بدأت المؤسسة القضائية التابعة لسلطات الحوثي في صنعاء، المضي في إجراءات محاكمة العارضة والفنانة اليمنية الشابة، انتصار الحمادي وزميلاتها، بعد نجاتها من موت محقق عقب محاولتها الانتحار في السجن المركزي بصنعاء سيئ الصيت.
وفي إجراء دولي، نددت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية، الأربعاء، بتعرض الحمادي لـ"محاكمات حوثية جائرة".
وأعلنت المنظمة أن محاكمة عارضة الأزياء اليمنية الشابة انتصار الحمادي الموقوفة منذ أكثر من أربعة أشهر، بدأت فعلاً في صنعاء الخاضعة لسيطرة المتمردين الحوثيين هذا الشهر.
مخل بالآداب
وتتهم السلطات الحوثية في العاصمة اليمنية الشابة الحمادي (20 عاماً) بارتكاب "فعل مخل بالآداب"، وحيازة المخدرات، وهي موقوفة في سجن في صنعاء منذ فبراير (شباط) الماضي.
وقالت "هيومن رايتس ووتش" في بيانها، إن "سلطات الحوثيين تحاكم بشكل جائر" الحمادي، مشيرة إلى أن قضيتها أحيلت في يونيو (حزيران) الحالي إلى المحكمة، حيث مثلت أمامها في يومي 6 و9 من الشهر الحالي.
وتعمل الحمادي المولودة لأب يمني وأم إثيوبية، عارضة أزياء منذ أربع سنوات، ومثلت في مسلسلين تلفزيونيين يمنيين عام 2020.
ونقلت الجهة الحقوقية الدولية عن أفراد من عائلتها أنها المعيل الوحيد لأسرتها المكونة من أربعة أفراد، بمن فيهم والدها الكفيف وشقيقها الذي لديه إعاقة جسدية.
الهرب بالموت
في محاولة منها للهرب من الظرف القاسي الذي تواجهه، أكد محامي الفنانة، خالد الكمال لـ"اندبندنت عربية"، أن موكلته حاولت شنق نفسها في إحدى زوايا حوش السجن المركزي في 28 يونيو الماضي.
وأوضح أن طفلاً سجيناً مع والدته اكتشف الحمادي مصادفة وصرخ مذعوراً بأعلى صوته لتهب السجينات لإنقاذها وهي في حالة حرجة، وإسعافها على وجه السرعة إلى مستشفى داخل السجن.
قسم الدعارة
يشير الكمال إلى أن إقدام الحمادي على محاولة الانتحار، جاء بسبب قرار إدارة السجن المركزي إحالتها إلى قسم السجينات بتهم الدعارة، الأمر الذي، كما قال، فاقم من تدهور حالتها النفسية والجسدية.
وفي مايو (أيار) الماضي، ذكرت منظمة العفو الدولية، أن الحوثيين أجبروا الفتاة العشرينية على الاعتراف بعدة جرائم من بينها حيازة المخدرات والدعارة، وقررت إخضاعها لـ"كشف عذرية قسري".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشارت "هيومن رايتس ووتش" في بيان لها إلى أنه تم إيقاف "إجراء اختبار العذرية القسري" تحت الضغط الدولي، مشددة على أن القضية "تشوبها مخالفات وانتهاكات"، كما طالبت بالكف فوراً عن هذا الإجراء.
الجنس للإيقاع بالأعداء
وتحدثت المنظمة عن إجبار الحوثيين، الفنانة الحمادي على "توقيع وثيقة وهي معصوبة العينين أثناء الاستجواب، وعرضت إطلاق سراحها إذا ساعدتهم في إيقاع أعدائهم بالجنس والمخدرات".
وأضافت، أن حراس السجن "أساؤوا إليها لفظياً"، ووصفوها بـ"العاهرة".
وأكدت المنظمة أن السلطات منعت المحامي من الوصول إلى وثائق المحكمة منذ تعيينه للتعامل مع قضيتها في مارس (آذار) ومنعته من المثول أمام المحكمة منذ أواخر مايو (أيار)، انتقاماً على ما يبدو لتعليقاته العلنية على القضية.
ويؤكد محامي الفنانة أن موكلته اعتقلت مساء 20 فبراير (شباط) الماضي، بينما كانت في طريقها مع زميلتين لها إلى جلسة تصوير في منطقة شملان بعد احتجازها في نقطة تفتيش مستحدَثة أوقفتها "من دون مذكرة ومن دون توجيه أي تهم إليها".
تضييق أفق الحياة
قضية اعتقال الحوثيين للعارضة والممثلة اليمنية، كشفت عن الانحسار المريع لفضاء الحريات العامة الذي بات يضيق في المجال الجغرافي الخاضع لسيطرتها.
إذ لم يدر بخلد السمراء اليمنية، أن شغفها بعالم وألوان تصميم الأزياء الذي قادها لخوض تجربة في الدراما التلفزيونية، سيقودانها يوماً إلى الزنازين المظلمة في سجون الميليشيات.
وشقت في سبيل ذلك جبالاً من التعقيدات وسط مجتمع تقليدي محافظ، وحققت نجاحات لافتة في مجالها الذي منحها دخلاً ثابتاً يعول أمها وأخاها المعاق، بحسب محاميها.
وقال توفيق الحميدي، رئيس منظمة "سام" للحقوق والحريات في اليمن، إن قضية انتصار قوبلت وكأنها قضية أمنية وليست جنائية.
وأوضح أن انتصار هوجمت من قبل إعلام الحوثيين الذين ألبوا الرأي العام ضدها وهو ما يضع المحكمة تحت ضغط الشارع المغرر به مع انعدام أبسط معايير المحاكمة العادلة بخاصة إذا قارنا ذلك بعجز المحامين عن أخذ صورة لملف القضية كحق أصيل لهم.
"العدو يستهدفنا من الداخل"
وعلى مدى الأيام الماضية، شنت وسائل الإعلام التابعة للجماعة الحوثية هجوماً عنيفاً ضد العارضة الحمادي، واتهمتها بتزييف الحقائق عبر تصريحات محاميها، مؤكدة أن القضية التي أوقفت بسببها كان "النشاط في الدعارة والعمل لصالح دول التحالف العربي المساند للحكومة الشرعية".
وكانت قناة "الهوية" التابعة للميليشيات قد نشرت تقريراً خصصته للدفاع عن الإجراءات التي اتخذتها ضد انتصار، واستضافت عصام العذري، مدير قسم شرطة منطقة شملان، مقر سكن المتهمة، الذي قال معلقاً على حملة الإدانات المحلية والدولية ضد احتجاز الحمادي، إن "العدو يستهدفنا في الداخل" وإن العصابة (انتصار وزميلاتها) مرسلات من الخارج، وهو الحديث الذي ووصفه محامي السجينة بالمفاجئ بسبب "الزيف والكذب وفن اختلاق التهم الموجهة إلى موكلتنا المظلومة والمحبوسة لأكثر من ثلاثة أشهر دون توجيه اتهام أو حتى تمكيننا صورة من ملف القضية".