على الرغم من حديثه عن قوة النشاط الاقتصادي في البلاد، أبقى البنك المركزي التركي على مستوى أكثر من مرتفع لأسعار الفائدة، مخالفاً بذلك نظريات الاقتصاد التي تؤكد ضرورة استخدام سلاح الفائدة في مواجهة التضخم المرتفع والأسعار المشتعلة.
وللشهر الخامس على التوالي، أبقى البنك المركزي في تركيا على أسعار الفائدة للإقراض دون تغيير، حيث قررت لجنة السياسة النقدية الإبقاء على سعر السياسة (سعر مزاد إعادة الشراء لأسبوع واحد) ثابتاً عند مستوى 19 في المئة دون تغيير عن أسعار الشهور الخمسة الماضية منذ فبراير (شباط) الماضي.
وعلى الرغم من الانهيار المستمر لليرة التركية مقابل الدولار الأميركي خلال السنوات الماضية، واعتراف الحكومة بوجود عجز ضخم وبطالة مرتفعة وأزمة في الميزان التجاري، لكن "المركزي التركي" برر قراره بتثبيت أسعار الفائدة المرتفعة، بقوة النشاط الاقتصادي في تركيا، لافتاً إلى تباطؤ الطلب المحلي بشكل طفيف في الربع الثاني من العام الحالي بسبب القيود الوبائية وتشديد الأوضاع المالية، لكنه عاد ليؤكد أن "الطلب الخارجي لا يزال قوياً".
"أردوغان" يواصل التدخل في السياسة النقدية
وتسببت أسعار الفائدة بتدخل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشكل مباشر في السياسات النقدية للبلاد، وغيّر محافظ البنك المركزي التركي أكثر من مرة خلال الفترة الماضية. ويرى أردوغان أن الفائدة المرتفعة هي مصدر الضرر للاقتصاد التركي، مطالباً بضرورة خفضها لتجاوز الركود. لكن في المقابل، لا يمكن للبنك المركزي التركي خفض أسعار الفائدة بشكل كبير بسبب موجة التضخم المرتفعة التي تواجهها البلاد التي تعاني بالفعل من عدد كبير من الأزمات الاقتصادية. وتواصل الليرة التركية انهيارها مقابل الدولار لتفقد ثلث قيمتها تقريباً خلال العامين الأخيرين ويجري تداولها في الوقت الحالي عند مستوى 8.76 لكل دولار. كما تسببت إجراءات الغلق التي تزامنت مع توسع جائحة كورونا في تركيا، بزيادة أزمات قطاع السياحة الذي يُعد أحد المصادر المهمة للنقد الأجنبي. وتسبب ذلك في تهاوي احتياطيات البلاد بالشكل الذي حذرت فيه وكالات دولية من قرب نفاد مخزون الدولار من خزائن البنك المركزي التركي في حال استمرار الأوضاع الحالية وعدم اتجاه الحكومة إلى إصلاحات جذرية.
ولم يتجاهل البنك المركزي التركي هذه الأزمات، حيث اعترف بالضرر الكبير الواقع على قطاعي الخدمات والسياحة في البلاد. وأضاف "لا تزال مستويات التضخم المرتفعة تشكل مخاطر على سلوك التسعير والتضخم. من ناحية أخرى، لوحظ الأثر المتباطئ للتضييق النقدي على الائتمان والطلب المحلي. مع الأخذ في الاعتبار المستويات المرتفعة للتضخم وتوقعات التضخم".
وسيدفع قرار الإبقاء على أسعار الفائدة عند مستويات مرتفعة إلى خفض الاستهلاك المحلي من جانب المستهلكين، وتقليل نسب الاقتراض من البنوك العاملة في السوق المحلية، بسبب أسعار الفائدة المرتفعة خصوصاً على الليرة التركية. ويعني القرار أن فرص زيادة السيولة المالية من خلال الاقتراض ستتراجع، كما ستتراجع فرص الاقتراض لغرض الاستثمار الجديد أو توسيع الاستثمار القائم بفعل ارتفاع تكلفة الإقراض، ما ينعكس في المحصلة سلباً على التوظيف، وجاذبية البيئة المحلية.
كما سيدفع القرار أصحاب الودائع إلى الحفاظ على أموالهم داخل البنوك، مع وجود سعر فائدة مشجع، وهو في المحصلة نتيجة طبيعية لضعف وفرة السيولة خارج القطاع المصرفي وبالتالي ضعف الاستهلاك. وما يزيد من تخوفات البنك المركزي التركي، أن الأسعار في السوق المحلية مرتفعة على الرغم من تراجع الاستهلاك الناجم عن التبعات السلبية لتفشي فيروس كورونا، إذ سجلت أسعار الغذاء العالمية تراجعات حادة خلال العام الحالي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
رقم قياسي للتضخم
على صعيد التضخم، كشفت هيئة الإحصاء التركية في وقت سابق من الشهر الحالي، أن أسعار المستهلك في السوق التركية قفزت خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي، لتسجل أعلى مستوى منذ شهر مايو (أيار) من عام 2019. وأشارت الهيئة إلى أن التضخم السنوي ارتفع بنسبة 17.53 في المئة خلال الشهر الماضي، مقارنة مع 16.59 في المئة خلال مايو الماضي.
وارتفع المؤشر العام في الرقم القياسي لأسعار المستهلك خلال يونيو الماضي عن الشهر السابق له بنسبة 1.94 في المئة، بينما ارتفع مقارنةً مع ديسمبر (كانون الأول) الماضي بنسبة 8.45 في المئة، وبنسبة 14.55 في المئة على أساس سنوي.
وكانت مجموعة النقل هي الأكثر ارتفاعاً على أساس سنوي، حيث سجلت ارتفاعاً بنسبة 26.29 في المئة، والمفروشات والمعدات المنزلية بنسبة 25.69 في المئة، والأغذية والمشروبات غير الكحولية بنسبة 19.99 في المئة، والصحة 19.6 في المئة. وضمن متوسط أسعار 415 بنداً في المؤشر، انخفض متوسط أسعار 55 سلعة، وظل متوسط أسعار 54 سلعة أخرى دون تغيير، بينما ارتفعت أسعار 306 سلع.
البطالة تواصل الارتفاع
وفي ما يتعلق بأرقام البطالة، تشير البيانات والأرقام الرسمية إلى أنها أصبحت "مفزعة"، حيث انخفض عدد المشتغلين بمقدار 216 ألفاً، ليصل إلى 23.844 مليون عامل بنهاية مايو الماضي. ووفق هيئة الإحصاء التركية، يعيش أكثر من 4.23 مليون فرد دون عمل في السوق التركية، حتى نهاية مايو 2021. فيما بلغ عدد العاطلين عن العمل من سن 15 سنة فأكثر، نحو 4.237 مليون شخص، وبلغ معدل البطالة 13.2 في المئة خلال الربع الثاني من العام الحالي. في المقابل، بلغ عدد العاملين في القوى العاملة نحو 32.081 مليون شخص بانخفاض 481 ألف شخص في مايو الماضي مقارنةً بأرقام أبريل (نيسان) السابق، حيث بلغ معدل المشاركة في القوى العاملة نحو 50.5 في المئة بانخفاض 0.8 نقطة مئوية.
وتشير البيانات إلى أن معدل بطالة الشباب في الفئة العمرية من 15 وحتى 24 عاماً، بلغ نحو 24 في المئة. كما انخفض عدد العمالة الزراعية بمقدار 312 ألف شخص، وانخفضت العمالة في الصناعة بمقدار 57 ألفاً، وزادت عمالة البناء بمقدار 24 ألفاً، وزادت عمالة الخدمات بمقدار 129 ألفاً. كما بلغ معدل العمالة غير المسجلة والذي يشير إلى حصة العمالة غير المنتسبة لمؤسسة الضمان الاجتماعي من إجمالي العمالة نحو 27.9 في المئة.
عجز ضخم في الميزانية
على صعيد آخر، سجل عجز ميزان المعاملات الجاري خلال أول 4 أشهر من العام الحالي، نحو 9.5 مليار دولار، وفق بيانات حديثة صادرة عن البنك المركزي التركي. وبلغ العجز خلال أبريل (نيسان) الماضي نحو 1.712 مليار دولار. كما سجلت عجزاً في ميزانها التجاري خلال هذه الفترة بقيمة 14.13 مليار دولار.
وخلال الشهر الماضي، قال البنك المركزي التركي، إن عجز ميزان المعاملات الجارية للبلاد زاد إلى 3.329 مليار دولار في مارس (آذار) الماضي، صعوداً من 2.585 مليار دولار في فبراير (شباط) السابق. وخلال العام الماضي، قال البنك المركزي التركي، إن ميزان المعاملات الجارية للبلاد سجل عجزاً بقيمة 36.72 مليار دولار. كما سجلت الميزانية عجزاً خلال مايو الماضي نحو 13.4 مليار ليرة (1.55 مليار دولار). وفي موازنة 2021، كان عجز الموازنة متوقعاً بمقدار 245 مليار ليرة (28.488 مليار دولار).