بدأ ظهور المقاهي في منطقة الشرق الأوسط في أواخر القرون الوسطى، كأنه تزامن مع تطور الحكايا الملحمية الشعبية العربية، مثل "ألف ليلة وليلة". وقد أسهمت المقاهي على الأرجح في تعزيز التراث الحكائي وتشجيعه، إذ إن الرواد الذين ترددوا بانتظام إلى تلك الأمكنة كانوا ينتظرون بلهفة تطورات الحلقات القصصية المتتالية التي كان يرويها الحكواتي في المقهى، تماماً كما كان قراء المجلات الشعبية في إنجلترا الفكتورية يستهلكون الروايات المتسلسلة الشهيرة. ومنذ ذلك الحين لا تزال مقاهي القاهرة، مثلها مثل المقاهي الباريسية، تشكل أمكنة لقاء للنخبة الثقافية في كل عصر، فتخدم في الغالب حلقات أدبية ومجموعات سياسية معينة، على ما يبين هذا الكتاب الشيق والمثير [المقاهي المصرية: ثقافة وسياسة وفضاءات مدينية، داليا سعيد مصطفى وأمينة البندري، دار آي. بي توريس].
اليوم في هذا الإطار، وفق ما تبين شهادات شريحة متنوعة من رواد مقاه معاصرين، فإن مصريين كثيرين، من مختلف الأعمار والطبقات الاجتماعية، يجدون في المقاهي المحلية عزاءهم، وسلواهم، وملاذهم، وبهجتهم، ودليلهم للعثور على وظائف. كذلك تتجلى التحولات السياسية والاجتماعية اليومية في المقهى. إذ منذ انتفاضة عام 2011، بدأ مزيد من مقاهي القاهرة يستقبل النساء. وقد تظهر فروع "ستارباكس" وغيرها من سلاسل المقاهي المحلية، مثل "بييانو" Beano، في مولات ضواحي القاهرة، بيد أنها لن تتمكن من التفوق على الكراسي الخشبية التقليدية، والأرضيات غير المستوية، وفناجين الزجاج الصغيرة في مقهى الفيشاوي، حيث تحتدم النقاشات بين الأصدقاء حول مباراة الليلة الفائتة في كرة القدم، أو حول آخر قرارات الحكومة.
مترجم عن فورين أفيرز