بمجرد انسحاب القوات الأميركية والدولية من أفغانستان، استطاعت عناصر طالبان توسيع سيطرتها بشكل سريع على الأقاليم الأفغانية وباتت تقترب من العاصمة كابول، في حين لم تعد القوات الأفغانية تسيطر سوى على المحاور الرئيسة والمدن الإقليمية الكبرى. ووردت أنباء الأسبوع الماضي أن أكثر من 1000 جندي أفغاني فروا إلى طاجكستان المجاورة هرباً من تقدم طالبان.
ووفقاً لتقييم استخباراتي أميركي، "فإن الحكومة الأفغانية قد تسقط في غضون ستة أشهر بمجرد مغادرة القوات الأميركية والقوات الدولية الأخرى". هذا المشهد ينبئ بسقوط مرتقب للسلطة الأفغانية في يد طالبان، بعد حرب دولية بقيادة الولايات المتحدة امتدت إلى نحو عقدين ضد الجماعات الإرهابية في أفغانستان. وهو ما يعني الحاجة إلى قوى تملأ الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة، وسط مخاوف بعودة صعود التنظيمات الإرهابية وتحول أفغانستان إلى مركز لها؛ بداية من تنظيمي "القاعدة" و"داعش" وغيرهما من الجماعات المسلحة التي تهدد أمن المنطقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وسعى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، للحصول على تأكيدات من طالبان بأنها ستحترم حدود دول آسيا الوسطى التي كانت يوماً جزءاً من الاتحاد السوفياتي، بينما قالت باكستان المجاورة إنها لن تفتح حدودها أمام اللاجئين. وحذر وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، الأسبوع الماضي، من أن المهمة الأكثر إلحاحاً في أفغانستان هي "الحفاظ على الاستقرار ومنع الحرب والفوضى"، كما أنه بحسب وسائل إعلام صينية يخطط للسفر إلى آسيا الوسطى الأسبوع المقبل لإجراء محادثات حول الوضع في أفغانستان.
بكين تبحث ملء الفراغ
وبينما يزور وانغ يي ثلاثة من جيران الصين في آسيا الوسطى (تركمانستان وطاجكستان وأوزبكستان) ويشارك في اجتماع وزراء خارجية منظمة شنغهاي للتعاون، قالت صحيفة "ساوث تشينا مونينغ بوست"، الصينية، "إن بكين تبحث عن سبل للمساعدة في ملء الفراغ الأمني الذي تركته الولايات المتحدة في أفغانستان".
وخلال مؤتمر صحافي، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، "إن زيارة وانغ تهدف إلى تعزيز السلام والاستقرار في أفغانستان"، وأضاف، "إنه بينما يمرّ الوضع في أفغانستان بمنعطف حرج، فإن الدول الأعضاء بمنظمة شنغهاي باعتبارها جيراناً قريبة من أفغانستان، يمكن لها أن تلعب دوراً إيجابياً في تعزيز السلام والمصالحة وعملية إعادة الإعمار في الأخيرة".
لكن مراقبين استبعدوا إرسال الصين قوات حفظ سلام، وبدلاً من ذلك ربما تلعب، بالتعاون مع تلك الدول التي ترتبط بحدود مشتركة مع أفغانستان، دوراً في التقريب بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان لاستكمال عملية السلام التي بدأتها واشنطن في فبراير (شباط) 2020، ويتحدث كثيرون عن فشلها في ظل عدم التزام الحركة المصالحة مع الحكومة ومواصلتها شن الهجمات للسيطرة على المدن.
تفاهم طالبان وبكين
تبدو بالفعل بوادر تفاهم بين بكين وحركة طالبان، يتمثل في تأكيد الحركة أنها لن تتدخل في قضية "الإيغور" المسلمين في الصين باعتبارها أمراً داخلياً، وذلك بعد أن سيطرت عناصر الحركة على مقاطعة بادخشان شمال شرقي أفغانستان، المتاخمة للحدود الجبلية مع إقليم شينغيانغ الصيني، الذي تقطنه عرقية "الإيغور"، ووفقا لصحيفة "إيكونوميك تايمز"، الهندية، قال محمد سهيل شاهين، المسؤول الرفيع في المكتب السياسي لحركة طالبان في الدوحة بقطر، في رسالة عبر "واتساب"، "طالبان لن تسمح لأي شخص أو أي جماعة باستخدام الأراضي الأفغانية ضد الصين أو أي دولة أخرى. هذا هو التزامنا".
وبالنظر إلى العلاقات التاريخية لطالبان مع الجماعات المسلحة "الإيغورية" في شينغيانغ المرتبطة بتنظيم "القاعدة"، فإن تقدم طالبان على الحدود الصينية كان سيثير قلق بكين في الماضي، لكن صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، ذكرت "أن طالبان تبذل قصارى جهدها لتهدئة مخاوف الصين لضمان إذعان بكين لحكمها".
ونقلت الصحيفة عن رئيس الأبحاث في معهد الاستراتيجية الوطنية بجامعة "تسينغهوا" في بكين، تشيان فنغ، قوله "تريد طالبان إظهار حسن النية للصين. إنها تأمل أن تلعب الصين دوراً أكثر أهمية، خصوصاً بعد أن تسحب أميركا قواتها". وقال الباحث لدى مركز الأبحاث التابع لوزارة أمن الدولة الصينية والمعاهد الصينية لى وي، إن "طالبان تعتقد أن بإمكانها تولي زمام الأمور مجدداً، لذا فإنها ترغب في بناء علاقات أكثر ودية مع جيرانها".
قوى مجاورة
لكن الصين ليست اللاعب الوحيد في المنطقة التي تحظى باهتمام جيوسياسي واسع من قبل القوى الكبرى، إذ إن احتمالات الفوضى واستعادة "القاعدة" موطئ قدم لها في أفغانستان ستشمل تداعياتها الوخيمة ست دول متاخمة للبلاد، وكذلك الدول المجاورة مثل الهند التي كثيراً ما كانت هدفاً لهجمات إرهابية، لا سيما بالنظر إلى التوتر في إقليم كشمير، كما أن إيران وتركيا وباكستان تظل لاعباً رئيساً أيضاً.
ويقول بول روجرز، أستاذ دراسات السلام بجامعة برادفورد، في بريطانيا، في مقال نشره أخيراً مركز الديمقراطية المفتوحة، "إن باكستان تقود مجموعة الدول التي تشكل لاعبين رئيسيين بالنسبة إلى أفغانستان، نظراً إلى العديد من الروابط الطويلة الأمد بين استخباراتها وحركة طالبان". ويشير إلى "أن الأولوية المطلقة لباكستان هي تقليل أي نفوذ هندي في أفغانستان، بينما تسعى نيودلهي إلى عكس ذلك مباشرة، فالجيش الباكستاني، على وجه الخصوص، يخشى الهند لدرجة تصل إلى الجنون تقريباً، بسبب الاعتقاد بأن العقيدة القومية الهندوسية لحكومة حزب "بهاراتيا جاناتا" القومي بقيادة ناريندرا مودي، تدور حول إنشاء جنوب آسيا أكبر يضم بنغلاديش ونيبال وسريلانكا، وبالطبع باكستان".
ومن ثمّ، يعتقد روجرز "أن بحث الصين عن دور لحفظ السلام في أفغانستان يلقى ترحيباً كبيراً في إسلام أباد، التي تشهد علاقاتها ببكين تقارباً متزايداً، كما يمكن لبكين أن ترى مزايا واضحة لمثل هذا الارتباط مع طالبان وباكستان، في ما يتعلق بمنافستها الطويلة مع الهند، لكن هذا بدوره سيدفع نيودلهي أقرب نحو واشنطن، وبالتالي تتطور (اللعبة)"، بحسب وصفه، ويضيف، "في غضون ذلك، ستسعى إيران لبناء علاقاتها العديدة الموجودة في غرب أفغانستان، ولتوسيع اللعبة إلى أبعد من ذلك، تدرك تركيا موقع أفغانستان المهم من الناحية الجيوسياسية، فضلاً عن ثرواتها المعدنية الكبيرة، وتعتبر البلاد إضافة مفيدة إلى مجال نفوذها الذي تسعى لبنائه في المنطقة".
تعاون محتمل
وفي حين تصنف روسيا طالبان على أنها جماعة إرهابية، لكن ذلك لم يمنع الكرملين من التعامل مع الحركة في السنوات الأخيرة، والأسبوع الماضي، زار وفد من طالبان موسكو لمناقشة مستقبل أفغانستان، وبحسب صحيفة "ناشيونال إنتريست" الأميركية، أعرب السيناتور الروسي فلاديمير جباروف عن أمله في السلام بين روسيا وطالبان، قائلاً، "سوف نتفاعل مع أي حكومة شرعية في أفغانستان. إذا أصبحت طالبان الحكومة الشرعية، سنعمل بالطبع على تحسين علاقاتنا، ولكن بشرط ألا يكونوا معادين لبلدنا".
وفي المقابل، بذل وفد طالبان جهوداً كبيرة لطمأنة الكرملين بأن ليس لديهم نيات عدائية تجاه روسيا أو حلفاء روسيا في آسيا الوسطى، وبحسب ما ورد، أكد المفاوضون لموسكو "أنهم لن يهاجموا الحدود الطاجيكية، وسيعملون على منع تنظيم "داعش" من إقامة موطئ قدم على الأراضي الأفغانية"
ولا تزال موسكو ملتزمة بالدفاع عن وحدة أراضي طاجكستان، التي تستضيف قاعدة عسكرية روسية وتعمل حاجزاً رئيساً ضد تدفقات المسلحين من الشرق الأوسط إلى آسيا الوسطى وما وراءها.