نبه محامون في بريطانيا إلى خطر تجريد آلاف من مواطني دول الاتحاد الأوروبي من حقوقهم في المملكة المتحدة، نتيجة تعرضهم لمشقات كبيرة تعيق محاولاتهم المستميتة للتسجيل في برنامج تسوية أوضاعهم، وذلك بسبب ازدحام خطوط المساعدة في وزارة الداخلية البريطانية، والتأخيرات على موقعها الإلكتروني، واضطرار المستشارين القانونيين الذين يتعرضون للضغط والإنهاك إلى رفض مزيد الطلبات.
وفي هذا الإطار، وجهت اتهامات إلى الوزراء المعنيين في الحكومة بأنهم "يجازفون بارتكاب "ظلم كبير" إذا ما أصروا على إبقاء الثلاثين من يونيو (حزيران) موعداً نهائياً للتسجيل في "مخطط تسوية أوضاع مواطني الاتحاد الأوروبي" في بريطانيا، وعدم تمديده. وحذر خبراء من أن مجموعات واسعة من المواطنين الأوروبيين قد لا يتقدم أفرادها بطلباتهم في الوقت المناسب، لصعوبة حصولهم على الدعم المناسب.
وقد تسبب الارتفاع الكبير في عدد الطلبات المقدمة في الأسابيع الأخيرة، مع تسجيل ما يصل إلى 12 ألف ملف كل يوم، إلى اضطرار المتقدمين لانتظار دورهم عبر منصة الإنترنت، قبل أن يتمكنوا من تقديم طلباتهم، فيما وصلت قائمة الانتظار على خط المساعدة الهاتفي إلى حدها الأقصى، ليقال بعدها للأشخاص المتصلين: "يرجى المحاولة من جديد في وقت لاحق".
وفي هذا الإطار، حذر محامون من أن هذا الواقع يهدد مصير آلاف من هؤلاء الأفراد الذين يريدون تسوية أوضاعهم، لكن يجدون أنفسهم عاجزين عن الوصول إلى المشورة والمساعدة القانونيتين للقيام بذلك. وقد فاقم من هذه المشكلة الواقع المرير المتمثل في تعرض المؤسسات الخيرية الممولة لدعم الأشخاص المحتاجين للمساعدة في تقديم طلب "لإنهاك شديد"، بحيث "تجاوزت" طاقتها الاستيعابية لاستقبال حالات جديدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يشار إلى أن "مخطط تسوية أوضاع مواطني دول الاتحاد الأوروبي" في المملكة المتحدة EU settlement scheme قد أطلق في مارس (آذار) عام 2019. ووجهت بموجبه دعوات إلى جميع مواطني الاتحاد الأوروبي والمنطقة الاقتصادية الأوروبية وأفراد أسرهم المقيمين في بريطانيا، إلى التقدم بطلباتهم قبيل حلول منتصف ليل الأربعاء في الثلاثين من يونيو (حزيران) 2021، كي يحفظوا حقهم في البقاء على أراضي المملكة المتحدة بعد اتفاق الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي.
وفي ما بعد، أعلنت الحكومة البريطانية أن الأشخاص الذين توجد لديهم "أسباب وجيهة" لعدم التزام الموعد النهائي، سيسمح لهم بتقديم طلب متأخر، وأن وزارة الداخلية ستعتمد "مرونة" في التعامل مع هذه المسألة.
إلا أن هؤلاء "لن تكون لهم في نهاية المطاف الحقوق نفسها التي تمنح للأشخاص الذين تقدموا بطلباتهم في الوقت المناسب"، كما كشف لوك بايبر مدير القضايا القانونية في حملة "ذا ثري مليون" The3million (أكبر حملة لمواطني الاتحاد الأوروبي في بريطانيا، تشكلت بعد استفتاء "بريكست" عام 2016 لحماية حقوق الأشخاص الذين اتخذوا من المملكة المتحدة وطناً لهم).
وأوضح بايبر أن أرباب العمل وأصحاب العقارات لن يسمح لهم بقبول موظف أو مستأجر جديد من الذين تقدموا بطلب إلى المخطط في وقت متأخر، بهدف تسوية وضع الإقامة الخاص بهم.
في المقابل، قد يستغرق البت في الطلبات وقتاً كبيراً، بحيث تظهر الأرقام أن أكثر من ثلثي المتقدمين كانوا قد انتظروا أكثر من شهر لاتخاذ قرارهم، في حين أن 6,755 شخصاً تقدموا بطلباتهم قبل أكثر من عام وما زالوا ينتظرون الرد.
وعلق مدير القضايا القانونية في حملة "ذي ثري مليون" على هذه النقطة قائلاً إن "معلومات متزايدة تتواتر علينا من الموظفين المسؤولين عن معالجة الطلبات، ومن جهات معنية بمساندة مواطني الاتحاد الأوروبي الذين يحتاجون للمساعدة في تقديم طلبهم، عن أن هؤلاء يواجهون مصاعب في إكمال ملفاتهم، أو في الحصول على الدعم اللازم والوصول إلى خط المساعدة".
كريستوفر ديزيرا مدير شركة المحاماة "سيفاروس" Sepharus، التي تم التعاقد معها لتقديم استشارات قانونية مجانية للأفراد المحتاجين للمساعدة، في ما يتعلق بالتسجيل في "مخطط تسوية أوضاع مواطني دول الاتحاد الأوروبي" في بريطانيا، أكد ذلك بقوله إنه وآخرين يعملون "بلا هوادة" بحيث باتوا مضطرين إلى استبعاد بعض الأفراد. وأشار إلى أن "هناك أشخاصاً يلجؤون إليهم للحصول على المشورة قبل يومين فقط من الموعد النهائي، في حين اكتشف البعض الآخر في اللحظة الأخيرة، أنه يتوجب عليهم تقديم طلب لتسوية وضعهم".
وأضاف ديزيرا: "غالباً ما يأتي إلينا أفراد يواجهون أوضاعاً معقدة للغاية، ولن يكون في مستطاعهم على الإطلاق التقدم بمفردهم بطلب مناسب في الوقت المحدد". ولفت في المقابل إلى أنه "حتى المحامين الذين يتقاضون رسوماً لقاء تقديم هذه الخدمات يتعرضون لضغوط، في حين أن طاقة استيعاب مراكز تقديم خدمات الدعم المجانية قد بلغت ذروتها، وباتت عاجزةً عن تولي قضايا جديدة في هذه المرحلة".
وتابع مدير شركة "سيفاروس" للمحاماة قائلاً إن "هذه الفئة المستضعفة من الأشخاص- وهم ربما بالآلاف- سيضطر أفرادها ببساطة إلى تفويت الموعد النهائي لتقديم الطلبات، وذلك لكونهم غير قادرين على الحصول على الاستشارة الأساسية من خلال خط المساعدة، ولا يمكنهم تالياً إيجاد حل بديل من خلال جهات أخرى كالجمعيات الخيرية والمحامين".
وناشد الحكومة إلغاء الموعد النهائي المحدد في الثلاثين من يونيو (حزيران) قائلاً إن "هذا الموعد بات مثار سخرية في وقت نحاول فيه مساعدة الجميع على التمكن من التسجيل عبر المنصة الإلكترونية". وأشار إلى أن "استكمال المهمة بات شبه مستحيل". وأضاف في كلامه للوزراء: "إن الأشخاص الذين هم في حاجة لتقديم طلباتهم هم الذين يحتاجون حقاً الآن لمزيد من الوقت. لقد شجعتم الجزء الأكبر من الناس على التسجيل في المخطط، وقد حان الوقت الآن لتمديد الموعد، ولا يوجد سبب للقيام بغير ذلك".
في المقابل، كرر أعضاء في البرلمان من مختلف الأحزاب البريطانية هذه الدعوة إلى إلغاء الموعد النهائي في الثلاثين من يونيو (حزيران)، وذلك خلال مناقشة أجريت في مجلس العموم، الثلاثاء الفائت.
وتخوف النائب في حزب "العمال" المعارض بول بلومفيلد، الذي طرح سؤالاً عن مخطط تسوية أوضاع مواطني دول الاتحاد الأوروبي في بريطانيا، من "خطر حقيقي بإمكان وقوع مأساة جديدة من نوع ’فضيحة ويندراش‘ Windrush (ترحيل مهاجرين من أصول كاريبية بعد حرمانهم من حقوق أساسية على الرغم من إقامتهم الطويلة في المملكة المتحدة) في المستقبل، إذا لم يتم سحب هذا الموعد الآن".
وزير الهجرة البريطاني كيفين فوستر رد مستشهداً بتخصيص وزارة الداخلية البريطانية تمويلاً بنحو 22 مليون جنيه إسترليني (31 مليون دولار أميركي) وضع في تصرف 72 منظمة، لمساعدة الفئة المستضعفة من الأشخاص على التسجيل في البرنامج، مشيراً إلى أن هذا التمويل ساعد في استكمال تقديم نحو 300 ألف طلب.
أما وزير الهجرة في حكومة الظل "العمالية" نيك توماس سيموندز، فرأى من جانبه أنه "لا يمكن أن يكون هناك تحذير أقوى من ذلك الذي أطلقته "فضيحة ويندراش"، لجهة ما يمكن أن يحدث عندما يحرم أبرياء من حقهم في الإقامة في البلاد".
وطالب الوزير "العمالي" الحكومة البريطانية بأن تعلن عن تمديد مهلة تقديم الطلبات حتى نهاية سبتمبر (أيلول) المقبل، منبهاً إلى أن أكثر من 400 ألف طلب ما زال قيد المعالجة، وأن هناك دلائل تشير إلى أن 130 ألف شخص من الذين يتلقون إعانات حكومية، إضافة إلى 200 ألف طفل ما زالوا تحت رعاية ذويهم، هم يحتاجون للتقدم بطلب تسوية أوضاعهم.
واعتبر نيك توماس سيموندز أن الحكومة لم تبذل جهداً كافياً على صعيد إخطار هؤلاء الأفراد وتقديم التوضيحات اللازمة بشأن طريقة تقديم الطلبات ضمن الوقت المحدد. ورأى أنه يتعين عليها، لتجنب خطر إلحاق الظلم بهم، أن تمدد الموعد النهائي، وأن تستغل الوقت الإضافي لضمان تسجيل جميع المواطنين الأوروبيين المؤهلين لتسوية وضعهم".
وزير الهجرة البريطاني رد على ذلك بأن وزارة الداخلية نشرت دليلاً يتضمن "إرشادات كاملة" توضح بالتحديد "الأسباب الوجيهة التي يمكن الأخذ بها بالنسبة إلى الأفراد المتأخرين في تقديم طلباتهم، بمن فيهم الفئات الضعيفة".
© The Independent