شهدت كوبا الأحد، 11 يوليو (تموز)، تظاهرات غير مسبوقة بحجمها منذ ثورة العام 1959، وتقف خلف هذه التعبئة التي فاجأت السلطات عوامل عدة، بما فيها الأزمة الاقتصادية والوباء وأثر الإنترنت.
كانت كوبا تعيش أزمة قبل بدء انتشار وباء "كوفيد-19" في الجزيرة، منذ مارس (آذار) 2020 لسببين رئيسين، حيث كان الانهيار الاقتصادي في فنزويلا أبرز داعم لها، وتشديد الحصار من قبل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الذي فرض 243 عقوبة إضافية على البلاد.
وعانى كل من السكان والحكومة بسرعة من هذه الإجراءات، ومنها تعليق خدمة "ويسترن يونيون" الأكثر استخداماً من قبل الكوبيين لتلقي المال من الخارج، ومنع سفن سياحية أميركية من التوقف في الجزيرة، وتطبيق البند الثالث من قانون "هلمس بورتون" الذي أدى إلى فرار عدد من المستثمرين والمصارف.
وحتى الآن، لم يتراجع الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن عن هذه السياسة.
الصعوبات المعيشية
وشهد الاقتصاد الكوبي المتضرر أساساً من بطء الإصلاحات والثقل الإداري لنظامه الاشتراكي، تراجع إجمالي الناتج الداخلي بنسبة 10.9 في المئة عام 2020، في أسوأ انخفاض له منذ العام 1993.
وبالنسبة إلى الكوبيين، باتت طوابير الانتظار طويلة فيما يتزايد نقص الأغذية والأدوية والصعوبات الاقتصادية، وأعطال المحطات التي دفعت السلطات إلى قطع الكهرباء ساعات عدة خلال اليوم، مما أزعج السكان في أوج الصيف الاستوائي.
وفتحت الحكومة التي تنقصها العملات الصعبة مئات المتاجر بالدولار، وهي العملة التي يحصل عليها السكان من عائلاتهم في الخارج أو يتعين عليهم شراؤها من السوق السوداء، ولا تصدرها المصارف الكوبية.
وشكل إصلاح توحيد النقد الذي دخل حيز التنفيذ في الأول من يناير (كانون الثاني)، مصدر توتر آخر، إذ ترافق مع زيادة طبع العملة وارتفاع القدرة الشرائية للأجور، لكن بنسب غير كافية في مواجهة التضخم الكبير الذي يتوقع أن يبلغ 500 في المئة هذا العام.
تحديات كورونا
ويضاف إلى ذلك أثر وباء كورونا الذي حرم البلاد من العملات الصعبة التي تدرها السياحة، أحد أبرز مصادر العائدات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى مدى سنة، كان سجل كوبا جيداً في أميركا اللاتينية مع نسبة ضعيفة من الإصابات والوفيات بكورونا، لكن خلال الأشهر الماضية ارتفعت الأرقام وبشكل مفاجئ، وبلغت الإصابات في الجزيرة 244914، بينها 1579 وفاة من أصل 11.2 مليون نسمة في البلاد.
أما النبأ السار فهو أن العلماء الذين لديهم خبرة طويلة في المجال الطبي، طوروا خمسة لقاحات ضد "كوفيد-19"، نال أحدها موافقة الهيئة الوطنية الناظمة للأدوية الأسبوع الماضي.
وفي مواجهة ارتفاع الإصابات بدأت السلطات اعتباراً من منتصف مايو (أيار) التطعيم، وبات هناك 1.7 مليون شخص محصنين.
تعبئة الإنترنت ومطالب الحرية
في غضون ذلك، أعطت خدمة الإنترنت النقال في نهاية العام 2018 للمجتمع المدني، وخصوصاً الشباب، القدرة على التعبئة التي فاجأت الحكومة، فبفضل شبكات التواصل الاجتماعي نظّم الكوبيون أنفسهم لتقديم المساعدة لضحايا الإعصار الذي ضرب هافانا في يناير 2019.
لكن خدمات الإنترنت أتاحت أيضاً لعدة مئات من الفنانين التظاهر على مدى 10 ساعات أمام وزارة الثقافة في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، للمطالبة بمزيد من حرية التعبير.
وتظاهرات الأحد بثت أيضاً بشكل واسع على شبكات التواصل الاجتماعي، مما تسبب في انتشار واسع في كل أنحاء البلاد، فقطعت السلطات الوصول إلى الإنترنت عبر الهاتف النقال.
وبعد أربع سنوات ونصف السنة على وفاة فيدل كاسترو، وثلاثة أشهر على رحيل شقيقه راوول عن السلطة، يريد كثير من الكوبيين وخصوصاً الجيل الشاب بعض التغييرات، لذا يطالب عدد كبير منهم الرئيس وزعيم الحزب الشيوعي ميغيل دياز كانيل بمساحة من أجل أفكار جديدة، وبحوار بين مختلف الآراء، وهذا الأمر أدى إلى توترات سياسية مع مؤيدي الثورة المصممين على الدفاع بأي ثمن عن إرث فيدل.
وإلى جانب هذه المطالب السياسية، يريد الكوبيون أيضاً حياة أفضل ومزيداً من الحريات الاقتصادية في هذا البلد الذي يتقدم فيه القطاع الخاص بخطوات صغيرة.