نظم مئات العراقيين احتجاجاً في العاصمة بغداد يوم الجمعة 2 يوليو (تموز) الحالي، على زيادة انقطاع الكهرباء ونقص إمدادات المياه، بينما تجاوزت درجات الحرارة الخمسين مئوية في بعض أنحاء البلاد.
وأدى المصلون صلاة الجمعة في حي "مدينة الصدر" في بغداد وهم يتصببون عرقاً، أسفل مظلات، ثم نظموا احتجاجاً ينتقد الحكومة لعدم توفير طاقة كهربائية كافية للمواطنين.
وكسا الضباب الدخاني سماء العاصمة العراقية بعد شروق الشمس، إذ استخدمت المنازل مولدات الكهرباء التي تعمل بالديزل لفترات أطول من المعتاد.
انهيار كبير
وتتفاقم أزمة الكهرباء في العراق هذا العام إلى حدود غير مسبوقة، حيث شهدت الطاقة الوطنية انهياراً كبيراً، فجر الجمعة، أدت إلى انقطاعها بشكل تام عن مدن الوسط والجنوب العراقي لساعات عدة.
وتراجعت منظومة الكهرباء خلال الأيام الماضية بشكل كبير، مع وصول درجات الحرارة إلى حدود 50 مئوية، الأمر الذي خلف موجة غضب شعبية كبيرة دفعت وزير الكهرباء العراقي ماجد حنتوش إلى تقديم استقالته في 29 يونيو (حزيران) الماضي.
وإضافة إلى تردي الخدمة في البلاد، تناقلت تقارير صحافية خبر وقف إيران إمدادات الطاقة للعراق بشكل كامل، الثلاثاء الماضي، في محاولة للحصول على مستحقاتها من الحكومة العراقية، ما رفع احتمال خروج احتجاجات واسعة في البلاد.
انقطاع تام لساعات طويلة
وقُطع التيار الكهربائي بشكل تام فجر الجمعة 2 يوليو، في معظم محافظات وسط وجنوب العراق، من بينها العاصمة، حيث وصل القطع إلى نحو 7 ساعات متواصلة، الأمر الذي عزته دوائر معنية إلى وجود إشكالات في محطات التوليد الرئيسة.
وكانت دائرتا كهرباء محافظتي المثنى وواسط، أعلنتا الجمعة، عن توقف المنظومة الكهربائية بشكل تام عن جميع المحافظات في الوسط والجنوب.
وبعد ساعات من الانقطاع، أعلنت مديرية كهرباء محافظة المثنى إعادة خطوط التيار الكهربائي بشكل تدريجي في المثنى و3 محافظات أخرى. وأشار البيان إلى أن "هناك عودة جزئية للطاقة الكهربائية في بغداد وكركوك وكربلاء".
في غضون ذلك، قال المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية أحمد موسى العبادي، إن "القطع حدث بسبب خروج محطات التوليد الرئيسة في المحافظات عن الخدمة في بغداد والبصرة وبابل والنجف وذي قار وميسان وكربلاء والديوانية والمثنى وديالى". وأضاف أن "ذلك تسبب بانقطاع الكهرباء في المحافظات المذكورة وبقية المحافظات المرتبطة بها"، مشيراً إلى أن "فرق الصيانة تحاول منذ ساعات الليل المتأخرة إعادة الخطوط الناقلة للعمل".
وأشار العبادي إلى "تعرض أبراج لنقل الطاقة إلى عمليات إرهابية جديدة، ما أسهم أيضاً في تفاقم الأزمة، نظراً لارتباط الأبراج بمحطات التوليد، ما يعني هدر الطاقة الموجهة إلى المحافظات".
في المقابل، أعلن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الجمعة، عن اتخاذ قرارات مهمة لمعالجة أزمة الكهرباء في البلاد.
وذكر المكتب الإعلامي لمجلس الوزراء في بيان، أن الكاظمي قرر "تشكل خلية أزمة لمواجهة النقص في ساعات التغذية بالطاقة الكهربائية في بغداد والمحافظات برئاسته وعضوية وزارات الكهرباء والنفط والمالية والداخلية والأمين العام لمجلس الوزراء ومدير مكتب رئيس الحكومة ورئيس جهاز الأمن الوطني وسكرتير الهيئة العليا للتنسيق بين المحافظات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتتولى الخلية وفق البيان مهمات عدة، من بينها اتخاذ الإجراءات الفورية اللازمة لزيادة ساعات توفير الطاقة الكهربائية في عموم البلاد، وتوفير "كل أشكال الدعم المالي والفني واللوجستي والأمني لوزارة الكهرباء بشكل طارئ".
وتابع البيان، أن من بين المهمات "إشراك الحكومات المحلية في مجالي الإنتاج والتوزيع، وإزالة التجاوزات على منظومة الطاقة الكهربائية ومصادرة الأدوات والمعدات المستخدمة، وتحميل المتجاوزين أجور قطع التيار الكهربائي والكلف الناجمة من ذلك وتحريك الشكاوى الجزائية بحقهم".
احتجاجات في عدد من المدن العراقية
وبعد التظاهرات التي جرت على خلفية انقطاع التيار الكهربائي في محافظة البصرة في عام 2018، وأدت إلى سقوط قتلى وجرحى، شهدت محافظات عراقية عدة احتجاجات للسبب ذاته خلال الأيام الماضية، حيث تظاهر العشرات في محافظة واسط جنوب العاصمة، إلا أن قوات الأمن قامت بتفريقهم. أما في مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار، فتجمهر العشرات أمام محطة الطاقة الكهربائية مطالبين بعزل منظومة الطاقة في المحافظة عن منظومة الطاقة الوطنية.
ويبدو أن استمرار الانهيار في توفير الطاقة الكهربائية قد يحفز محافظات أخرى على الخروج في تظاهرات، خصوصاً بعد إنفاق نحو 60 مليار دولار خلال العقدين الأخيرين على الكهرباء دون تقدم يُذكر.
وقال رئيس مركز "كلواذا" للدراسات باسل حسين، إن "ملف الخدمات هو أحد أهم محركات الاحتجاج الاجتماعي في العراق، ويشكل ملف الكهرباء وفشل النظام السياسي بحكوماته المختلفة أحد أهم أسباب التظاهر". وأضاف "لو استمرت الانقطاعات من دون حل مع ارتفاع درجة الحرارة، فإن ذلك يدعو إلى التوقع بأننا أمام موجة جديدة من الاحتجاجات".
تزامن يثير تساؤلات
وأثار تزامن الانهيار الكبير في منظومة الطاقة في العراق مع مساعي الحكومة العراقية تفعيل مشروع "المشرق الجديد"، تساؤلات عدة، خصوصاً وأن ملف الربط الكهربائي هو أحد أبرز الملفات التي يتطلع العراق إلى إنجازها مع مصر.
كما أشارت تقارير صحافية إلى أن إيران قطعت إمدادات الطاقة عن العراق، وعلى الرغم من إرجاع هذا الإجراء إلى محاولة الضغط على العراق لسداد المستحقات المترتبة عليه، إلا أن مراقبين يرون أنها وسيلة ضغط من قبل طهران للوصول إلى تسوية جديدة في ما يتعلق باتفاقات الطاقة.
ويدين العراق لإيران بمبلغ 4 مليارات دولار مقابل عقود الطاقة المبرَمة بين البلدين، إلا أن العقوبات الأميركية على طهران أدت إلى تباطؤ في تسديد تلك المبالغ.
وبحسب تقرير لوكالة "أسوشييتد برس" قطعت طهران إمدادات الطاقة بشكل تام الثلاثاء الماضي، في خطوة يبدو أنها محاولة للضغط على حكومة الكاظمي لتسديد المستحقات السابقة.
وفي هذا الصدد، صرح رئيس مركز "كلواذا" للدراسات أن "إيران تمارس الابتزاز في أوقات اشتداد الحرارة للضغط على الجانب العراقي، سواء بهدف تجديد العقود المجحفة أو دفع الأموال المتراكمة عن السنوات السابقة".
ويبدو أن طهران باتت تنظر بـ"تخوّف وريبة" إلى قضية "المشرق الجديد" وتطلع العراق إلى ربط كهربائي مع الأردن ومصر، وفق تعبير حسين، الذي لفت إلى أن "إيران تقارب هذا الأمر بنظرة سياسية اقتصادية، كونها تريد من العراق أن يكون جزيرة معزولة لنفوذها ومصالحها".
وختم بالقول، إن "العراق يشكل الرئة الاقتصادية الكبرى التي تتنفس طهران من خلالها، فضلاً عن كونه يمثل المخزون المالي الذي ينقذها في أوقات الحصار، وهذا الأمر يدفع طهران في كل مرة إلى مواجهة أي تحرك عراقي للانعتاق من هيمنتها بالتهديد أو الابتزاز".
انفجار مرتقب
من جهة أخرى، ليست إشكالية الكهرباء في العراق أمراً آنياً، إذ تعود إلى سنوات ماضية عدة، وتشكل حدثاً دائماً منذ عام 2003 وحتى اليوم، دون حلول تُذكر.
ويرجح مراقبون أن يحفز استمرار تردي الكهرباء في البلاد، "انفجاراً احتجاجياً" قريباً في حال لم يتم إيجاد حلول له.
ورأى رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، أن "النقص في إمدادات الكهرباء كان سبباً رئيساً في خروج الاحتجاجات في أعوام سابقة، حيث مثل تردي الخدمات أحد أبرز أسباب احتجاجات أكتوبر (تشرين الأول) 2019، ما يجعل إمكانية تفاقم الاحتجاجات خلال الأيام المقبلة أمراً مرجحاً بقوة".
وعزا الشمري الاحتجاجات الحالية في عدد من المحافظات العراقية إلى أن "ملف الكهرباء ليس ملفاً آنياً، وإنما يرتبط بقضايا فساد تعود إلى أول أيام النظام الحالي، وطبيعة الهيمنة الخارجية على هذا الملف من خلال بعض قوى الإسلام السياسي الفاعلة".
الربط الكهربائي مع الدول العربية يثير حفيظة طهران
وفي مقابل الرؤى القائلة بأن طهران تحاول "ابتزاز" بغداد للحصول على مستحقاتها المالية أو محاولة عقد اتفاقات طويلة الأمد وعرقلة مشاريع الربط مع دول الخليج ومصر، يروج الإعلام التابع للجهات الموالية لإيران، وسم "كهرباء العراق بيد أميركا" في محاولة كما يبدو لإبعاد تلك الإشكالية عن إيران.
وأشار الشمري إلى أن "ملف ربط كهرباء العراق مع دول أخرى والاستغناء عن استيراد الطاقة من إيران، يأخذ مساحة كبيرة لدى صانعي القرار في طهران". وأضاف أن "الربط الكهربائي مع دول الخليج وطبيعة ما قدمته السعودية من أسعار مخفضة وسرعة في إنجاز الربط، شكل أحد مصادر القلق بالنسبة إلى إيران، فضلاً عن توجه العراق إلى الربط الكهربائي مع مصر".