كسر صوت الانفجارات المتواترة على طول شواطئ الساحل السوري هدوء مدينتين تطلان على البحر الأبيض المتوسط، فيما استشعر الأهالي خطراً مجهول المصدر سرعان ما بدده إعلان ماهية انفجارات ناجمة عن تدريبات روسية مشتركة بين قوتيها البحرية والجوية.
الصاروخ "كينجال" وصل
تدريبات البحرية أكدتها وكالة الأنباء الرسمية "سانا" في حين أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن وصول مقاتلتين حديثتين من طراز "ميغ 31" إلى قاعدة حميميم الجوية في مدينة جبلة الواقعة بريف اللاذقية، غرب سوريا، ولأول مرة، حيث يأتي وصولهما في سياق التدريبات المعلن عنها.
أهمية هذا الجيل من المقاتلات يكمن في القدرات القتالية العالية إلى جانب تمكنها من حمل أهم الصواريخ المحمولة جواً وأكثرها تطوراً صاروخ "كينجال" ويعني بالروسية (الخنجر)، إذ يتمكن من قطع مسافة ألفي كيلومتر متجاوزاً في الوقت الحالي أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي ليصيب الهدف بدقة.
ولدى الصاروخ "أكس -47 أم2" "كينجال" القدرة أيضاً على تدمير الأهداف حتى المعادية منها، سواء كانت أرضية ثابتة أو بحرية متنقلة على سطح المياه كالمدمرات أو حاملات الطائرات، والفرقاطات.
ويصفه خبراء في الشأن الروسي أنه فخر الصناعة الحربية، ويشبه إلى حد كبير صاروخ "إسكندر" لكنه مخصص للقوات الجوية، وفق ما أعلنته شركات صناعة الطائرات الروسية، وما نقلته صحيفة "فيدموستي".
في المقابل، أعلن قائد الطيران بعيد المدى في القوات الجوية الروسية، سيرغي كوبيلاش عن نجاح التدريبات القتالية في المتوسط، والكشف عن إصابات دقيقة للصواريخ "كينجال" فرط الصوت لأهداف في البحر المتوسط.
وقال في تصريحات له نقلتها وكالة "سبوتنيك" الروسية "اكتسب طيارو المقاتلات مهارات عملية في أداء المهام بمناطق جغرافية جديدة ونفذت إصابة هدف افتراضي بجودة عالية".
الحرب في الشمال الغربي
من جهة ثانية، عزز إعلان التدريبات الأخيرة بلا شك مخاوف الفصائل المعارضة في الشمال الغربي السوري، إدلب وريفها، حيث تسيطر على هذه المنطقة هيئة تحرير الشام (النصرة) سابقاً، بخاصة أن القصف الروسي لا يتوانى عن دك تحصيناتها ومواصلة استهداف نقاط تمركزها.
إلا أن ناشطين عدوا وصول الصاروخ المتطور قوة ثقل جديدة ستضاف للعمليات التي تشرف عليها بشكل مباشر مع خبراء وقادة من جيش النظام السوري، ونظيره الروسي.
كما تتهيأ المنطقة مجدداً لأن تشهد عملية عسكرية وشيكة، ويرى الناشط السياسي والحقوقي، رضوان العلي أن القصف الروسي لا يتوقف على طول خطوط التماس ويصب في بلدات وقرى جبل الزاوية أحد أهم وأبرز معاقل المعارضة، أو ما تبقى منها في الشمال الغربي.
ويعتقد الناشط العلي أن قدرة عالية ستكتسبها العملية العسكرية الجديدة في حال تمت، فهي ستكون مدفوعة لإحكام السيطرة على ما تبقى من ريف إدلب الجنوبي، ومواصلة التقدم في النقطة التي توقفت عندها الحملة العسكرية في أبريل (نيسان) عام 2019 وبعدها سيكون سهلاً جداً للحملة العسكرية المقبلة أن تتجه إلى مركز مدينة إدلب وإسقاطها نارياً.
ويتوقع بحسب رأيه، أن تعود الأعمال القتالية مجدداً بعد سلسلة متواصلة من قبل الطائرات الروسية لمقار الفصائل، و"سيسهم الصاروخ الجديد لما يمتلك من دقة وتقنية عالية في حسم المعركة، وهنا لن يكون للمعارضة إلا اللجوء والإسراع إلى تحصين نفسها أو الطلب من التركي مساندتها".
ساعة الصفر
في المقابل ترى مصادر ميدانية أن بدء عملية إدلب إن تقرر تنفيذها سيكون بعد الانتهاء من حملة تنفذها القوات النظامية بدعم روسي في البادية السورية، وسط البلاد لملاحقة فلول "داعش".
في هذه الأثناء، يؤجل مراقبون سياسيون في الشأن السوري أي حديث عن ارتباط القدرات الصاروخية الجديدة للنظام وما وصلها حديثاً من صاروخ فرط الصوت بساعة صفر، لمعركة مقبلة في الشمال ريثما يتضح ما ستؤول إليه نتائج لقاء بايدن – بوتين التي عقدت في جنيف.
ويربط متابعون اختبار التفاهمات حول سوريا بأنه سيكون على المحك أمام اجتماع مجلس الأمن المزمع عقده في العاشر من يوليو (تموز) المقبل بشأن دخول المساعدات الإنسانية عبر معبر باب الهوى من جانب الحدود التركية الأمر الذي ترفضه موسكو حفاظاً على السيادة السورية.
رسائل القيصر من الماء
في غضون ذلك، يلفت مراقبون النظر إلى توقيت التدريبات في البحر المتوسط، والتي تبث بالتالي رسائل عبر البحار، لا سيما ما توحيه بالنسبة لمن يراقبها من استعراض قوة عقب ما مرت به موسكو قبل أيام، من خرق المدمرة البريطانية "ديفندر" مياه البحر الروسي، قبالة سواحل شبه جزيرة القرم.
ومع كل الضجيج المرافق لمرور المدمرة عدته روسيا انتهاكاً لا يمكن السكوت عنه، أوشك باندلاع حرب بحرية بين كلا الطرفين، وبدا البحر الأسود رغم برودته يقبع على صفيح ساخن، أو تستقر في قعره براميل بارود قد تشتعل في أي لحظة قبل أن يبرد الحراك الدبلوماسي سخونة القضية.
وفيما أطلقت البحرية الروسية طلقات تحذيرية للمدمرة البريطانية من مغبة الاقتراب كانت تحذيرات الدبلوماسية الروسية أشد صرامة، وجاءت على لسان نائب وزير الخارجية الروسي، ألكسندر غروشكو خلال مشاركته في مؤتمر موسكو للأمن الدولي 24 يونيو الحالي واصفاً حادثة البحر الأسود بالمتعمدة ولا يستبعد وقوع حوادث عرضية مجدداً.
وأضاف "الوضع قابل للانفجار، وحتى إذا توخت جميع الأطراف العقلانية فإنه من غير المستبعد وقوع حوادث عرضية من شأنها أن تؤدي إلى نزاع حقيقي".
عضلات القوة البحرية
تلويح الروس بـ"خنجر" القادر على تدمير الأهداف البحرية بدقة، هو بالنتيجة تذكير لخصومها بأن القوة البحرية لها ثقلها في البحرين الأسود والمتوسط، رغم أن الصارخ ذاته كُشف عن صناعته في الأول من مارس (آذار) عام 2018 وأعلن آنذاك الرئيس بوتين عن تطوير أحدث أنواع الأسلحة القادرة على تجاوز أنظمة الدرع الصاروخية والدفاع الجوي.