ترنو أنظار ساكني خيام النزوح في شمال غربي سوريا إلى قاعة اجتماعات مجلس الأمن الدولي في مدينة نيويورك مع قرب التئام جلسته في العاشر من الشهر الحالي، لتجديد القرار الأممي 2533 حول السماح بإيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى شمال سوريا وتمديد مدة السماح لغاية 12 شهراً.
الوضع المتردي في أماكن اللجوء والمنتشرة على طول الحدود الشمالية يزداد سوءاً، إلا أن منظمات دولية، ومنها "اليونيسف" قرعت ناقوس الخطر بالنسبة إلى واقع مُزرٍ يعيشه 1,7 مليون طفل، والأكثر هشاشة في المنطقة.
وناشدت منظمة الطفولة العالمية مجلس الأمن تمديد إرسال المساعدات، وبحسب بيان لمكتبها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن عدم وصولها سيحدث تأثيرات وخيمة على حمايتهم وإمكانية وصولهم إلى خدمات المياه والنظافة والدعم الطبي والتعليم.
جيل جديد وشبح الضياع!
ولهذا الغرض أطلقت منظمات إنسانية مبادرة "لا لضياع جيل" منذ عام 2013، حيث تأتي في إطار عمل استراتيجي للاستجابة لأزمتي سوريا والعراق بهدف تعزيز الدعم للأطفال والشباب المتضررين من الأزمتين والتخفيف من الأضرار والآثار السلبية على جيل يفتقد الرعاية الصحية والتعليمية.
في المقابل، لم يهدأ النزاع المسلح في الشمال بشطريه الشرقي والغربي، بل حفر عميقاً على واقع الأطفال، وزاد بنسبة 20 في المئة من أعداد المحتاجين، وفق منظمة "اليونيسف"، أي ما يعادل أكثر من نصف مليون طفل دون سن الخامسة، يعانون سوء التغذية والتقزّم، في حين أن 2,5 مليون طفل خارج المدرسة بلا تعليم.
المعابر على طاولة السياسة
من جهة ثانية، لا يأمل من يقطن في الشمال بشطره الغربي، محافظة إدلب وريفها، أن يصدمهم تكرار مشهد كالذي حدث العام الماضي حين رفع السفيران الروسي والصيني يديهما في جلسة مجلس الأمن يوليو (تموز) 2020 في إشارة لـ"فيتو" اعتراضاً على مشروع إدخال نقطتين حدوديتين من الطرف التركي، وبعد التفاوض سمحت بالإبقاء على نقطة واحدة ولمدة ستة أشهر. وكانت المساعدات الإنسانية تصل منذ عام 2014 عبر معابر هي الرمثة، الأردنية واليعربية، عبر الحدود العراقية، ومعبرا "باب الهوى" و"باب السلامة" الحدوديان مع تركيا.
في سياق متصل، تعتبر موسكو فتح معبر باب الهوى الحدودي الخارج عن سيطرة الدولة السورية انتهاكاً للسيادة الشرعية للبلاد، ويعتقد مراقبون أن قمة الرئيسين الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين في جنيف قد تمنح تأثيرات ضاغطة على إنجاح القرار من دون تعثره بالفيتو الروسي.
في غضون ذلك، تحتدم معركة المعابر سياسياً عبر الضغط الأميركي وحلفاء المعارضة السورية لإيصال المساعدات الإنسانية في حين قال المندوب الروسي في مجلس الأمن الدولي، فاسيلي نيبنزيا، إنه أخبر نظراءه أنه لا يستطيع تقديم إجابة نهائية بشأن موقف بلاده تجاه افتتاح المعبر الحدودي.
الدعم للبقاء
يأتي كل ذلك وسط ما تمر به المنظمات الإنسانية من أزمة تمويل غير مسبوقة تهدد استجابتها للأزمة السورية، إذ تفيد تقارير أممية عن تلقي المنظمات 15 في المئة فقط من تمويل المتطلبات المالية حتى تاريخه، إن كانت بالنسبة للعمليات في سوريا أو دول الجوار، ووفق تقديرات الأمم المتحدة هناك حاجة إلى أكثر من 10 مليارات دولار لعام 2021، منها 4,2 مليار للاستجابة في سوريا، والباقي مخصصة لدعم اللاجئين السوريين في المجتمعات المضيفة لهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعرب الناشطون على الأرض في مخيمات النزوح عن حاجة كبيرة لمتطلبات غذائية واحتياجات صحية، ومنها حليب الأطفال. ويعتقد الناشط الحقوقي من مخيمات الشمال السوري، محمد الشيخ، عن قدرة المجتمع الدولي على تحقيق تسوية سياسية تنعكس على إدخال المساعدات بالنهاية، كون الاحتياجات باتت ضخمة، لا سيما مع تفاقم الأمراض الصحية التي أصابت القاطنين في مخيمات تفتقر لأدنى شروط الصحة العامة.
ويشير الشيخ إلى ضرورة تزويد المشافي بالدواء للأطفال، إذ تتسع ضآلة وصول الغذاء المناسب للأطفال، ما أصابهم بسوء تغذية وكثرة الأمراض المتعلقة بالتقزم، "لقد شارك منذ أيام قرابة ألفي عامل إغاثة بصنع سلسلة بشرية تمتد من معبر باب الهوى على امتداد قرى وبلدات تسيطر عليها المعارضة بهدف إيصال رسالة عن حق الأطفال بالعيش ووصول المساعدات، وإلا الوضع سيكون كارثياً". كما تنعدم أبسط مقومات الحياة، إذ يعيش الأطفال بعيداً من التعليم، لا سيما عدم توفر الكوادر التدريسية الكافية والبنية التحتية لذلك، إضافة إلى تعرضهم للعنف الجسدي والنفسي وارتدادات حياة الحرب التي عاصروها سنوات طويلة.
حياة الملايين على المحك
في المقابل، كشفت تقارير أممية عن عدم وصول أية إمدادات إلى إدلب عبر الخطوط خلال الأشهر 11 الماضية. وأفاد المتحدث باسم برنامج الأغذية العالمية، تومسون فيري، بأن "حياة الملايين على المحك"، في حين نقلت المنظمات الأممية شهرياً على مدار العام الماضي، ألف شاحنة من مواد غذائية وأدوية عبر معبر باب الهوى الحدودي.
مصير الأطفال في النهاية على المحك، وازدياد معاناتهم الإنسانية، وانعدام الأمن الغذائي سيكون له تداعيات كبيرة بالمستقبل، في حين يتحضر الجزء الغربي من الشمال السوري، لأعنف المعارك في قابل الأيام خاصة أنه آخر معاقل المعارضة المتشددة.
من جهة ثانية، يتوقع مراقبون من الفريق الموالي، عدم قبول روسيا تمرير المساعدات التي تذهب، بحسب وصفهم، إلى "المجموعات الإرهابية المسلحة"، حيث يسيطر على معبر باب الهوى ما يُسمى حكومة الإنقاذ، وهي الواجهة على الساحة السياسية لهيئة تحرير الشام "النصرة" سابقاً، ويتمسك النظام السوري بموقفه حيال وصول المساعدات بإشرافه حفاظاً على سيادته وعن طريق قنواته الشرعية.