جاء إبراهيم رئيسي، القاضي المتشدد والمدرج ضمن قوائم الشخصيات الإيرانية المفروضة عليها عقوبات أميركية بسبب حقوق الإنسان، رئيساً لإيران بعد حسن روحاني. المفارقة أنه ربما لن يكون هناك تغيير بين الرئيسين في ما يخص الوضع الداخلي من جهة الحقوق والحريات، ربما أيضاً ورث الأول عن الأخير السخط الشعبي من النظام السياسي الإيراني ورموزه، ولن تكون الاحتجاجات التي جرت في عهد روحاني آخر المظاهرات المعبرة عن عدم رضا الشعب عن أداء الحكومة والمرشد، بل ستستمر. ولكن سيكون رد النظام عليها أقوى وسيبرر رئيسي التعامل القمعي معها. أما على مستوى السياسة الخارجية، فلن تتغير أهدافها ومضمونها، لكنها ستتسم بمزيد من تصعيد الخطاب العدائي ضد الولايات المتحدة وإسرائيل.
ونظراً لكون الرئيس الإيراني أشبه بمنصب رئيس الوزراء، فلن يكون صانع القرار في السياسة الخارجية، بل تعد من مهام أطراف أخرى في مقدمها المجلس الأعلى للأمن القومي، وهو الجهة المنوط بها تنسيق وتيسير عملية صنع القرارات بشأن الأمن والسياسة الخارجية وفقاً للدستور، حيث يمثل المجلس تطويراً لـ"مجلس الدفاع الأعلى الوطني" في دستور 1979، وبعد تعديل الدستور عام 1989 نصت المادة (176) منه على صلاحيات "المجلس الأعلى للأمن القومي"ن وتمثلت في:
- تعيين السياسات الدفاعية والأمنية للبلاد في إطار السياسات العامة التي يحددها القائد.
- تنسيق برامج الدولة في المجالات المتعلقة بالسياسة وجمع تقارير الاستخبارات، وتطوير الأنشطة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية ذات العلاقة بالخطط (الدفاعية – الأمنية).
- الاستفادة من الموارد المادية والفكرية لإيران لمواجهة التهديدات.
- يتولى رئيس الجمهورية رئاسة المجلس الأعلى للأمن القومي، وتتألف عضويته مما يلي: رؤساء السلطات الثلاث، ورئيس هيئة أركان القيادة العامة للقوات المسلحة، ومسؤول شؤون التخطيط والميزانية، وممثلان عن المرشد الأعلى، ووزراء الخارجية والأمن والداخلية، والوزير المتخصص بالقضية محل النقاش، وأعلى مسؤولين في الجيش والحرس الثوري.
أي يتم اتخاذ القرارات الرئيسة داخل المجلس الأعلى للأمن القومي، الذي يرأسه الرئيس، ويوافق عليها خامنئي، الذي له الكلمة النهائية في البلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي عهد رئيسي سيزداد الانسجام بين الرئيس وحكومته والبرلمان ومجلس الأمن القومي، الأمر الذي يعزز التوافق في ما يخص الملفات الإقليمية والدولية. وقد حرص النظام الإيراني دائماً على توظيف منصب رئيس الجمهورية كواجهة عاكسة لما يريد النظام تمريره من رسائل للخارج. ففي حين كان المرشد الأعلى يتبع النهج الثوري، واعتمد خطابات دائماً ما تعظّم الاسترشاد في المقام الأول بالاعتبارات الأيديولوجية، إلا أنه في ذات الوقت كان يسمح لخطابات رؤساء الجمهورية ووزراء الخارجية أن يكون لها التأثير في التصورات الخارجية والمحلية تجاه سياسة إيران الداخلية والخارجية.
على سبيل المثال، كان الرئيس الإيراني حسن روحاني يتمتع بتصدير صورة تتسم بالتعاون والانفتاح والواقعية للمجتمع الدولي، ويسانده في ذلك وزير الخارجية جواد ظريف. أما خلال ولاية رئيسي ستستمر إيران في تكثيف توظيف الأيديولوجيا والأفكار والثورية في تصريحاته هو وحكومته، أي ستزداد نبرة طهران تجاه الغرب، على الرغم من أنها ستستمر في السعي للتوصل إلى اتفاق لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015. ومن ثم ليس من المتوقع أن تتغير سياسات طهران النووية، من الممكن القول إن أداء رئيسي سيشبه فترة أحمدي نجاد الأولى التي كان على توافق تام خلالها مع المرشد الإيراني، أي من المرجح أن يتماهى رئيسي بالكامل مع خامنئي، ومن المرجح أن يستمع أيضاً عن كثب إلى الحرس الثوري.
سبق ووضح رئيسي خلال مناظرة رئاسية أنه في حال انتخابه سينفذ خطة العمل الشاملة المشتركة، التي وعد الرئيس الأميركي جو بايدن بالانضمام إليها إذا عادت إيران إلى الامتثال الكامل، لذا لن يخرب إبراهيم رئيسي أو التيار المتشدد مفاوضات الاتفاق النووي، لأنه سيجني فوائده إذا تم التوصل إلى اتفاق بحلول أغسطس (آب)، عندما يترك روحاني منصبه. ونظراً لسيطرة الحرس الثوري على الاقتصاد الإيراني، فلن يسمح بالانفتاح على الغرب على النحو الذي يشجع الاستثمارات الأجنبية وعقد شراكات على الطريقة التي اتبعها الرئيس حسن روحاني عشية التوصل للاتفاق عام 2015.
وبالنسبة إلى مستوى العلاقات الإقليمية، وبالأخص دول الخليج العربي، يرى رئيسي أن العلاقات التجارية الإقليمية لإيران هي سلاسل إمداد اقتصادية مهمة. وأوضح من قبل أن "العلاقات مع الغرب والشرق يجب ألا تكون أولوية للحكومة المستقبلية، بل خطوة براغماتية للحفاظ على المصلحة الوطنية". وفي ظل إجراء مفاوضات مع السعودية، فإنه من المرجح أن يقوم في خطوة تالية بطرح تصور للتعاون والأمن الإقليمي على غرار المشروعات التى طرحها سابقوه، وآخرها مبادرة هرمز للسلام التي طرحها روحاني. أما العلاقات مع الصين، بالطبع سيستمر في تعميقها، وتفعيل نصوص اتفاقية التعاون الأخيرة بينهما لمدة 25 عاماً. الأمر الذي ينذر بنمط مستمر من العداء للولايات المتحدة وإسرائيل في جميع المؤسسات من الرئاسة للحرس الثورى للبرلمان، وسيطرة الحرس الثوري على الاقتصاد والقمع الداخلي، تتخللها لحظات من البراغماتية مع استمرار التوظيف الأيديولوجي.