أول ما يرافقنا منذ ولادتنا هو الاسم الذي يمنحه لنا أهلنا، ولشدة اعتيادنا عليه، وهو الذي يعرفنا ونُنادى به عشرات المرات يومياً طوال عمرنا، لم نعد ندرك مدى تأثيره في شخصياتنا وحياتنا بأكملها.
الأهل واختيار الاسم
والأهل كما تقول بحوث علم نفس الاسم وعلم اجتماع الاسم، يختارون أسماء أولادهم بحسب البيئة التي يعيشون فيها، أو وفق عادات وتقاليد سائدة، أو باستقلالية تامة ترتبط بنظرتهم إلى معنى الاسم وتأثيره في حياتهم.
على سبيل المثال يختار المتدينون أسماء الأنبياء والرسل والأولياء الصالحين لأولادهم، ويتجنب العلمانيون الألقاب ذات الدلالات الدينية أو الطائفية أو المذهبية، معتمدين الأسماء الحيادية.
أما المثقفون والمسيسون يختارون لأولادهم أسماء شخصيات أدبية أو شعرية أو فكرية أو عقائدية أو حزبية أو وطنية، وقد يأتي اختيار الاسم تيمناً بأسماء الحيوانات التي ترمز إلى القوة والشجاعة، وهناك أسماء أجنبية تنتقى لمجرد وقعها الموسيقي وسهولة لفظها وكتابتها، وإن كانت لا تتضمن أي معنى محدد.
ومنذ الولادة يلعب الأهل دوراً كبيراً في صناعة شخصيتنا من خلال التربية، فنحن صغار "صفحة بيضاء" كما يقول جان جاك روسو، ويملؤها الأهل والمجتمع بما يريدون، وبالطبع يدخل في تركيب شخصياتنا الوراثة الجينية والتجارب الحياتية التي نمر بها، لكن الاسم الذي ينتقيه الأهل سيدفع صاحبه إلى التساؤل عما قصد أهله من منحه إياه بالتحديد، وما هو معناه وما مدى فرادته أو عموميته، وهل يوافق حامله عليه أم كان يفضل اسماً غيره.
وبالتأكيد، ليس من السهل على الوالدين أن يجدا اسماً لأولادهم، فهو كامتحان لهما ولتوافقهما ولنظرتهما نحو هذا المولود نفسه، وبالطبع لا نقصد هنا الأهل الذين يسمون أولادهم قبل ولادتهم وفقاً لعادات اجتماعية، مثل إعطاء الوليد اسم جده أو جدته أو قريب مهم في العائلة.
وفي النهاية، سواء قصدا أو لم يقصدا، فإن الاسم الذي يختاره الوالدان سيؤثر في نظرة الآخرين إلى حامل الاسم في حال كان اسمه غريباً أو ذا معنى ملتبس أو نادر التداول أو يحمل دلالة سياسية أو عرقية أو دينية.
وهذا بدوره يترك أثراً في حياة حامل الاسم، وعلاقته بالآخرين وباسمه من خلالهم، فالتواصل الاجتماعي والتكيف بالعلاقات مع أعضاء المجتمع الآخرين يبدآن من التعريف بالاسم، فنحن مسجونون مع اسمنا، لذا لا بد من أن يكون له تأثير فينا، كأن يكون شبيهاً بمعنى اسمك أو مناقضاً له في حركة لا واعية لإعلان الرفض له.
الأسماء ذات تأثير مباشر
يقول عالم النفس في جامعة أريزونا الأميركية ديفيد تسو، الذي يجري دراسات حول ما يُعرف بعلم النفس المتعلق بالأسماء، إن "الاسم يشكل ركيزة أساسية للغاية للتصور الذي يكونه المرء عن ذاته، خصوصاً على صعيد علاقاته بالآخرين، وذلك لأنه يُستخدم لتعريف الفرد والتواصل معه بشكل يومي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
على سبيل المثال، يمكن للأسماء أن تكشف عن الأصل العرقي أو الديني للمرء، وربما السياسي في حال كان الاسم يشير بوضوح إلى شخصية سياسية ذات توجه معين، وهذا ما يعطي للاسم سلطة على صاحبه في عيون العنصريين أو المختلفين سياسياً، في عالم ما زال فيه التمييز على أساس العرق واللون والدين والموقف السياسي فاعلاً.
وفي مثل على ذلك، ما كشفت عنه دراسة أميركية أُجريت في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، من أن السير الذاتية التي احتوت على أسماء تبدو عربية كانت أقل فرصاً في اجتذاب انتباه مديري التوظيف، من نظيرتها التي أوحت الأسماء الواردة فيها بأن أصحابها من الأميركيين بيض البشرة، بحسب تقرير لكريستيان جاريت، وهو كاتب ومؤلف أميركي.
بل وغيّر كثير من المسلمين أسماءهم التي تدل بشكل واضح على دينهم، لتلافي التعرض للتنمر أو لتعامل مختلف في المجتمع الأميركي الذي كان في مستوى قياسي في نفوره من مسلمي أميركا بعد تلك الهجمات.
التأثير النفسي للاسم
تتدنى قدرة من لا تروق لهم أسماؤهم على التوافق النفسي على الأرجح، وذلك مع تثبيت العوامل الأخرى المرتبطة بالخلفية الأسرية والإحساس بعدم الرضا عن الحياة بوجه عام، وبحسب أبحاثها على عينات معنية، وجدت عالمة النفس الأميركية جين توينغي في دراسة متخصصة بتأثير الاسم على صاحبه، أن العجز عن التوافق النفسي بشكل كامل في هذه الحال يعود إما إلى أن قلة الثقة بالنفس واحترام الذات، أفضت إلى كره حامل الاسم لاسمه، أو بالعكس، كأن يكون بُغض الاسم هو من أسهم في افتقارهم للثقة في أنفسهم.
وبالفعل، سيكون صعباً على شخص ما أن يكون ذا شخصية ودودة إذا كان يُقابل برفض متكرر من جانب الآخرين، بسبب اسمه الذي يصنفونه على أساسه.
وكما أن هناك أسماء غريبة قد تُمنح للصوص وقطاع الطرق و"البلطجية" أو القتلة في الأفلام، وعادة ما تكون هذه الأسماء سلبية وغير شعبية، وبينت دراسات في جامعات عالمية عدة أن أصحاب الأسماء غير المقبولة اجتماعياً وذات اللفظ الغريب أو التي تحمل معنى سلبياً، غالبا ما يخالفون القانون أو يقومون بجرائم صغيرة، وهذا التصرف على نحو إجرامي أمر ملازم لمن لا تحظى شخصياتهم بقبول كبير من جانب المحيطين بهم.
الشخصيات على أسمائها تقع
وللفظ الاسم تأثير كبير في قبوله اجتماعياً، فمثلا الاسم الذي ينساب بسهولة حين النطق به يترك مباشرة شعوراً لدى الآخرين أن صاحب الاسم سهل العشرة وودود، والعكس تماماً ينطبق على الاسم الثقيل في اللفظ، الذي يمنح شعوراً بالنفور في اللقاء الأول.
يشعر صاحب الاسم المتفرد مع مرور الوقت بتفرده بين الآخرين الذين يشعرون بالحشرية تجاه صاحب هذا الاسم، وربما يمتلك قصة يرويها عن اسمه، ولماذا اختاره له أهله وما مصدره، وقد تتنوع هذه القصص لتلائم الفضاء الاجتماعي الذي يوجد فيه صاحب الاسم المتفرد.
وفي دراسة أجراها فريق بحثي في معهد علم النفس ببكين، تبين أن صاحب الاسم المتفرد يختار غالبا مهناً نادرة أو لا يطلب الآخرون العمل فيها، مثل الإخراج السينمائي وغيرها من أعمال الفنون الجميلة، وذلك مع الإشارة إلى العوامل الخاصة بالخلفية الأسرية والوضع الاجتماعي الاقتصادي لمن شملتهم الدراسة.
وهذا يفسر سبب وجود هذا العدد الكبير من أطباء الأعصاب الذين يحملون اسم برين Brain أو "دماغ" باللغة الإنجليزية، أو يكون حامل اسم "تشي" شاباً ثورياً ورافضاً للقواعد الاجتماعية، وغيرها من الأمثلة الأخرى الطريفة المشابهة.
وفي دراسة أجراها العالم ديفيد تسو وزملاؤه في جامعة أريزونا، تبيّن أنه كلما كانت أسماء المديرين التنفيذيين في الشركات أكثر تفرداً وندرة، نزعوا لاتباع استراتيجيات أكثر تميزاً في مجالاتهم، وطالت الدراسة ما يقارب 3 آلاف مدير تنفيذي.
وأجمعت الأبحاث الحديثة على أن الأسماء يمكن أن تؤثر في اختيار المهنة، والمكان الذي نعيش فيه، ومن نتزوج والدرجات الاجتماعية التي نرتقيها، ويمكن لأسمائنا تحديد ما إذا كنا سنقدم أموالاً لضحايا الكوارث، أي إلى هذه الدرجة يمكن للأسماء أن ترسم حياتنا.