في إطار تجربة أطلقتها الحكومة البريطانية لمعرفة ما إذا كان سكان المملكة المتحدة بحاجة إلى جرعة معززة من اللقاح المضاد لفيروس كورونا، توجه الباحث الذي يقود هذا الجهد بنداء عاجل يطلب فيه مشاركة مزيد من المتطوعين بغية استكمال البحث بحلول الخريف.
يسابق رئيس الدراسة، البروفيسور سول فوست، الزمن للبت في ما إذا كانت اللقاحات المعززة ستؤتي مفعولها في مكافحة موجة من عدوى كورونا ربما تواجهها بريطانيا في الشتاء المقبل، ويلزمه أن ينضم إلى التجربة مزيد من الأشخاص الذين تلقوا جرعتين تحصينيتين من لقاح "أسترازينيكا".
ينبغي أن تحال نتائج التجربة إلى "اللجنة المشتركة للتلقيح والتحصين" (JCVI) في بريطانيا في نهاية أغسطس (آب) المقبل، وبناء عليها سوف يُتخذ القرار بشأن إعطاء أو عدم إعطاء جرعات ثالثة من اللقاحات خلال أشهر الشتاء، وقد أقر البروفيسور فوست بأنه "من حيث التجربة، الوقت المتاح لنا ضيق جداً".
التجربة المسماة "كوف- بوست" Cov-Boost (تطعيمات معززة ضد كوفيد)، التي يتولى الإشراف عليها باحثون في "جامعة ساوثهامبتون" (Southampton University) البريطانية، تتقصى مدى فاعلية اللقاحات المعتمدة حالياً في "رفع مستوى المناعة إلى أقصاه مجدداً" لدى الأشخاص الذين كانوا تلقوا الجرعتين الأولى والثانية.
حُدد أغسطس المقبل موعداً نهائياً كي يكون أمام "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" البريطانية (أن أتش أس NHS) متسع من الوقت لتحضير الأطباء العامين وشبكات الرعاية الأولية ومراكز اللقاحات (التي أخذت تنتهي من عملياتها في بعض أجزاء البلاد) لخوض جولة أخرى من التطعيمات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كذلك ستستعين "اللجنة المشتركة للتلقيح والتحصين" ببيانات مستقاة من تجارب أخرى قيد الإعداد، من بينها "كوم- كوف" (Com-Cov)، التي تتحقق من الاستجابة المناعية لدى أشخاص تلقوا جرعتين مختلفتين من اللقاح، و"كوم فلو كوف" (ComFluCov)، التي تدرس مدى نجاعة التطعيم بلقاحين في الوقت نفسه، أحدهما مضاد للإنفلونزا الموسمية والآخر مضاد لكوفيد.
"سيتمكنون حينها من فهم الأمور"، والقول مثلاً "نرى أنه ينبغي إعطاء هذه المجموعة من الأشخاص جرعة معززة في الخريف، ذلك أن مقاومة المتحورات المنتشرة الآن تحتاج، في اعتقادنا، إلى رفع مستويات الأجسام المضادة لدى هذه المجموعة بعينها"، على ما ذكر البروفيسور فوست.
ولكن نقصاً في أعداد المتطوعين الذين أخذوا لقاح "أسترازينيكا" قد عوق الجهود المبذولة لإجراء دراسة "كوف- بوست" في الوقت المحدد.
الملاحظ أنه فقط من تلقوا جرعة ثانية من لقاح "أسترازينيكا" منذ أكثر من 70 يوماً يمكنهم المشاركة في الدراسة. بناء عليه، يقتصر المرشحون المحتملون على من انتهوا من تطعيمهم كاملاً في المراحل المبكرة من حملة التلقيح الوطنية، من بينهم الأشخاص الذين يبلغون 65 عاماً فما فوق، أو العاملون في مجال الرعاية الصحية.
تذكيراً، فيما بدأت المملكة المتحدة توزيع لقاح "فايزر" على سكانها في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، فإنها لم تشرع في إعطائهم النسخة المضادة من "أسترازينيكا" قبل منتصف يناير (كانون الثاني). يعني ذلك، وفق البروفيسور فوست، "أننا الآن فقط قد نصل إلى العدد المطلوب من الأشخاص المؤهلين (الذين تلقوا الجرعتين من أسترازينيكا) للمشاركة".
وقال إن بعض أفراد المجتمع ما كانوا على علم بذلك، موضحاً أن العلماء في عدد من مراكز التجارب الـ18 "حريصون فعلاً على إيجاد متطوعين إضافيين تلقوا لقاح أسترازينيكا". ويأمل الباحثون في مشاركة ما مجموعه ثلاثة آلاف متطوع يتوزعون على مختلف الفئات العمرية.
قال البروفيسور فوست إن مراكز خاصة بالتجربة موجودة في ليدز، وريكسهام، وإكستر، وستوكبورت، وبرمنغهام، وساسكس تواجه نقصاً في المتطوعين المسجلين.
ونظراً إلى ضيق المهلة المحددة، قال البروفيسور فوست إنه "سيتعين على فريقه أخذ عينات دم من المتطوعين الذين تلقوا جرعة ثالثة بحلول أواخر يوليو (تموز) على أبعد تقدير. يعني ذلك أن علينا إعطاء اللقاحات (الثالثة) في يونيو (حزيران)، ولكن يجب أن تكون على بعد عشرة إلى 12 أسبوعاً في أقل تقدير من الجرعة الثانية. لا يمكنك أن تقلص الفترة الزمنية اللازمة بين الجرعتين الثانية والثالثة".
يُطلب من المتطوعين ملء ملاحظات يومية إلكترونية توضح بالتفصيل أي آثار جانبية يتعرضون لها بعد تلقي جرعة ثالثة. سيخضعون لتحاليل دم قبل إعطائهم اللقاح، ثم مجدداً في اليوم 28 بعد تلقيه، لعقد مقارنة بين مستويات الأجسام المضادة والخلايا التائية في أجسامهم قبل الجرعة وبعدها، ومعرفة ما إذا كانت المناعة لديهم قد "تعززت" مجدداً. ولكن من جهة أخرى، لا تتوخى الدراسة إجراء تقييم للمدة التي يحتفظ بها الجسم بالمناعة ضد كوفيد.
الوزراء في الحكومة من جهتهم، يعملون على افتراض أن الفئة العمرية فوق الخمسين عاماً والفئات الضعيفة سريرياً ستحتاج إلى جرعة ثالثة، وفق مصدر في الحكومة البريطانية.
وشدد البروفيسور فوست على أنه من "المحال" التكهن بما إذا كانت الحاجة ستدعو إلى تقديم جرعات معززة سنوياً، ولكنه أشار إلى "احتمال" مفاده أن بعض الأشخاص سيُنصحون بتلقي جرعة أخرى في الشتاء المقبل.
واستبعد البروفيسور أن يشمل ذلك الإجراء "فئة الشباب دون الأربعين من العمر، لأن هؤلاء لم يتلقوا لقاحاتهم إلا الآن". وستنظر "اللجنة المشتركة للتلقيح والتحصين في جميع البيانات المستقاة من الدراسات المختلفة وستسترشد بتجربة (كوف- بوست) لمعرفة أي لقاح ينبغي اللجوء إليه إذا ما تقرر تقديم جرعة ثالثة لأي مجموعات معرضة للخطر."
وفق البروفيسور فوست، تخضع سبعة لقاحات للاختبار، بعضها لم ينل بعد موافقة هيئة تنظيم الأدوية في المملكة المتحدة، ذلك أن "أحداً لا يمكنه أن يضمن سلسلة الإمداد في المستقبل". والنسخ التحصينية هي، "فايزر"، و"أسترازينيكا"، و"موديرنا"، و"نوفافاكس"، و"جونسون أند جونسون"، بالإضافة إلى "فالنيفا"، و"كيورفاك".
"على مدى السنة المقبلة، لا نعرف أي لقاحات ستكون متوافرة ومتى، وأياً منها ستكون أكثر نجاعة عند الجمع بينها وبين نسخ أخرى، وضد أي متحورات"، قال البروفيسور فوست، مضيفاً، "بناء عليه، سيبحث العمل المختبري في كل المتحورات المقلقة الموجودة حالياً، واللقاحات المتوافرة."
ونظراً إلى أهمية التجربة، كونها الأولى من نوعها، يُرجح أيضاً أن تتشارك المملكة المتحدة النتائج عالمياً مع بلدان وعلماء آخرين- إنما ستكون "اللجنة المشتركة للتلقيح والتحصين" الجهة التي تطلع عليها أولاً، كما قال البروفيسور فوست.
كذلك حذر فوست من أنه "من غير الوارد نوعاً ما" ألا تواجه المملكة المتحدة متحوراً جديداً بحلول الشتاء المقبل، ضارباً المثل بسلالات "ألفا"، و"بيتا"، ودلتا"، التي ظهرت جميعها فقط في الأشهر الستة الماضية.
في ضوء تلك الحقيقة، يتضاعف احتمال أن تحتاج مجموعات معينة من السكان إلى تقوية دفاعاتها المناعية مجدداً ضد أي فيروسات جديدة من كوفيد تنشر العدوى بين الناس، علماً بأن بعضها ربما يكون أكثر قدرة على الانتقال أو أشد كفاءة في التنصل من الاستجابات التي تولدها اللقاحات في الجسم.
في حال عمد المصنعون إلى تعديل لقاحاتهم لاستهداف أي متحورات مستقبلية، فمن "المحتمل جداً" تمديد الفترة الزمنية المقررة لدراسة "كوف- بوست"، كي يصار إلى تقييم ما إذا كان في المستطاع أيضاً استخدام اللقاحات المعدلة حديثاً من أجل تعزيز مستويات المناعة لدى من تضاءلت في أجسامهم الحصانة ضد كوفيد.
من وجهة نظر البروفيسور فوست، يعتبر تعديل اللقاحات واحداً من طريقتين تتصديان للطفرات الجديدة التي تطرأ على فيروس كورونا. أما الطريقة الأخرى فتكمن في رفع "مستويات الأجسام المضادة لديك إلى درجة عالية تغطي كل المتحورات في ما يتصل بالحماية من الوفاة والدخول إلى المستشفى".
© The Independent