بالنسبة إلى عديد من المعجبين بـ فرانسيسكو دي غويا، تعد لوحة "العملاق" El Coloso أحد أعظم أعمال الفنان الإسباني، حيث تمرر إحساساً بالخطر وحالة الاضطراب السياسي التي عايشها الفنان.
ومع ذلك، فإن هذه اللوحة تعاني من الغموض على الرغم من أهميتها، إذ لا أحد يعرف ما إذا كان غويا قد رسمها بالفعل أم لا.
في عام 2008، أصيب عالم الفن بالذهول عندما أعلن أحد الخبراء، أن إشكالية ما قد تكون مرتبطة باللوحة، قائلاً، إنها ربما نتاج عمل مساعد غير معروف لـ غويا، وليست من رسم الفنان الشهير نفسه.
وكتب مانويل مينا، الذي كان يضطلع حينها بمهمة تنسيق فن القرن الثامن عشر في متحف برادو في مدريد، تقريراً قال فيه إن لوحة "العملاق" ربما رسمت على يد أسينسيو جوليا، الذي كان يعمل مساعداً في مرسم غويا.
الآن، وبعد 13 عاماً، غير متحف برادو في مدريد رأيه مرة أخرى، قائلاً، إنه من الممكن "إسناد" اللوحة المعروفة أيضاً باسم "المارد" "إلى غويا".
وقال مصدر في أبرز متحف للفنون في إسبانيا لـ"اندبندنت"، إن هذا "يعكس الجدل المستمر حول أصل اللوحة التي يعتقد أنها ليست من رسم غويا".
وفي عام 2008، ادعى مينا، الذي أجرى تحليلاً مفصلاً للصورة، أن التوقيع الذي تحمله الزاوية السفلية اليسرى هو عبارة عن حرفي "أ" و "ج".
وقال لخبراء فن غويا في متحف برادو إنه يظن أن التوقيع يدل على أن الشخص الذي رسم اللوحة هو جوليا، الذي يعتقد أنه تعاون مع غويا في إنجاز اللوحات الجدارية لكنيسة سان أنطونيو دي فلوريدا في مدريد. من المعروف أن المساعدين في محترف غويا كانوا يقومون بنسخ بعض أعماله، لا سيما لوحات الملوك والملكات.
يشار إلى أن الخبراء في فن غويا ما زالوا ينتقدون قرار متحف برادو الأصلي بالتشكيك في أصلية مثل هذا العمل المؤثر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت خيسوسا فيغا، البروفيسورة في جامعة مدريد المستقلة، إن مينا بنى نظريته على "نظرة فاحصة" تلتقط التفاصيل الدقيقة في اللوحة.
وأوضحت لصحيفة إسبانية أن"العلم له بروتوكولات معينة، وهذا يعني أنه يجب اتباع طريقة جيدة للتحقيق في شيء ما، واستخدام " العين" هو إنكار لهذه البروتوكولات، ولا يوجد إجماع في هذا الصدد".
بينما قال متحدث باسم متحف برادو، "لقد غيرنا نسب اللوحة كجزء من إعادة تنظيم أعمال القرن التاسع عشر. يبدو أن الوقت مناسب للقيام بذلك ليعكس الجدل المستمر حول أصل العمل، ولكننا لا نقول إنه من رسم غويا".
بدوره قال نايجل غليندينينغ، مؤرخ الفن البريطاني الذي توفي في عام 2013، إن نقشاً موجوداً في قسم مظلل جزئياً من لوحة العملاق يظهر الأرقام الرومانية التالية "XVIII" (18)، وإن الأرقام تتوافق مع لوحة تسمى "المارد"، وهي اسم آخر للوحة العملاق، وتم كشف هذا النقش في قائمة جرد لأعمال غويا بدءاً من عام 1812.
وقال عام 2008 لصحيفة "إي بي سي": "لم أقل أبداً إنه من المستحيل أن يتدخل (شخص آخر) في أعمال غويا، لكن اللوحة جريئة جداً، بحيث لا يمكن أن تكون للفنان أسينسيو جوليا، بسبب قوة التكوين في العمل وتفرده. آمل أن أتمكن من رؤية الدراسة والدليل."
يذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي يشك فيها الخبراء في أن غويا رسم لوحة العملاق.
في عام 2001 ، زعمت مؤرخة الفن البريطاني جولييت ويلسون بارو، أن هذا العمل وعملاً آخر وهو "بائعة الحليب من بوردو" La lechera de Burdeos قد رُسما بواسطة فنانين آخرين.
وقد أيد مينا نظريتها، حيث قال، إن الشكوك كانت تدور حول كلتا اللوحتين منذ بعض الوقت.
وقال مينا وويلسون، إنه من الممكن أن لوحة "بائعة الحليب" قد رُسمت بواسطة ماريا ديل روزاريو ويس، ابنة عشيقة غويا ليوكاديا زوريللا دي ويس، التي كانت تعيش معه. لكن متحف برادو نفى هذه الادعاءات.
يُعد غويا أحد الفنانين المعاصرين الأوائل في العالم، وكان قادراً على تقديم رؤية ثاقبة لجميع جوانب الإنسانية.
رُسمت لوحة "العملاق"، التي يطغى عليها عنصر العملاق، خلال حرب الاستقلال الإسبانية ضد فرنسا التي اندلعت بين عامي 1808 و 1814.
وقد فسر الخبراء شخصية العملاق الذي يسيطر على الأفق، بينما تتوزع تحته رسوم لأناس مجتمعين في واد، على أنه تصوير للشعب الإسباني المنبعث لطرد الغزاة الفرنسيين الذين كانوا يحتلون إسبانيا في ذلك الوقت.
© The Independent