بات المجتمع المدني في تونس ملجأ المواطنين لطلب المساعدات من أجل محاربة الجائحة، فالهبة الخيرية من كل حدب وصوب بخصوص آلات التنفس والأكسجين غطت جزءاً من عجز الدولة أحياناً في تلبية حاجات المرضى لاسترجاع النفس.
صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، وأرقام لأشخاص وأطباء، ومواقع إلكترونية، كلها طرق لمحاولة إيجاد مكثف أكسجين من أجل مساعدة من ضاقت صدورهم، وأيضاً من ضاقت بهم السبل للظفر بمكان في المستشفى، فالغالبية في تونس تجمع على أن دور المجتمع المدني كان ولا يزال مفصلياً في محاربة الوباء، حتى أن البعض يرى أنه يسبق مجهود الدولة أحياناً، فحتى صيحة الفزع وطلب الاستغاثة من المجتمع الدولي صدرت من قبل مكونات هذا الطيف الناشط على أرض الميدان، فطالبوا رئيس الجمهورية قيس سعيد باستغلال صلاحياته الدبلوماسية بعد فشل الحكومة في جلب اللقاحات والمعدات الطبية لمحاولة لملمة الجراح فكان لهم ذلك، وحصلت تونس على مساعدات مهمة من دول شقيقة وصديقة لتحسين الأوضاع في الأسابيع القليلة المقبلة.
حالة حرب
يقول الفنان وأحد الناشطين في اللجنة المدنية لمجابهة فيروس كورونا، بيرم الكيلاني إن "الدولة للأسف وعلى رأسها رئاسة الحكومة تتصرف مع الوضع الوبائي الكارثي وكأننا في وضعية طبيعية ولسنا في حالة حرب"، وهذا ما جعلهم يتحركون بسرعة لتغطية النقص. ويواصل الكيلاني تعريفه لنشاطهم أنه "حراك مجتمعي يجمع أكثر من 400 جمعية في 24 محافظة، لتسيير الوضع في تونس بعد أن لاحظنا غياب الدولة وفشلها في تسيير الأزمة".
ويتابع "كان لنا دور كبير في مجابهة الوباء خصوصاً من الجانب الاتصالي مع المواطنين، فوضعنا على ذمة وزارة الصحة أهم المنصات الإلكترونية من أجل جمع التبرعات أو تقديم أهم المعلومات". لكن الكيلاني يتأسف اليوم لأنه لم تُستغل هذه المنصات الرقمية وسط شح المعلومات التي تقدم للمواطن.
ويوضح "حاولنا سد هذا النقص بتقسيم أنفسنا إلى فرق مختصة من أطباء وغيرهم لمساعدة المواطنين، أو توضيح استفساراتهم حول التلاقيح والعدوى وطرق الوقاية وكيفية إيجاد آلات تنفس"، نعمل اليوم للضغط على الحكومة من أجل ضرورة تلقيح الأطفال والطلبة، معللاً ذلك بأنه "لا يمكن لنا أن نحقق عودة مدرسية آمنة من دون تلقيح الجميع".
لكن الكيلاني يرى أن الدولة غائبة تماماً ولا وجود لاستراتيجية واضحة حتى الآن.
وفي سؤالنا عن مشروع الطوارئ الصحي الذي صادق عليه مجلس الوزراء، والذي ينتظر مصادقة البرلمان، قال الكيلاني بنوع من السخرية "لا أعتقد أن البرلمان يهمه ما يعيشه المواطن، فشغلهم الشاغل تعنيف بعضهم من أجل مصالح ضيقة، نحن لن ننتظر أي قانون يأتي بعد فوات الأوان".
يذكر أن مجلس الوزراء صادق على مشروع قانون الطوارئ الصحي الذي يمكن الحكومة من صلاحيات كبرى، في إطار ضبط الوضعية الصحية واتخاذ الإجراءات الاستثنائية بهدف التصدي لانتشار الوباء وحماية صحة الأشخاص وسلامتهم. إلا أن القانون لا يمكن أن يدخل حيز التنفيذ إلا بعد مصادقة مجلس النواب عليه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في سياق متصل، يقول رئيس لجنة الصحة بمجلس نواب الشعب العياشي الزمال إنه "على الرغم من تأخر القانون فإنه ما زال مهماً لأننا لا نعرف متى ينتهي هذا الوباء"، مضيفاً أنهم بصدد القيام بجلسات استماع لكل الأطراف المتداخلة، مرجحاً أن تكون المصادقة على هذا القانون ستتم في غضون أيام.
ويرى الزمال أن القانون مهم لأنه يمكن رئيس الحكومة التدخل مباشرة في أي موضوع يهم انتشار الوباء ومحاربته من دون أي تعقيدات وإجراءات بيروقراطية.
ملء الفراغ
من جهتها، تقول الصحافية، كريمة دغراش، "إن المجتمع المدني في تونس أثبت خلال السنوات العشر الأخيرة أنه مكون مهم من مكونات المشهد العام"، مواصلة "نستطيع القول إنه في حالات عديدة حل محل الدولة وعوض غيابها من خلال رؤى استشرافية وقدرة على الفعل تتحدى العوائق المادية أو الجغرافية أو الاجتماعية، ما أعطى انطباعاً في حالات كثيرة بأنه وهو المفترض أن يكون دوره مكملاً أو مساعداً لدور الدولة صار متقدماً عليها".
وتضيف دغراش "الأكيد مثلاً أن ما قام ويقوم به المجتمع المدني اليوم في مكافحة جائحة كورونا مثال جيد على هذا التفوق، على الرغم من أن المجال من المفترض أنه ليس مجالاً للمنافسة".
وتُرجع دغراش تفوق المجتمع المدني في تونس إلى عدة عوامل، جعلت منه متقدماً على الدولة في مواضع عديدة، أولها أن وجود وقدرة الجمعيات والمنظمات على الفعل والتغيير صارت ثقافة مجتمعية لدى التونسيين، وهذا ترسخ بعد نضال أجيال متعاقبة طيلة عقود.
لكن على الرغم من تقدم المجتمع المدني وتفوقه على الدولة وعلى الرغم من إيجابياته الكثيرة فتعتقد دغراش أنه "من المفترض أن الدولة هي المسؤولة أولاً وأخيراً عن رعاية شؤون مواطنيها وغير مسموح للدولة القوية أن تترك فراغاً يملؤه مجتمع موازٍ".