حققت قوات الشرعية انتصارات نوعية في منطقة البيضاء خلال الأيام الماضية، بعد أن أخذت زمام المبادرة في المعارك في المحافظة الاستراتيجية، لتسيطر على معظم أراضي المحافظة. هذه الانتصارات تطرح تساؤلاً حول الفرص التي ضيعتها القوات المناهضة للحوثي في تمسكها بخيار الدفاع طيلة أشهر الفترة الماضية في ظل مقدرتها على تحقيق انتصارات على الأرض.
فمنذ انطلاقة "عاصفة الحزم" دعماً للشرعية اليمنية ممثلة في الرئيس عبد ربه منصور هادي، في 26 مارس (آذار) 2015، شهد مسرح العمليات ضغطاً هجومياً من البر والجو من جانب واحد ممثل في التحالف والقوات المدعومة من قبله مقابل تموضع جماعة الحوثي والقوات التابعة لها في موقف الدفاع.
وأسفرت العمليات العسكرية في بداية "عاصفة الحزم" عن هزيمة قوات الحوثي وطردها من محافظات عدن ولحج وأبين وأجزاء كبيرة من الضالع وشبوة، كما تمكنت قوات التحالف وقوات الجيش الوطني من طرد الحوثيين من أجزاء كبيرة من محافظة مأرب وصولاً إلى مديرية صرواح، كما تمت السيطرة على محافظة الجوف، إضافة لوصول هذه القوات إلى مديرية نهم أولى مديريات محافظة صنعاء والتمركز على مشارف صنعاء.
وفي محافظة صعدة دخلت القوات الحكومية التابعة لهادي والمدعومة من التحالف مناطق باقم ورازح والملاحيط وقطابر والصفراء ومنفذ البقع الحدودي مع السعودية ومنطقة كتاف، فيما طُرد الحوثيون من منفذ حرض الحدودي، وتمت السيطرة على أجزاء كبيرة من منطقة ميدي الساحلية، وسيطرت قوات هادي على أجزاء من مديرية عبس.
كانت قوات الحوثي في موقف الدفاع، فتحركاتها كانت تقابل بغارات جوية تعيق أي تقدم أو تعزيزات عسكرية، ما جعلها تلجأ إلى ترسانة الصواريخ الباليستية في مواجهة التفوق الجوي الكاسح للتحالف العربي، والذي مهد للتقدم السريع للقوات المشتركة من رأس العارة إلى البرح وباب المندب والشريط الساحلي على السواحل الغربية اليمنية وصولاً إلى شوارع مدينة الحديدة، ودخول مطارها.
نقطة تحول
هذه التطورات على مسرح العمليات العسكرية في الأراضي اليمنية لم تدم طويلاً، فقد كان اتفاق ستكهولم في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2018، بمثابة نقطة التحول، إذ تم بموجبه الإعلان عن هدنة لوقف إطلاق النار في الحديدة، وهو ما مثل فرصة لقوات الحوثي لأخذ التموضع هناك بعد أن كانت على شفا الانهيار وخسارة أهم مدينة استراتيجية في مناطق سيطرتها.
محطة مفصلية في مسار العمليات العسكرية وطبيعتها بين طرفي الصراع تجلت حين تحولت قوات الحوثي من موقع الدفاع إلى الهجوم، فبادرت وأعدت وأعلنت عن عمليات عسكرية عدة أهمها عملية "نصر من الله" في منطقة وادي آل أبو جبارة في محافظة صعدة معقل جماعة الحوثي، إضافة إلى إخماد الانتفاضة القبلية في منطقة حجور بمحافظة حجة، وما تلاها من نصر كاسح لقوات الحوثي وطرد قوات هادي من مديرية نهم وصولاً إلى الاستيلاء على محافظة الجوف ودخول قواتهم إلى مدينة الحزم مركز محافظة الجوف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
شعرت جماعة الحوثي حينها أنها على موعد مع التمكين في ظل تراجع قوات هادي، واعتمادها على سياسة الدفاع والصد وكسر الهجمات و"إعاقة تقدم الخصوم"، فأعد الحوثيون العدة من حيث الحشد والتعبئة وكسروا بوادر انتفاضة قبلية جديدة في مديرية ردمان بمحافظة البيضاء ومنها دخلوا إلى مديريات مدغل ورغوان ورحبة في محافظة مأرب، كما اشتعلت المعارك بضراوة في جبهات الكسارة والمشجح، وصرواح، والبلق.
استماتة على الرغم من المخاطر
وعلى الرغم من المخاطر التي يمثلها هجوم الحوثي على مأرب كونها تضم أكثر من مليون نازح فروا من مناطق الحوثي إلى المدينة النفطية، فإن جماعة الحوثي تستميت في هجومها على مأرب. وعلى الرغم من حديث الجماعة عن السلام فإنها لا ترغب في الدخول في أي خطوات عملية على أرض الواقع قبل دخول قواتها إلى مدينة مأرب مما يتيح لها السيطرة الكاملة على مناطق اليمن الشمالي.
وتجلى الموقف الحوثي بشكل واضح عندما لم تتعاطَ بشكل إيجابي مع مقترحات مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث بخصوص مبادرة الحل الشامل، إضافة إلى فشل الوساطة العمانية بعد اشتراط الجماعة الحوثية فصل النواحي الإنسانية عن المسائل العسكرية والسياسية، مع ضرورة فتح مطار صنعاء وضمان تدفق السلع وشحنات الوقود إلى ميناء الحديدة من دون أي اعتراض.
سلوك استراتيجية
المختص في الشؤون العسكرية العميد جميل المعمري يرى أن وقوف القوات الحكومية موقف الدفاع والتصدي للهجمات الحوثية استراتيجية أو تكتيك عسكري قائم على سحب ميليشيات الحوثي من المناطق الجبلية المتمركزة في صرواح ونهم وغيرهما إلى المناطق المفتوحة، ليسهل على طيران التحالف وقف تلك القوات، إلا أنه يؤكد أنها سياسة خطأ إذ إن الجدية في قتال الحوثي إن وجدت ينبغي تحريك جميع جبهات القتال تحت قيادة التحالف، والذي ينبغي أن يقود جميع المعارك من غرفة عمليات موحدة.
غير أنه استدرك أن القوات الحكومية والقبائل تستميت الآن في الدفاع عن مأرب، وهذا واضح من الخسائر الذي تكبدها مقاتلو جماعة الحوثي، نافياً أن يكون هناك أي تقدم للحوثيين حتى وإن وجد فهو لا يُذكر مقارنة مع جحم الخسائر البشرية والعسكرية التي تكبدوها.
وفي وقت يدفع فيه العالم إلى ضرورة وقف الحرب وإحلال السلام في اليمن، نظراً للكلفة الباهظة على النواحي الإنسانية، تصعد جماعة الحوثي من معاركها في مأرب والجوف، وحتى تلك التي تعلن عن تنفيذها في ما وراء الحدود، من قصف بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية، ما يؤكد أن دوافعهم للتصعيد ليست كتلك التي جعلت العالم يرى ضرورة وقف الحرب.
أسباب تدفع إلى استدامة الحرب
محمد العمراني رئيس المكتب الفني للمشاورات التابع لحكومة هادي يرى أن الحوثيين لديهم مشكلة حقيقية مع السلام لأسباب كثيرة، تتعلق بالبنية التنظيمية والخلفية الثقافية كجماعة عنف تفضل دائماً استخدام السلاح، والعقيدة الأيديولوجية التي تجعلهم ملتزمين دينياً باستكمال مشروع يعتقدون أنه حقهم الإلهي.
ويضيف أن من بين تلك الأسباب لتفضيل استمرار الحرب ما يتعلق بالفوائد الاقتصادية والإثراء غير المشروع لدى القيادات الحوثية، حيث أصبح حديث الناس من خلال وجود طبقتين متمايزتين بشكل واضح، طبقة الحوثيين المترفة وطبقة الشعب المنهك.
ويعتبر أن هذه التركيبة تشكل عائقاً كبيراً لجهود السلام، ولذلك هم يتعاملون مع هذه الجهود وفقاً لمستوى الضغوط فقط، وإذا تحرروا من هذه الضغوط فهم يستكملون مشروعهم من دون أي اعتبارات.
ويضيف العمراني أن الارتباط الحوثي الوثيق بإيران والتعامل وفق أجندتها في المنطقة، كلها أمور جعلتهم لا يملكون القرار الأخير في الحرب والسلم، مذكراً بعشرات الاتفاقات المحلية وغير المحلية التي فشلت بسبب هذه العوامل، ويبدو أن هذه السياسة ستستمر في المرحلة المقبلة.
ويرى أن تغير طبيعة المواقف العسكرية على الميدان يتعلق بالموقف الدولي من الحرب بشكل عام في اليمن، وتوقفها في معظم الجبهات ما عدا تلك التي يختار الحوثي أن يقاتل فيها، مستغلاً هذا الضغط، ومستغلاً أيضاً اتفاق ستكهولم والأوضاع المضطربة في العاصمة عدن.