بالتوازي مع مباحثات فيينا بين إيران ومجموعة الدول الموقعة على الاتفاق النووي، وضمنها مفاوضات غير مباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية، تسير مفاوضات أخرى بين السعودية وإيران لخفض التوترات بينهما. وترافقت مع تلك المفاوضات تصريحات المسؤولين من كلا الجانبين والتي تبدو متفائلة، فقد قال الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي إنهم في مرحلة مبكرة.
التعاون الإقليمي مع السعودية
والرغبة الإيرانية في تطبيع العلاقات مع السعودية تجلت في كل الفترات السابقة باختلاف الرؤساء الإيرانيين واختلاف انتماءاتهم، حتى في ظل وصول إبراهيم رئيسي، الرئيس الحالي لإيران والمنتمي للتيار الأصولي، إذ عبّر عن رغبته في التعاون الإقليمي مع السعودية في أول حديث له منذ انتخابات 18 يونيو(حزيران)، حيث أعلن أن طهران تريد علاقات إقليمية أوثق، وأن الأولوية ستعطى لتحسين العلاقات مع دول الخليج العربية المجاورة، ومنذ أيام، تحدث وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف عن أنه يودّ أن يرى تطبيع العلاقات بين طهران والرياض.
وهنا تتمحور الأسئلة حول مضمون التعاون الإقليمي الذي تستهدفه إيران من التقارب مع السعودية، وماهي أهدافه وما هي معوقاته؟
امتثال إيران لالتزاماتها بالاتفاق النووي
بالنسبة للسعودية، فإن شروطها لتطبيع العلاقات مع إيران تتمحور حول امتثال إيران لالتزاماتها بالاتفاق النووي، ومعالجة المخاوف حول أوجه القصور في هذا الاتفاق، وأيضاً الاستقرار الإقليمي والصواريخ الباليستية وغيرها من القضايا.
والرغبة الإيرانية في التفاوض قابلها انفتاح سعودي بناء عليه تمّت المفاوضات في العراق في شهر أبريل (نيسان)، وعقدت الجولة الثانية في مايو (أيار) في بغداد أيضاً، ومع استئناف المفاوضات بين الطرفين بعد قطع العلاقات بينهما منذ عام 2016 على إثر اقتحام القنصلية السعودية في طهران، لكن هناك بعض التحديات التي يمكن أن تؤثر سلباً على العلاقات الإيرانية في المنطقة، وعلى مسار مفاوضاتها مع السعودية.
"خطة العمل الشاملة المشتركة"
وبالنسبة للحكومة الجديدة في إيران، فإن مفاوضاتها الجارية مع الولايات المتحدة لاستئناف "خطة العمل الشاملة المشتركة" ما زالت قيد التباحث، وعقدت ست جولات من المحادثات بشأن الاتفاق النووي في فيينا، وقد عارضت السعودية باستمرار تجديد خطة العمل الشاملة المشتركة ولديها تحفظات على برنامج إيران النووي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ربما اختتام محادثات خطة العمل الشاملة المشتركة يمكن أن يحدث تغييراً، فربما إحياء "خطة العمل الشاملة المشتركة"، "JCPOA"، يمكن أن يسهّل التفاوض مع السعودية، على الرغم من وجود رئيس متشدد في إيران، أما في حالة عدم إحياء "JCPOA"، ستكون الأمور أكثر تعقيداً وسيكون من الصعب توقع اختراق على المدى المتوسط.
ومع ذلك، تحاول إيران أن توحي بنتائج إيجابية بشأن التفاوض مع السعودية، والتصريح منذ يومين أن المفاوضات تسير بشكل إيجابي، ومن المتوقع أن تنتقل المفاوضات بين الرياض وطهران إلى مسقط في سلطنة عمان لتناول الملفات الإقليمية بين الطرفين.
العزلة الإقليمية
إن إيران حريصة على تطبيع العلاقات مع السعودية بدرجة حرصها نفسها على عودة الولايات المتحدة للاتفاق، فإيران تريد أن تخرج عن العزلة الإقليمية، وكونها مصدراً للتوترات الإقليمية، فضلاً عن فتح فرص تجارية جديدة مع الدول الخليجية والغربية، التي قلصتها العقوبات الأميركية.
إن السعي الإيراني للتقارب مع دول الخليج قديماً وحديثاً، غير مرتبط بالعقوبات الأميركية الأخيرة، بل نجد أنه قد تعددت صوره منذ عهد الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني، ومحمد خاتمي، وأحمدي نجاد، وحسن روحاني، وصولاً إلى إبراهيم رئيسي، وكلها مساع حركتها الأوضاع الاقتصادية المتدهورة لإيران والرغبة في التصالح مع دول الخليج مع إظهار القوة الإيرانية باعتبارها قائدة مسيطرة في منطقة الخليج.
الاستقرار الإقليمي
فقد تجددت هذه المساعي بعد تطورات الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988) إلى اتباع سياسة خارجية أكثر براغماتية في فترة ما بعد الحرب، بخاصة بعد إدراكها أنها تفتقر إلى القوة اللازمة لمتابعة استمرار السياسة الثورية التي تبنتها في بداية الثورة في الخليج، لذا، كان من الضروري إصلاح العلاقات المتوترة مع دول الخليج، وللحصول على دعمها، وعلى رأسها السعودية لتقييد الإنتاج في "أوبك" لرفع الأسعار، فدعا رفسنجاني للتعاون الإقليمي، وثم أحمدي نجاد الذي نادى في قمة الدوحة عام 2007 إلى منتدى للأمن الإقليمي، والتصورات نفسها أعاد إنتاجها حسن روحاني بحديثه عن مبادرة "هرمز" للسلام التي تتمحور حول إقامة علاقات ودية والتعاون من أجل تأمين إمدادات الطاقة والنفط، ومن المتوقع أن ينادي إبراهيم بالمحاور نفسها للتقارب مع السعودية.
لذا من المرجح أن تشمل الأجندة الأوسع للملفات الإقليمية، والتي ستعقد في سلطنة عمان، تناول الأمن البحري، وفتح التجارة مع دول الخليج، وإطار لحوار إقليمي منتظم، وربما محاولات تقليل عسكرة سياسة إيران الخارجية في كل أنحاء الشرق الأوسط، لكن إلى أي مدى سيتفق أو يختلف الطرفان على هذه القضايا؟ سيتضح ذلك من خلال مفاوضات مسقط المقبلة ومدى مصداقية إيران في الخروج من عزلتها الإقليمية وأن تكون سبباً في دعم الاستقرار الإقليمي وليس زعزعته.