تحولت لجنة الحوار السياسي الليبي، المنبثقة من ملتقى جنيف، لحل الإشكالات العالقة في طريق العملية السياسية إلى أزمة بحد ذاتها، تبحث عن حل لخلافات أعضائها التي قادت إلى فشل جولتها التفاوضية الجديدة للاتفاق على القاعدة الدستورية للانتخابات والقوانين المنظمة لها، ونظامها الخاص الذي تجرى على أساسه.
فشل الجولة التفاوضية لحل كل المسائل الشائكة بالمسار الدستوري جاء بعد توسع دائرة الخلاف حول نظام الانتخابات "مباشر أم غير مباشر"، وشروط الترشح لها، وهل تجري وفقاً للقاعدة الدستورية أم مسودة الدستور، بعد الاستفتاء عليها، أي حول كل النقاط التي شكلت محور النقاش في هذه الجلسة، دون الوصول إلى حل واحد لنقطة واحدة منها.
واعتبر محللون أن فشل هذه الجولة التفاوضية يشكل ضربة قوية لآمال الليبيين في الذهاب إلى الانتخابات العامة، في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وجرس إنذار خطيراً حول مصير الأزمة الليبية برمتها، التي انتقلت في الأسابيع الماضية من تصعيد إلى تعقيد فانسداد تام في الأفق السياسي، بعد انفراجة مبشرة بداية العام الحالي.
الوصول إلى طريق مسدود
أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا انتهاء جلسات ملتقى الحوار السياسي، التي دارت على مدار الأيام الأربعة الماضية، من دون التوصل إلى توافق حول القاعدة الدستورية التي تشكل الإطار القانوني المنظم للانتخابات العامة.
وقال الأمين العام المساعد منسق البعثة في ليبيا رايزدون زينينغا، خلال كلمته في الجلسة الختامية لملتقى الحوار السياسي الليبي، في جنيف، "فشلنا في التوصل إلى اتفاق بشأن القاعدة الدستورية، وهذا لا يبشر بخير". موضحاً "قدمت ثلاثة مقترحات حول القاعدة الدستورية، والمشاركون في الملتقى لم يتوصلوا إلى أرضية مشتركة حول آلية إجراء الانتخابات".
وتابع زينينغا، "نسدل الستار اليوم ونحن نحثكم على مواصلة الحوار بينكم، للوصول إلى حل وسط بين جميع الأطراف، وسنواصل العمل مع اللجنة الاستشارية لإيجاد بعض الخيارات لبناء أرضية مشتركة، سيناقشها الملتقى في الجولات المقبلة، وجميع الأطراف ستعود إلى ليبيا لمواصلة العمل على هذا الملف".
أعضاء ينتقدون البعثة الأممية
في المقابل، عبـّر 24 عضواً في ملتقى الحوار السياسي، في بيان، عن اعتراضهم على مجريات اجتماعات جنيف، وطريقة إدارة البعثة لها، التي أفضت إلى الفشل في التوافق على النقاط الخلافية بين الأعضاء، وطالب البيان بـ "إنجاز الاستحقاق الانتخابي في ديسمبر، دون تأخير أو تأجيل".
وقال الأعضاء، في بيانهم، إنهم "فوجئوا بالطريقة التي تتعامل بها البعثة ورئيسها، في إدارة الحوار في الملتقى، ونهجها في تسيير مسار الجلسات، وكأنها تقبل بالنكوص وشطب خريطة الطريق التي أقرت بالإجماع، والعودة عن كل ما جرى الاتفاق عليه في تونس وجنيف".
واستنكر البيان "سماح البعثة لذوي المصالح الخاصة التي تناهض تطلعات الليبيين الحالمة بإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، والرافضة تأجيل موعدها، وفق أكثر من استطلاع رأي حر أجرتها جهات محايدة ومعتبرة". منددين بمنح البعثة للمعرقلين "فرصة إضاعة الوقت وإرباك لجنة الحوار والتشويش على الرأي العام الليبي، وفرض رؤيتهم عبر طرق ملتوية على البعثة والملتقى".
وطالب الأعضاء "البعثة الأممية بتبيان أسباب تعاملها وإدارتها للجلسات بالشكل الذي ميّع دور اللجنة في ما يخص الخروج بقاعدة دستورية توافقية، بعد عمل مضن من اللجنة القانونية، والسماح للأطراف صاحبة المصالح في الإبقاء على الوضع الراهن في ليبيا"، بحسب نص البيان.
انقسام الأعضاء لمجموعات ثلاث
وكشفت مصادر مطلعة على مجريات جولة الحوار السياسي الليبي، في سويسرا، أن أعضاء اللجنة انقسموا إلى ثلاث مجموعات، اختلفت في ما بينها اختلافاً شديداً حول رؤى كل منها للمرحلة الانتقالية الأخيرة، وصولاً إلى الانتخابات الوطنية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضحت المصادر، "الفريق الأول بين المجموعات الثلاث، المشكل من 22 عضواً، طالبوا خلال الجلسة بتمديد فترة حكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، حتى يجري الاستفتاء على الدستور وإجراء الانتخابات على أساسه. بينما المجموعة الثانية (24 عضواً) فتمسكوا بإجراء الانتخابات في موعدها المحدد في الخريطة السياسية، نهاية العام الحالي".
وأضافت، "أما الفريق الثالث (29 عضواً)، فتمسك أيضاً بإجراء الانتخابات في موعدها المحدد، مع التشدد في مطلبين، انتخاب الرئيس مباشرةً من الشعب ووفقاً للقاعدة الدستورية لا مسودة الدستور الخلافية، وهو وجه الخلاف بينها وبين المجموعة الثانية، التي تمسّكت بموعد الاقتراع، مع الانفتاح على النقاش حول الخيارات الخاصة بنظامه القانوني والدستوري".
مطالبات بحل اللجنة
ومع فشل لجنة الحوار السياسي من جديد طالبت بعض الأطراف بحلها، والانتقال إلى الانتخابات العامة في الموعد المحدد لها بإشراف دولي.
الغريب أن أغلب النداءات لحل لجنة الحوار السياسي جاءت من داخلها، حيث قال عضو اللجنة محمد العجيلي الحسناوي، إنه "بعد فشل الحوار في إنجاز القاعدة الدستورية، فإن الحل يكمن في حل لجنة الحوار".
وكان عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي بالقاسم النمر، سبق زميله الحسناوي في المطالبة بهذا الأمر، متهماً من سماهم بـ "المعرقلين والمستفيدين من الوضع الراهن بإفشال ملتقى الحوار السياسي في جنيف".
وأضاف النمر، عبر حساباته على مواقع التواصل، أن "هؤلاء نجحوا في ترحيل الانتخابات بطرح مخالفات جسيمة لخريطة الطريق، أطاحت بالتوافق حول إجراء الانتخابات في موعدها". وخاطب النمر الشعب الليبي "لم يبق أمامكم إلا الخروج إلى الشارع، وإسقاط هذه الأجسام، وعلى رأسها ملتقى الحوار السياسي".
غضب أميركي
في بيان شديد اللهجة بشكل لافت، عبر السفير الأميركي، المبعوث الخاص للولايات المتحدة الأميركية لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، عن استيائه من فشل ملتقى الحوار السياسي بجنيف في التوصل إلى توافق حول القاعدة الدستورية التي ستجرى الانتخابات العامة بمقتضاها.
وقال نورلاند، في بيان نشرته السفارة الأميركية في ليبيا، "في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، اجتمع ملتقى الحوار السياسي الليبي، واتخذ قرارات مهمة بشأن مستقبل ليبيا، ورحب الليبيون والمجتمع الدولي على حد سواء بخريطة طريق الملتقى للمرحلة التحضيرية من أجل حل شامل، وحدد يوم 24 ديسمبر لإجراء الانتخابات العامة، وشدد عليه مجلس الأمن وأصبح نقطة مركزية في عملية برلين، بما في ذلك نتائج اجتماع برلين الوزاري، الذي عقد الأسبوع الماضي".
واتهم نورلاند بعض أعضاء لجنة الحوار الليبية بمحاولة إفساد الملتقى ونسف خريطة الطريق السياسية، "تابعنا من كثب اجتماعات الملتقى في جنيف، هذا الأسبوع، بما في ذلك عديد من الأعضاء الذين يبدو أنهم يحاولون إدخال (حبوب سامة) تضمن عدم إجراء الانتخابات، إما من طريق إطالة العملية الدستورية أو من خلال خلق شروط جديدة يجب تلبيتها لإجراء الانتخابات". مشيراً إلى أن "بعض هؤلاء الأفراد يعملون نيابة عن القادة السياسيين الذين قدموا للولايات المتحدة تأكيدات واضحة بأنهم يدعمون الانتخابات في 24 ديسمبر".