طرحت الحكومة الانتقالية في السودان مبادرة لتهدئة الأوضاع داخل إثيوبيا، بالنظر لما تشهده من توترات وقتال بين الحكومة الاتحادية وإقليم تيغراي، وغيرها من النزاعات الداخلية الأخرى.
وبحسب بيان صادر عن مجلس السيادة السوداني، فإن الحكومة بحكم علاقات الجوار والمصالح، ستسعى للعمل مع الأطراف الإثيوبية كافة من أجل الوصول إلى توافق بينها، يعزز وحدة أديس أبابا، وفق الرؤية التي يقررها الإثيوبيون، مؤكداً أن السودان سيعمل بشكل وثيق مع دول الجوار والأسرة الدولية في سبيل تحقيق هذه الغاية، في وقت ظل يقدم منذ نشوب الأزمة الإثيوبية التسهيلات كافة للعون الإنساني.
وناشد البيان، الذي صدر عقب اجتماع عالي المستوى ضم رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح برهان، ونائبه محمد حمدان دقلو، ورئيس الوزراء عبدالله حمدوك، ووزيرة الخارجية مريم المهدي، الأطراف الإثيوبية كافة لوقف القتال، والجلوس إلى طاولة المفاوضات، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المحتاجين، لافتاً إلى أن مستقبل الجارة الإثيوبية يحدده شعبها وحده.
ونوه البيان إلى ارتباط الخرطوم بمصالح استراتيجية وعلاقات جوار تاريخية وأواصر عميقة مع أديس أبابا، معرباً عن حالة القلق التي تشعر بها الحكومة السودانية إزاء ما يدور في إثيوبيا من تطورات، قد تؤدي إلى آثار سلبية على الاستقرار الإقليمي، لا سيما على دول الجوار.
لكن، كيف ينظر المراقبون لهذه المبادرة، من ناحية قبولها أو رفضها من قبل الأطراف الإثيوبية كافة؟ وما رؤيتهم لإمكانية إعادة اللحمة الإثيوبية في ظل المشهد الماثل من مختلف الجوانب والصعد؟
تفكك وانفصال
في هذا السياق، يقول الباحث السوداني في الشؤون العسكرية اللواء مهندس ركن أمين إسماعيل مجذوب، إنه "بلا شك أن كل من السودان وإثيوبيا يتأثران بشكل مباشر بأي تطورات داخلهما، فأحداث إقليم تيغراي الأخيرة قلبت الصورة تماماً، وكذلك الاهتمامات بمنطقة القرن الأفريقي. وعلى صعيد العلاقات الثنائية، فالسودان ينظر إلى إثيوبيا كمنطقة تأثير في الوقت ذاته، لذا يهتم بما يجري فيها. وانطلاقاً من هذا المفهوم رأت القيادة السودانية ضرورة السعي لجمع الأفرقاء الإثيوبيين في جلسة مفاوضات لحل الأزمات التي تعترض البيت الإثيوبي، خصوصاً في إقليم تيغراي حتى لا ينفرط عقد الاتحاد الإثيوبي الذي يمثل قوميات وإثنيات متعددة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشدد مجذوب على أن هذا التحرك الاستراتيجي لحكومة الخرطوم، يأتي من منطلق أن حدوث أي تفكك لهذا الاتحاد أو انفصال المكونات الإثيوبية، أو وقوع حرب داخلية، كلها عوامل تؤثر على السودان سلباً، من ناحية تدفق أعداد كبيرة من الإثيوبيين صوب الحدود السودانية، وانتقال الصراع إلى أراضٍ سودانية، فضلاً عن الأثر الاقتصادي بإيواء اللاجئين، وتأثر موارد البلاد الشحيحة على الحدود الشرقية، وكذلك حدوث آثار اجتماعية وصحية تؤثر على الداخل السوداني، لذلك يحاول السودان تلافي هذا الأمر، مستفيداً من العلاقات التي تجمعه بأطراف الصراع الإثيوبي.
وأكد أن بإمكان السودان مساعدة الجارة في ضبط الأوضاع، إذ لا ننسى أن لدى أديس أبابا ملفات ساخنة مع الخرطوم تتمثل في ملف سد النهضة، وتجاوز الحدود من جانب إثيوبيا في منطقة الفشقة. ومعلوم في هذا الشأن أن الجانب الإثيوبي كان أكثر تعنتاً في المفاوضات المتعلقة بأزمة السد، رافضاً التوصل إلى أي اتفاق ملزم بالنسبة للملء الثاني، بيد أن السودان يبحث عن أمنه المائي والإنساني، لكن هذه المبادرة التي أعلنت عنها القيادة السودانية تتسامى فوق الجراح والخلافات، وتحاول لملمة أطراف الداخل الإثيوبي، لأن الخرطوم تعلم جيداً أن ما حدث في مطلع تسعينيات القرن العشرين تم حسمه بوقوف السودان مع رغبة الشعب الإثيوبي، إلا أن الوضع الآن عبارة عن صراع داخلي بين مكونات إثنية، وليس صراعاً بين حاكم ومحكوم.
وخلص الباحث في الشؤون العسكرية، إلى القول، "في تقديري أن السودان يتحرك حالياً بطريقة صحيحة، ووفق رؤية استراتيجية، نأمل أن تؤدي هذه المبادرة إلى إغلاق كل الملفات مع الجارة، وعودة العلاقات إلى طبيعتها لصالح البلدين".
لم الشمل
وأشار أستاذ العلاقات الدولية في الجامعات السودانية، السفير حسن بشير، إلى أن "السودان لم يكن في أي فترة من الفترات بعيداً عن المشاكل الإثيوبية، ففي فترات الجفاف التي ضربت أديس أبابا مرات عدة، خصوصاً منتصف ثمانينيات القرن العشرين الماضي، قام بإيواء الآلاف من الشعب الإثيوبي، حتى في الحرب الأخيرة التي نشبت بين الحكومة الاتحادية وإقليم تيغراي، حين استقبلت الخرطوم قرابة 100 ألف لاجئ، ما زالوا موجودين في معسكرات اللجوء بالقرب من مدن إقليم السودان الشرقي المتاخم للحدود مع إثيوبيا، بالتالي فإن النزاعات بين القوميات الإثيوبية تعطي الجانب السوداني أفضلية القبول للعب دور في رأب الصدع ولم الشمل الإثيوبي أكثر من غيره من دول الجوار".
ولفت بشير إلى أن ما قام به رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد من دور لتقريب وجهات نظر الأفرقاء السودانيين من مدنيين وعسكريين بعد الانتفاضة الشعبية التي أطاحت نظام الرئيس السابق عمر البشير في أبريل (نيسان) 2019، والتي تكللت بتوقيع الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية بموجب شراكة بين المكونين العسكري والمدني، يحتم عليه بأن يقبل بالمبادرة السودانية للعب الدور نفسه من منطلق أزلية العلاقات والجوار، والحرص على استقرار منطقة القرن الأفريقي، خصوصاً أن إثيوبيا الآن أحوج للم الشمل، فضلاً عن أن ما يحدث في أديس أبابا يهم الخرطوم، والعكس كذلك.
مائدة مفاوضات
وتابع، "ما يحدث في إثيوبيا من نزاعات، وأهمها القتال الذي وقع بين الجيش الإثيوبي الاتحادي وتيغراي، يحتاج إلى مبادرة تصالحية تؤسس إلى جلوس الطرفين إلى مائدة مفاوضات، وقد يسهل معرفة السودان بالشأن الإثيوبي قبول هذه المبادرة، على الرغم من أن انتصار تيغراي وإحكام سيطرتهم على عاصمة الإقليم ميكيلي، قد يجعلهم غير متحمسين لأي وساطة، لكن كون أن الخرطوم قريبة من الطرفين اللذين بحاجة لمد يد العون، من الممكن أن يكون تأثيرها أقوى بإقناع أي من الأطراف تشدداً، خصوصاً أنها المبادرة الوحيدة المطروحة حالياً".
وأكد أستاذ العلاقات الدولية، أن تصالح السودان مع المجتمع الدولي، وتحسن علاقاته مع معظم دول العالم، يعززان فرص دعم ونجاح هذه المبادرة، لكنه استبعد نجاح أي دور للاتحاد الأفريقي في هذا الشأن، نظراً لتشكك تيغراي في حياديته، لذلك يتعاظم دور الخرطوم من ناحية أنها الأكثر مقبولية وتأهيلاً للعب هذا الدور.
حسن النوايا
في المقابل، يوضح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعات السودانية، الرشيد محمد إبراهيم، أن "الخرطوم من الناحية التاريخية لديها القدرة في التأثير على إثيوبيا، حتى في جانب تغيير أنظمتها السياسية، وليس ببعيد أن ائتلاف الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية الذي جاء بآبي أحمد رئيساً للوزراء عام 2018، في أعقاب الاحتجاجات التي اندلعت ضد حكومة رئيس الوزراء السابق هايلي مريام ديسالين على مدار ثلاث سنوات، انعقدت اجتماعاته في الخرطوم، لكن المشكلة الآن أنه بحكم الخلاف الذي نشب بين البلدين عقب جهود إثيوبيا في توطيد أركان الفترة الانتقالية في السودان، جرت مياه كثيرة تحت السد، بالتالي أصبحت وساطة الخرطوم من ناحية عملية غير ممكنة لسببين هما إشكالية الحدود، وأزمة سد النهضة".
وبين إبراهيم أن إعلان السودان لمبادرة تهدف لتحقيق الوحدة الإثيوبية، هو بمثابة تعبير لإظهار حسن النوايا، لكن يبقى السودان متهماً بتقاربه مع تيغراي كما صدر من اتهام في وقت سابق من قبل الجانب الإثيوبي، فضلاً عن ضغوط الشارع الإثيوبي على الحكومة الاتحادية التي تعتبر الخرطوم أنها اعتدت على أراضيها في الحدود الشرقية، إضافة إلى الآثار السلبية التي أحدثها تقارب السودان مع مصر وما جرى من تنسيق عسكري ومناورات عسكرية مشتركة بين البلدين.
ويعتقد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن حرب تيغراي سيكون لها أثر واضح على أمن القرن الأفريقي، معتبراً تقديرات الجانبين الإثيوبي والإريتري أنها ستكون حرب خاطفة كانت خاطئة، حيث تورطت الدولتان في هذه الحرب، والتي هي أقرب لما حدث في دارفور، حيث من المتوقع أن تتجه الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي نحو التصعيد بفرض عقوبات تتعلق بجرائم حرب ضد الإنسانية، إلى جانب التحرك لإنشاء بعثة أممية (يوناميد) لحماية المدنيين وبسط الأمن والاستقرار في الإقليم.
إعادة ميكيلي
وكان مقاتلو تيغراي قد أعلنوا في وقت سابق، دخولهم العاصمة الإقليمية (ميكيلي) بعد انسحاب القوات الحكومية الإثيوبية من المدينة، وإحكامهم السيطرة عليها.
واحتل الجيش الإثيوبي منطقة تيغراي منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، بعد دخولها بالتعاون مع القوات الإريترية وجماعات مسلحة لانتزاع السيطرة من الحكومة الإقليمية. وأمضى مقاتلو تيغراي المعروفون باسم "قوات دفاع تيغراي"، أشهراً في إعادة تجميع صفوفهم وتجنيد مقاتلين جدد، ليبسطوا بعد هجوم مضاد سيطرتهم على عاصمتهم من جديد.
ويأتي هذا التقدم لصالح قوات تيغراي في وقت حرج بالنسبة لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الذي انشغل بالانتخابات لتمديد صلاحيات حكمه وسط أزمات داخلية وعنف عرقي متفاقم وعقوبات من حلفائه الأوروبيين والأميركيين.