تدرس إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إمكانية إنشاء خط ساخن للطوارئ مع الحكومة الصينية على غرار ما يسمى بـ"الهاتف الأحمر"، الذي تم إنشاؤه بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة. وقد سمح بالاتصال المباشر مع الكرملين باعتباره طريقة لتجنب حرب نووية.
وأفاد مسؤول أميركي ومصدر آخر مطلع على المحادثات تحدثا لشبكة "سي. أن. أن" الأميركية، الخميس 15 يوليو (تموز)، بأنه في حين أن الاقتراح ما زال في مهده ولم يُطرح رسمياً بعد على الصينيين، فإن إدارة بايدن تريد تطوير أداة اتصال سريعة يمكن دمجها في جهد أوسع لتقليل مخاطر الصراع بين الولايات المتحدة والصين.
"الخط الساخن"
وأوضحت المصادر أن الخط الساخن بين واشنطن وبكين سيسمح للرئيس الأميركي، أو كبار المسؤولين في فريق الأمن القومي التابع له، بإرسال مكالمات هاتفية أو رسائل مشفرة إلى الرئيس الصيني شي جينبينغ. وعلى سبيل المثال، يمكن مشاركة المعلومات العاجلة حول التحركات العسكرية المفاجئة أو رسائل التحذير الخاصة بالاختراقات الإلكترونية.
وتعود فكرة إنشاء خط ساخن مع بكين إلى إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، على الأقل، على الرغم من أن المفهوم لم يُدون في مذكرة سرية للأمن القومي حتى العام الأخير لإدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، وفقاً لمصدر مطلع على المذكرة. وتشير المصادر إلى أن مسؤولي إدارة بايدن واصلوا متابعة الفكرة، لكن لا يزال هناك العديد من التفاصيل التي يجب العمل عليها، بما في ذلك إذا ما كان الصينيون سيوافقون حتى على الجهاز.
وجرت مناقشة فكرة ربط البيت الأبيض وبكين لسنوات، بشكل فضفاض، لكن التنفيذ بدا دائماً بعيد المنال. وقال مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون للشبكة الأميركية إنه لطالما كانت هناك مشاكل في تأمين استجابات سريعة من بكين عندما يتعلق الأمر بالمسائل العاجلة، فطبيعة النظام السياسي الصيني من أعلى إلى أسفل تعني أن معظم الاتصالات التي تتجاوز المشاركة على مستوى القادة، لا يُلتفت إليها.
ويوجد بالفعل خط ساخن للصين في "البنتاغون" مشابه لذلك المقترح، من المفترض استخدامه حصراً في الأمور العسكرية، ولكن نادراً ما يُستخدم، وهو ما أشار إليه كبير منسقي مجلس الأمن القومي لشؤون المحيط الهندي والهادي، كورت كامبل، في تعليقات سابقة، قائلاً "لدينا بالفعل خط ساخن".
وقال المنسق السابق لوزارة الخارجية لقضايا الإنترنت في عهد إدارة أوباما، كريس بينتر، "ناقشنا فكرة نظام الرسائل الإلكترونية مع المسؤولين الصينيين خلال إدارة أوباما. وقد طُرحت في سياق مناقشاتنا الإلكترونية، لكننا لم نحرز تقدماً كبيراً. ولم يكن من الواضح أين سيُوضع في الصين، كما أن الصين ليس لديها تاريخ إجراءات بناء الثقة نفسه مع الولايات المتحدة مثل روسيا، لذلك نظروا إلى الأمر بطريقة مشبوهة". وأضاف "لكن، أعتقد أنهم الآن يفهمون المزيد حول كيفية استخدامها... إنها توفر أداة مفيدة".
مخاوف متزايدة
وتشير الشبكة الأميركية إلى أن المشكلات المتعلقة بالنظام الحالي المقترنة بالسلوك العسكري الهجومي المتزايد من قبل الصين، أدت إلى تصاعد المخاوف بين مسؤولي الأمن القومي الأميركيين في شأن احتمالية سوء التقدير مع بكين، والشعور بضرورة بذل مزيد لزيادة التواصل.
وقال مساعد وزير الخارجية السابق، داني راسل، إن "هناك نقصاً مقلقاً في أدوات إدارة الحوادث في العلاقة بين الولايات المتحدة والصين. ومن المُلح أن تتبع الحكومة الأميركية خطوط اتصال تسمح لها بالتعامل مع أزمة ما أو لمنع حدوث أزمة. نحن بحاجة إلى مشغل 911 (خدمة استدعاء طوارئ أميركية)". وأضاف أنه من الضروري التفكير في الأدوات "التي يمكن دمجها في استراتيجية اتصال أوسع للأزمات، مع التركيز على الحد من المخاطر على نطاق واسع".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتقول "سي. أن. أن" إن مسؤولاً كبيراً في الإدارة الأميركية رفض مناقشة ما يتعلق بجهاز التواصل عندما سُئل عنه، لكنه قال إنه "بشكل عام، بالطبع لدينا مصلحة في ضمان إدارة المنافسة مع الصين بطريقة مسؤولة. لقد أوضحنا أن هذه العلاقة ستُحدد من خلال المنافسة ونرحب بهذه المنافسة الشديدة، لكننا سنواصل العمل لضمان عدم تحول هذه المنافسة إلى صراع".
وكشفت مصادر أخرى أن المسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية ومجلس الأمن القومي لا يزالون يعملون على كيفية عمل الجهاز من الناحية الفنية. وستكون الخطوة التالية هي تطوير المفهوم العام والعمل به ضمن خطة إدارة بايدن للمشاركة مع الصين. بعد ذلك، سيحتاج الأمر إلى موافقة من البيت الأبيض ومن المسؤولين الصينيين قبل تنفيذه.
في المقابل، وفي إفادة صحافية، الخميس، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، تشاو ليغيان، إن بلاده والولايات المتحدة لديهما العديد من الخطوط الساخنة منذ فترة طويلة، على مستوى الرؤساء ووزارات الخارجية والدفاع وغيرها من الإدارات، مشيراً إلى أن هذه الخطوط الطارئة لعبت دوراً مهماً لسنوات.
"كوفيد-19"
ويرى مراقبون أن فعالية الخط الساخن الجديد مع الصين ستعتمد بشكل كبير على التزام بكين استخدامه ووضعه في وضع يتيح للرئيس شي الوصول إليه بشكل منتظم. وقال مسؤولون أميركيون إن "هناك تحديات عندما يتعلق الأمر بالوصول إلى المسؤولين الصينيين في الأوقات الصعبة. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الطريقة التي يعمل بها نظامهم من أعلى إلى أسفل. خلال الأيام الأولى لتفشي وباء كوفيد-19 (كورونا)، لم نحصل في كثير من الأحيان على أي رد على الأسئلة الحرجة".
وبشكل عام، قالت إدارة بايدن إنها تخطط للإبقاء على خطوط اتصال مفتوحة مع الصين، على الرغم من أن العلاقات المبكرة كانت متوترة. وخلال اللقاء المباشر الأول بين إدارة بايدن ومسؤولين صينيين في وقت سابق من العام الجاري، تبادل الجانبان انتقادات دبلوماسية لاذعة نادراً ما تُرى أمام الكاميرات، وأنهى الجانبان لقاءهما من دون تحديد مواعيد اجتماعات متابعة أو تشكيل أي مجموعات عمل.
ويعتقد راسل أن إدارة بايدن قامت أولاً ببعض التفكير الجاد في ما يريدون حقاً متابعته وكيف يتوقعون إحراز تقدم في التعامل مع الصين. ويقول "لقد كانوا حذرين وأذكياء كي لا يندفعوا قبل الأوان إلى المشاركة الكاملة مع الصين".
لكن مسؤولين أميركيين سابقين يعتقدون أن مجرد إنشاء خط ساخن جديد لن يكون كافياً. إذ يرى المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية الذي عمل في الصين خلال إدارة ترمب، ديفيد فيث، أن "الحد من المخاطر الاستراتيجية يمكن أن يكون جيداً، ولكن إلى حد ما... القضية المركزية هي أن بكين (معادية)، وذات قدرة عالية، لذلك يجب على الولايات المتحدة أن تنظم نفسها للدفاع والضغط". وأضاف "في حين أن إنشاء خط هاتف يمكن أن يكون مفيداً، يجب ألا نغوص كثيراً فيه".