سجل ارتفاع معدلات البيع بالتجزئة عبر الإنترنت نمواً كبيراً في السنوات الأخيرة. لذا، ربما ينبغي لنا ألا نندهش إزاء تقرير جديد صدر من الأمم المتحدة يكشف عن زيادة مقدارها أربعة أضعاف في المبيعات عبر شبكة "الإنترنت المظلمة" على مدى العقد الماضي من الزمن [يستعمل تعبير "الإنترنت المظلمة" في الإشارة إلى مواقع غير مشروعة يلجأ إليها كل من يمارس أنشطة مشتبهاً فيها]. وقبل أربع سنوات، قدّرت الأمم المتحدة أن قيمة هذه السوق بلغت 80 مليون دولار (57.7 مليون جنيه استرليني)، ونَمَتْ الآن إلى 315 مليون دولار (227.5 مليون جنيه).
ولا يشكّل ذلك سوى جانب من الجوانب المثيرة للاهتمام التي كشف عنها في شأن الحالة الراهنة لسوق المخدرات العالمية والمشاركين فيها. وتُعَد أفريقيا إحدى القارات التي كثيراً ما يجري تجاهلها على صعيد التعاطي غير المشروع للمخدرات، ربما بسبب الاهتمام الذي توليه وسائل الإعلام إلى المجاعة والفقر. إذ يشكّل الفقر أحد الروابط والعوامل في تعاطي المخدرات ضمن أي مجموعة من السكان. ووفق تقديرات الأمم المتحدة، سينخفض عدد الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات في أوروبا مع حلول 2030، لكن أفريقيا ستشهد انفجاراً في التعاطي من 60 مليون شخص في 2018 إلى 86 مليوناً سنة 2030.
وعلى غرار الحال مع الاتجاهات السائدة في تعاطي الكحول والتبغ، تميل البلدان النامية إلى اتباع أنماط في تعاطي المخدرات تُشاهَد في أوروبا وأميركا، ولو بفارق زمني يصل إلى بضع سنوات. واستطراداً، فمن شأن ذلك أن يضيف إلى مصداقية التقدير المتوقع من قبل الأمم المتحدة بمسألة تعاطي المخدرات في أفريقيا. وتقترح الأمم المتحدة على الحكومات الأفريقية أن تعترف بتعاطي السكان المخدرات وتستجيب في شكل استباقي للحد من الضرر المحتمل الذي قد يخلفه ذلك التعاطي. ويشكّل ذلك الاقتراح دعوة قاسية، في ضوء الأولويات التي يواجهها الساسة وواضعو السياسات في هذه البلدان، إذ يتلخص أحدها في تأمين القدر الكافي من اللقاحات الخاصة بـ"كوفيد" والبنية التحتية اللازمة في إيصالها إلى الناس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن بين العوامل العالمية التي يسلط تقرير الأمم المتحدة الضوء عليها، هنالك الارتفاع الكبير في فاعلية القِنَّب. وبين عامي 1995 و2019، وجدت الأمم المتحدة زيادة بلغت أربعة أضعاف في قوة القِنَّب المتاح. ويرجع هذا الارتفاع في الفاعلية إلى قوة أحد مكوناته المسمّى "دلتا9- ثلاثي هيدرو كانابينول" (اختصاراً، "تي أتش سي" THC)، بالترافق مع انخفاض في مركّبات تُدعى "كانابينويد" التي يُعتقد أنها تنظم تأثيرات الـ"تي أتش سي". وحظيت تلك الظاهرة باهتمام وسائل الإعلام في السنوات الأخيرة، لكن ما يحظى بشهرة أقل هو آراء الشباب وانطباعهم. وفي ذلك الصدد، ثمة اختلاف مثير للاهتمام. فبالتوازي مع ارتفاع فاعلية القِنَّب، انخفض الانطباع حول المخاطر المتأتية منه، بين المراهقين.
وفي تطور متصل، من المرجح أيضاً أن يتأثر ذلك الارتفاع بالتغيرات الأخيرة في السياسات التي تبناها عدد من الولايات الأميركية. فمن خلال السماح بالوصول إلى القِنَّب لأسباب ترفيهية وطبية، أشار الشباب إلى أن العقار آمن ومنخفض المخاطر بالنسبة إلى الصحة. وفي الوقت نفسه، شجعت تجارة القِنَّب هذه الفكرة وعرضت مزاعم في شأن منافع استخدامه. واستطراداً، يقدّم عدد من تلك المزاعم أملاً زائفاً إلى من يواجهون ظروفاً مهددة للحياة كالسرطان. ولا تؤيد قاعدة الأدلة، استخدام منتجات القِنَّب في مراكز رعاية الحالات المستعصية.
وبالنتيجة، دفعت تلك المسائل الأمم المتحدة إلى الدعوة إلى فرض حظر عالمي على إعلانات القِنَّب. إذ تتصور أن هذا الحظر من شأنه أن يساعد في ضمان "تفوق مصالح الصحة العامة على مصالح الأعمال". وبما أن هذا الطموح يستحق العناء، فمن الصعب أن نرى كيف قد تتمكن هيئات الصحة العامة من مضاهاة الأموال الكبيرة المتاحة للأعمال، إذ تواجه تلك الهيئات في أميركا، وكذلك المملكة المتحدة، ضغوطاً حرجة على ميزانياتها.
واستكمالاً لتلك الصورة، هل تستطيع رسائل أو حملات صحية عامة أن تتنافس مع التسويق المتطور والمُقنِع من قبل قطاع القِنَّب؟ إن تلك المعركة بعيدة كل البعد عن أن تكون عادلة. ولا يفيد مصداقية الصحة العامة في ما يتصل بالمعلومات المتعلقة بالقِنَّب، تلك الدعاية التاريخية الرامية إلى تخويف الشباب من المخاطر التي تهدد صحتهم العقلية إذا تعاطوا المخدر. وفي ذلك الصدد، فمن عجيب المفارقات أن رسائل الأعمال تبدو أكثر مصداقية، حتى لو تعارضت مع الأدلة في شأن المنافع الصحية للقِنَّب.
وثمة أمر واضح من تجربة الماضي مع الكحول والتبغ، يتمثّل في أن تحقيق الربح، وليس الحرص على صحة الأشخاص، هو الذي يحفز هذا القطاع الجديد. وسيحاكي ذلك القطاع قطاعي الكحول والتبغ في مسألة ممارسة الضغط على واضعي السياسات بهدف ضمان فرض أخف التنظيمات على منتجاته.
وكخلاصة، فوفق الحال مع أي مخدر، ليس القِنَّب سيئاً بالكامل، لكنه أيضاً ليس جيداً تماماً. وحاضراً، ما زلنا نواجه صعوبة في معرفة من مِنَ الأفراد سيعاني مشاكل نتيجة التعرض إليه. وما زلنا ننتظر إلى أن تتطور مشكلة ما، بدلاً من أن نكون استباقيين في التعامل معها.
© The Independent