في وضع يدعو إلى العجب ارتفع عدد الجزائريين الراغبين في شراء منازل بإسبانيا أمام تباطؤ الطلب الأجنبي لأول مرة هذه السنة، بسبب ظروف جائحة كورونا والإغلاق التام الذي فرضته السلطات الإسبانية لمنع تفشي الفيروس، الأمر الذي دفع إلى التساؤل حول أسباب هذا الاهتمام.
وأورد تقرير إسباني حول سوق العقار خلال السداسي الأول من السنة الجارية، أنه بلغت مبيعات العقارات للأجانب، في نحو 8254 عملية بيع، مقارنة مع 16833 في الفترة نفسها من 2019، بانخفاض بلغ عشرة في المئة، غير أن عدد الجزائريين الراغبين في شراء المنازل بإسبانيا ارتفع بشكل لافت، كما أشار إلى أن معظم المشترين الأجانب للعقارات خلال هذه الفترة من جنسيات بريطانية تليها الفرنسية ثم الألمانية، والمغربية، والجزائرية.
وأضاف التقرير أنه منذ موافقة إسبانيا على قانون رجال الأعمال، الذي من خلاله يمكن الحصول على "الفيزا الذهبية" أو أوراق الإقامة عن طريق شراء منزل أو عدة منازل، ارتفع رقم معاملات الجزائريين الذين اقتنوا عقارات بإسبانيا، بنسبة 13 في المئة، على الرغم من الأزمة الاقتصادية الناتجة عن فيروس كورونا المستجد، إذ احتل الجزائريون المرتبة الثامنة بعد الصينيين والألمان والدنماركيين والإيطاليين والمغاربة والبلجيكيين، مذكراً أنه سجل في عام 2019 اقتناء الجزائريين ما نسبته 15 في المئة من أصل 8000 عقار اشتُري من طرف الأجانب.
قانون الصرف الجزائري
وعلى الرغم من أن قانون الصرف الجزائري يمنع شراء عقارات خارج البلاد على كل من له موطن ضريبي في الجزائر، فإن هذا التهافت على اقتناء عقارات في إسبانيا، لا سيما أن العالم يعيش وضعاً اقتصادياً ومالياً صعباً بسبب الأزمة الصحية، يثير الكثير من التساؤلات.
ووفق ما ينص عليه القانون الجزائري فإنه يواجه كل من امتلك عقاراً أو موجودات خارج البلاد بشكل غير قانوني، غرامات كبيرة جداً منصوصاً عليها في جرائم الصرف، كما يفتح المجال أمام إحالة الملف إلى القضاء لتحريك المتابعة، وقد تصل العقوبات إلى خمس سنوات.
وفي تفسير للظاهرة، يرى أستاذ الاقتصاد، عبد الله أحمد، أن أزمة العقار التي تعيشها إسبانيا منذ سنوات، إضافة إلى تفشي فيروس كورونا في العالم، جعلا الأسعار تتهاوى إلى مستويات باتت في متناول أصغر التجار الجزائريين، وتتراوح بين 20 ألف يورو وما فوق، وقال إن التسهيلات التي تقدمها السلطات الإسبانية مثل منح وثائق الإقامة، وتبسيط الإجراءات الإدارية المتعلقة بالبيع والشراء، كلها نقاط استقطبت اهتمام الجزائريين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستبعد أحمد أن يكون التهافت مرتبطاً باستثمار في أزمة العقار التي تشهدها إسبانيا من أجل إعادة البيع بعد ارتفاع الأسعار، وإنما الأمر له ارتباط بتدهور المستوى المعيشي في الجزائر، وتوسع دائرة المشاكل، مثل غياب المياه عن الحنفيات، وتهاوي القدرة الشرائية، وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، وتفشي البطالة، وعودة بعض ممارسات النظام السابق، مثل المحسوبية والجهوية والبيروقراطية، مبرزاً أن الراغبين في إعادة البيع لن يتمكنوا من ذلك إلا بعد مرور خمس سنوات وفق ما ينص عليه القانون الإسباني.
أموال مكدسة
وسبق أن كشفت تقارير إعلامية إسبانية عن ارتفاع الأموال الجزائرية المكدسة في البنوك الإسبانية بنسبة 20 في المئة بين منتصف 2017 وحدود ديسمبر (كانون الثاني) 2019، وقالت إن مدن الجنوب الإسباني حلت في الرتبة الأولى من جهة استقطاب رؤوس الأموال المهربة من الجزائر، فيما احتلت برشلونة وجزر الباليار، الصف الثاني.
كما أحصت السلطات القضائية في إطار مكافحة الفساد، نحو 490 مليون يورو بين ممتلكات وعقارات جزائريين في إسبانيا، الأمر الذي سمح بوضع قائمة "سوداء" بأسماء رجال أعمال وتجار وسياسيين استطاعوا في السنوات الأخيرة من نقل عائدات أنشطتهم إلى إسبانيا وضخها في مصارف تضمن السرية، إضافة إلى اقتناء عقارات ضخمة في الجنوب الإسباني مثل مورسيا، وملقة، وماربيا، وغرناطة.
في المقابل، كشف موقع "ديلي ميل" البريطاني أن "الناس يتهافتون على شراء القرى والعقارات الإسبانية التي تركها أصحابها أثناء الركود للتوجه إلى المدينة، بهدف البحث عن العمل"، وتحدث عن هجوم على شراء هذه العقارات المهجورة في إسبانيا، بعد أن بلغت قيمة العقار نحو 100 ألف دولار، مشيراً إلى أن ثلث المشترين بريطانيون، بسبب سعرها الذي لا يتعدى سعر شقة صغيرة وسط لندن، وأبرز أن إسبانيا من أكثر الدول تضرراً من الأزمة الاقتصادية، إذ ارتفع معدل البطالة فيها 20 في المئة ليصل العدد اليوم إلى خمسة ملايين عاطل من العمل.
وفي السياق ذاته، تمكنت مصالح الجمارك الجزائرية من إحباط محاولة تهريب مبالغ كبيرة بعملتي اليورو والدولار، بمطار الجزائر العاصمة الدولي، إذ قدرت الأموال المحجوزة بـ570 ألف يورو، و101 ألف دولار، وأوضحت أن المبالغ كانت بحوزة مسافر جزائري متجه إلى مدينة برشلونة، التي تعرف إلى جانب الوجهة التركية، إجراءات رقابية مشددة على المسافرين المتوجهين إليها، كونها من الوجهات المفضلة لدى المهربين.
كما أُحبطت محاولة تهريب مبلغ من العملة الصعبة يقدر بأكثر من 32 ألف يورو، كان بحوزة مسافرة بصدد المغادرة نحو تركيا، إضافة إلى إفشال عملية تهريب نحو 268 ألف يورو، على الحدود بين الجزائر وتونس. كما تمكنت فرقة تفتيش المسافرين للجمارك التونسية من توقيف جزائري بحوزته 740 ألف دولار، حاول تهريبها إلى الأراضي التونسية.
ومن أجل مواجهة الظاهرة، اتخذت وزارة المالية إجراءات لمنع تهريب الأموال إلى الخارج، وقالت إنه حرصاً على تعزيز اليقظة في مجال التعاملات مع الخارج، استُحدثت لجنة مهمتها متابعة ومراقبة عمليات تحويل الأموال إلى الخارج، وتتمثل مهمتها في التحقق من أن عمليات تحويل الأموال بالعملة الصعبة من قبل البنوك، بصفتها وسيطاً معتمداً، تُنفذ في ظل الاحترام الصارم للتنظيم المتعلق بالصرف المعتمد من قبل بنك الجزائر.