلة الأولى من ملء الخزان البالغة سعته 4.9 مليار متر مكعب، التي تسمح باختبار أول مضختين في السد. كما أكدت عزمها على تنفيذ المرحلة الثانية من ملء بحيرة السد في يوليو وأغسطس المقبلين. وتطالب مصر والسودان بالتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم قبل الملء الثاني لخزان سد النهضة.
وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مارس (آذار) الماضي، إن "مياه النيل خط أحمر، وأي مساس بها سيكون له رد فعل يهدد استقرار المنطقة بالكامل". وشدد السيسي في تصريحات لاحقة أدلى بها في 5 مايو (أيار) الماضي، خلال لقائه المبعوث الأميركي إلى القرن الأفريقي جيفري فيلتمان، على أن "قضية سد النهضة الإثيوبي وجودية بالنسبة إلى مصر، التي لن تقبل بالإضرار بمصالحها المائية أو المساس بمقدرات شعبها". ودعا إلى ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم وتجنيب المنطقة مزيداً من التوتر وعدم الاستقرار.