بتهمة المسّ بالذات الرئاسية، امتثلت المدونة أمينة منصور، الاثنين 28 يونيو (حزيران)، أمام المحكمة العسكرية، على خلفية تدوينة على حسابها في "فيسبوك" انتقدت فيها رئيس الجمهورية قيس سعيد.
وأثارت هذه المحاكمة العسكرية لمواطنة قلق الحقوقيين في تونس. وفي حين رفض البعض محاكمات الرأي بصفة عامة، علّق البعض الآخر أن رئيس الجمهورية رمز وطني والتهجم عليه بمثابة مسٍّ بسيادة الدولة. وتوقف آخرون عند عبارات وردت في تدوينة منصور اعتبروا أنها "تخلّ بالآداب".
وهذه ليست المرة الأولى التي تعرف فيها تونس مثل هذه المحاكمات، إذ أصدر القضاء العسكري منذ أيام حكماً بالسجن 3 أشهر في حق المدوّن سليم الجبالي، بناء على شكوى من رئاسة الجمهورية أيضاً، إضافة إلى إصداره قبل أسابيع، بطاقة جلب في حق النائب راشد الخياري، إثر نشره تسجيلات تنتقد الرئيس سعيد على صفحته في "فيسبوك".
مكسب ثمين
وعبّر رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان جمال مسلم عن رفضه لهذا النوع من المحاكمات "التي ناضلنا ضدها قبل الثورة". وقال إنه "من غير المعقول أن يُحاكم مدنيون في محكمة عسكرية"، داعياً رئاسة الجمهورية إلى تغيير سياستها تجاه من ينتقدها، وأن تتوجّه إلى المحاكم المدنية إن لزم الأمر.
وأكد مسلم الدفاع عن حرية التعبير التي يعتبرها "المكسب الثمين الذي تحصّل عليه التونسيون بعد ثورة يناير" (كانون الثاني)، مضيفاً أن "مثل هذه الممارسات ربما تعود بنا إلى الوراء".
يُذكر أن الرئيس سعيد عبّر عند لقائه رئيس الحكومة ووزيرة العدل بالنيابة، عن غضبه من بعض التصريحات والمنشورات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي وتتناول شخصه، موجّهاً اللوم إلى النيابة العمومية التي لم تتحرّك. وقال في تصريح توجّه به إلى وزيرة العدل، "كان على النيابة العمومية أن تتحرّك لمقاضاة من تجرّأ على رئيس الدولة في مواقع التواصل الاجتماعي".
وفي الإطار ذاته، ينتقد الكاتب هشام الحاجي ما يعتبره "إصرار رئيس الجمهورية على مثول المدنيين أمام المحكمة العسكرية بداعي صفته كقائد أعلى للقوات المسلحة". ويعتقد أن هذه المحاكمات العسكرية "تخفي توجّهاً سلطوياً يتعين فهمه والتعاطي معه بجدية".
هتك الأعراض
ورفضت نقابة الصحافيين التونسيين، في بيان، محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري. وتوقفت النقابة عند "لجوء رئاسة الجمهورية إلى القضاء العسكري في قضايا تتبّع المدونين على خلفية كتاباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفتت النقابة إلى أن ملاحقة الأصوات المعارضة والناقدة "تذكّرنا بممارسات الأنظمة الديكتاتورية والعسكرية وتنسف مكتسبات الثورة، خصوصاً حرية التعبير".
وشددت النقابة على أن "الشتم وهتك الأعراض لا يندرج ضمن حرية التعبير، ومن حق الجميع التقاضي أمام القضاء المدني بدل إقحام المؤسسة العسكرية في نزاعات أطرافها المدنية".
محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري
من جانبه، رأى النائب عن "حركة الشعب" القريبة من رئيس الجمهورية، لطفي العيادي، أن "الجانب القانوني في هذه القضية أهم من الجانب السياسي". وأضاف أنه "في المبدأ، يُحاكم المدني في محاكم مدنية والعسكري يُحاكم في محاكم عسكرية، لكن ثمة استثناءات تتعلق بالقائد الأعلى للقوات المسلحة، وتتمثل في التكييف القانوني للتهمة". وشرح، "أي هل يمكن تكييفها على أساس المسّ بالجيش الوطني وبالقائد الأعلى للقوات المسلحة الممثل في شخص رئيس الجمهورية أو لا". وهنا، قال العيادي، يُثار الاختلاف القانوني، لكن من حيث المبدأ لا يوجد اختلاف، إذ إن القضاء العسكري يحاكم العسكريين فحسب.
أما أستاذ القانون الدستوري رابح الخرايفي، فشرح أن "الدستور التونسي يجيز المحاكمات العسكرية لمدنييين، باعتبار أن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، بالتالي كلّ اعتداء عليه يعود بالنظر إلى القضاء العسكري".
وعلى الرغم من ذلك، انتقد الخرايفي تحرك القضاء العسكري لملاحقة مدوّنين على خلفية آرائهم، في حين أنه لم يتحرك في قضايا أخطر تمسّ بالأمن القومي.
وخلص الخرايفي إلى أن "هذه المحاكمات تؤكد مرة أخرى أن معركة الحريات في تونس متواصلة ولم تُحسم بعد".