علمت صحيفة "اندبندنت" أن خبراء بريطانيّين سيعكفون على إجراء مراجعةٍ تكلّف ملايين الجنيهات الاسترلينية، لأوضاع وحدات رعاية الولادات في مختلف مستشفيات "الخدمات الصحّية الوطنية" NHS في البلاد، في محاولةٍ لوقف مسلسل وفيات الأطفال وحوادث الإصابات في الدماغ أثناء الولادة.
وأعلن وزراء، في خطوةٍ من شأنها أن تؤدّي إلى تغييرٍ جذري في ممارسات أقسام الولادة داخل مرافق "الخدمات الصحّية"، أن "الكلية الملكية لأطبّاء التوليد وأمراض النساء" Royal College of Obstetricians and Gynaecologists (RCOG) ستتولّى إجراء تحقيقٍ يهدف إلى تمكين العاملين الطبيّين من تحديد الحالات الحرجة للأطفال بسرعةٍ أكبر.
يأتي هذا الإعلان بعد أيامٍ من كشف صحيفة "اندبندنت" عن وفاة عشرات الأطفال في أحد أكبر المستشفيات في المملكة المتّحدة، وقبيل صدور تقريرٍ عن أعضاء في البرلمان البريطاني الأسبوع المقبل قد يوجّه انتقاداتٍ شديدة لخدمات أقسام الولادات في مختلف مستشفيات هيئة "الخدمات الصحّية الوطنية".
وستخصّص الحكومة البريطانية أيضاً تمويلاً جديداً للعمل على تطوير جهاز توظيفٍ جديدة تكون أكثر أماناً، من أجل التأكّد من توافر عددٍ كافٍ من الأطبّاء بصورةٍ دائمة، عندما تحتاج النساء والأطفال لهم في وحدات الولادة.
وكانت صحيفة "اندبندنت" قد أطلقت في عام 2019، بالتعاون مع مؤسّسة "بايبي لايف لاين"Baby Lifeline الخيرية (تُعنى بالرعاية الآمنة للحوامل والأطفال في المملكة المتّحدة وخارجها)، حملةً لتحسين سلامة الولادات، بعدما تمّ الكشف عن التفاصيل الكاملة للحوادث التي وقعت في مستشفى "شروزبيري أند تلفورد هوسبيتال تراست" Shrewsbury and Telford Hospital Trust ، والتي تسبّبت في أكبر فضيحةٍ في تاريخ مرافق "الخدمات الصحّية الوطنية".
نادين دوريس وزيرة الدولة البريطانية للصحّة العقلية والوقاية من الانتحار وسلامة المرضى، أعلنت عن المخصّصات المالية الجديدة على أثر الكشف الأخير عن الحوادث، وذلك قبل صدور تقريرٍ متوقّع هذا الأسبوع من جانب "لجنة الصحّة والرعاية الاجتماعية في مجلس العموم" Commons Health and Social Care Committee بشأن سلامة وحدات الولادات في مستشفيات "الخدمات الصحّية الوطنية".
القيّمون على قطاع الصحّة سارعوا إلى الإشادة بهذه النقلة، معتبرين أنها تشكّل خطوةً مهمّة على طريق تحسين جودة رعاية الولادات داخل مستشفيات "الخدمات الصحّية الوطنية". وقالت الوزيرة دوريس لصحيفة "اندبندنت" في هذا الإطار: "إنني مصمّمة على التأكّد من أن أكبر عددٍ ممكن من الأمّهات سيكون بإمكانهن العودة إلى منازلهم برفقة أطفالٍ أصحّاء وسعداء بين ذراعيهن".
وتضيف قائلةً إن "البرنامج الجديد يستهدف رصد إشارات التحذير بشكلٍ مبكّر، وإنقاذ الأرواح، والحؤول دون اضطرار أسر وأطفال إلى مواجهة محنةٍ مروّعة نتيجة حدوث تلفٍ دماغي من شأنه أن يغيّر مسار حياتهم، وسيساعدنا في المقابل على تحقيق طموحنا في خفض نسبة الإصابات في الدماغ أثناء الولادات إلى النصف، بحلول عام 2025".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورأت أن "وجود الطاقم الطبّي المناسب للولادات في المكان المناسب وفي الوقت المناسب، يعني أن أفراده يمكنهم أن يتعلّم بعضهم من البعض الآخر، وتقديم أفضل رعايةٍ للأمّهات والأطفال حديثي الولادة، وبناء بيئةٍ آمنة وإيجابية للعاملين في فرق الولادات وللحوامل على حدّ سواء، في مختلف أنحاء البلاد".
وتمّ في إطار الخطط الحكومية الجديدة، تخصيص منح مالية لـ "الكلية الملكية لأطبّاء التوليد وأمراض النساء" RCOG بقيمة مليوني جنيه استرليني (2.76 مليون دولار أميركي) لإجراء بحوثٍ والتوصّل إلى أفضل الطرق وأسرعها، في تحديد الحالات الحرجة للأطفال. وسينطلق العمل في هذا المجال من خلال إجراء مراجعة للممارسات المعتمدة في الوقت الراهن داخل أقسام الولادات.
وجرى في المقابل منح الكلية مبلغ 449 ألف جنيه استرليني (620 ألف دولار) لتطوير أداةٍ سيتم توفيرها مجّاناً لمستشفيات "الخدمات الصحّية الوطنية"، تساعد في احتساب عدد الأطبّاء الذي تتطلّبه كل وحدة من وحدات الولادة.
معلومٌ أن المستشفيات البريطانية تعاني في الوقت الراهن من نقصٍ على المستوى الوطني في طاقم القابلات وأطبّاء التوليد في جميع أنحاء البلاد، بحيث أشار تسعةٌ من كلّ 10 أطبّاء مبتدئين يعملون في أقسام التوليد وأمراض النساء، إلى ثغرات في جدول الدوام داخل تلك الوحدات.
وكانت "هيئة الخدمات الصحّية الوطنية في إنجلترا" NHS England قد كشفت أخيراً عن خطّة منفصلة بقيمة 96 مليون جنيه استرليني (132.5 مليون دولار) لزيادة عدد القابلات، وتأمين التدريب المطلوب للموظّفين على إجراءات السلامة، في محاولة للحدّ من الأخطاء التي تكرّرت منذ نشر التقرير الأول للتحقيق في حوادث "مستشفى شروزبيري أند تلفورد هوسبيتال تراست"، وتتولّى الإشراف على ذلك القابلة دونا أوكندين، التي تجري في الوقت الراهن مراجعةً لنحو 1900 حالةٍ من حالات سوء الرعاية.
وتشكّل دعاوى حوادث الإهمال في أقسام الولادات أكثر من نصف مجمل التعويضات التي تدفعها هيئة "الخدمات الصحّية الوطنية" عن الأضرار التي تقع، في وقتٍ تكلّف فيه إصابةٌ واحدة لطفل بتلفٍ في الدماغ ملايين الجنيهات. وكانت صحيفة "اندبندنت" قد كشفت العام الماضي عن أن أسرةً واحدة حصلت على تعويض بقيمة 37 مليون جنيه استرليني (51 مليون دولار)، كي تتمكّن من الاعتناء بابنها المعوّق لبقية حياته، بعد وقوع أخطاءٍ طبّية في مستشفى "مؤسسة غايز أند سانت توماس أن أتش أس فاوندايشن تراست" Guy’s and St Thomas’ NHS Foundation Trust في لندن.
ومن المقرّر أن تنهي "الكلية الملكية لأطبّاء التوليد وأمراض النساء" مراجعتها في ما يتعلّق بتجنّب حوادث الإصابات في الدماغ أثناء الولادة، بحلول نهاية هذه السنة، وستتضمّن إجراء بحثٍ يتناول موظّفي أقسام الولادات، ومقابلاتٍ مع الأسر المتضرّرة، إضافةً إلى اختبار أفضل الممارسات للرصد والاستجابة لحالة الطفل وسلامته أثناء المخاض. وستنظر في المقابل في طرق إدارة المضاعفات التي قد تطرأ من خلال تغيير وضعية الطفل أثناء الجراحة القيصرية.
وستتولّى المراجعة من خلال العمل مع "الكلية الملكية للقابلات" Royal College of Midwives و"معهد دراسات تحسين الرعاية الصحّية" Improvement Studies Institute التابع لـ "جامعة كامبريدج"، بلورة نهج متّفق عليه، بشأن طرق مراقبة حالة الطفل، إضافةً إلى سبل تسجيل القراءات الطبّية بدقة، والنقطة التي يتعيّن فيها على القابلات أن يرفعن أيّ مخاوف لديهن إلى الجهات المختصّة.
تجدر الإشارة إلى أن الفشل في تصعيد المخاوف عندما تواجه النساء والأطفال صعوبات، كان من الأخطاء المتكرّرة في إطار فضائح أقسام الولادات، إضافةً إلى التحليلات السيّئة لقراءات معدّل نبضات القلب، وتأخّر الفريق الطبّي في التعرّف إلى المؤشّرات التي تنذر بحدوث خطأ ما.
وستقوم "الكلية الملكية لأطبّاء التوليد وأمراض النساء" خلال الأشهر الاثني عشر المقبلة بالتدقيق في البيانات الواردة من "الخدمات الصحّية الوطنية"، بهدف تصميم الأداة الجديدة التي من شأنها أن تحدّد عدد الأطبّاء الذي تحتاجه كلّ وحدةٍ من وحدات الولادات، ودرجتهم، والمهارات المطلوبة منهم.
وستراعي الكلية في المقابل العوامل المحلّية مثل معدّلات الولادات وأعمار السكّان وأوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية.
وفي هذا المجال قال رئيس "الكلية الملكية لأطبّاء التوليد وأمراض النساء" الدكتور إدوارد موريس: "يسرّنا أن نتلقّى تمويلاً لتصميم مثل هذه الأداة الجديدة في أمكنة العمل، واستحداث مشروع من شأنه تقليل حوادث الإصابات في الدماغ أثناء الولادات. إن هذا الاستثمار سيسهم بشكلٍ كبير في تحسين جودة الرعاية الصحية المقدّمة للحوامل ولأطفالهن".
وأضاف موريس: "إننا نعي أن تأمين موظّفين مناسبين لأقسام الولادات، هو شرطٌ أساسي لضمان رعايةٍ آمنة للنساء، ونأمل في أن تقدّم هذه الأداة لوحدات التوليد في إنجلترا، دليلاً واضحاً يساعد في تحديد عدد أفراد الطاقم الطبّي الذين يتعيّن توفيرهم وفقاً لهيكليتها الخاصّة.
وأشار إلى أن "المشروع الجديد لتفادي حوادث الإصابات في الدماغ لدى الأطفال أثناء الولادة، يهدف إلى مواجهة التحدّيات المتعلّقة بمراقبة نمو الجنين على نحو فاعل، والبناء على الإنجازات الرائعة التي تمّ تحقيقها حتى الآن في هذا المجال. إننا ندرك أن التأثير المترتّب عن الإصابة الدماغية التي يمكن تجنّبها ما بين الأطفال حديثي الولادة، هو عميق، ونريد أن نقوم بكلّ ما في وسعنا لضمان عدم اضطرار أيّ أسرةٍ لخوض مثل هذه التجربة".
أما جيل والتون الرئيسة التنفيذية لـ "الكلية الملكية للقابلات"، فأشارت إلى أن "كلّ إصابةٍ دماغية كان بالإمكان تجنّبها، تسبّب الكثير من المعاناة للأسر المتأثّرة، ويمكن أن تنعكس سلباً على القابلات وموظّفي أقسام الولادات. وفي ما يتعلّق بالغالبية العظمى من النساء وأطفالهن، تُعّد المملكة المتّحدة مكاناً آمناً للولادات، لكن الإصابات في الدماغ التي يمكن تجنّبها بشكلٍ كبير ما زالت تحدث. من هنا، يتعيّن علينا أن نتعاون معاً لتحسين خدمات الولادات، وبذل كلّ ما في وسعنا لخفض عدد الإصابات الدماغية التي يمكن تفاديها أثناء الولادة".
ولفتت إلى أن "عدداً لا يحصى من المراجعات التي أجريت حول أوضاع وحدات الولادات، تناول قضية النقص في عدد الموظّفين، وتأثير ذلك في سلامة النساء وأطفالهن في خدمات الولادة. إن تطوير مثل هذه الأداة [جهاز التوظيف ]، سيسهم في تعزيز مستويات السلامة والارتقاء بمهارات الموظّفين في أقسام الولادات، الأمر الذي يمثّل ركناً رئيسياً في توفير رعايةٍ آمنة وعالية الجودة في هذه الوحدات".
وتطمح الحكومة البريطانية في ما يتعلّق بسلامة أقسام الولادات إلى خفض معدّلات العام 2010 لوفيات الأجنّة والمواليد والأمّهات، كما حوادث الإصابة الدماغية التي تقع أثناء الولادة أو بعدها، إلى النصف، وذلك مع حلول عام 2025.
وفيما أُحرز تقدّم على مستوى تخفيض معدّل الوفيات، تراجعت في المقابل نسبة حوادث الإصابات في الدماغ إلى 4.2 لكلّ ألف ولادة حيّة في عام 2019، بعدما كانت قد ارتفعت من 4.2 إلى 4.7 لكلّ ألف ولادة في الفترة الممتدّة ما بين عام 2012 وعام 2014.
© The Independent