تتواصل المصاعب الاقتصادية لتونس بدخولها في حلقة مفرغة من الإشكاليات المتتالية، ستزيد من تعقيد وضعها المالي والاقتصادي من خلال تعمق ميزانها التجاري خلال النصف الأول من العام الحالي، إذ لا يكفي أن تعرف البلاد حالياً أعمق أزمة اقتصادية ومالية في تاريخها منذ الاستقلال 1956، تجسدت بتحقيق نسب نمو سلبي للناتج المحلي الداخلي بـ 3 في المئة خلال الربع الأول من هذه العام، وازدياد البطالة إلى مستوى 17.8 في المئة في الأشهر الثلاثة الأولى من 2021، حتى تُضاف صعوبات جديدة ترجمت بتواصل تعمق الميزان التجاري للبلاد وتعطل أهم رافعات النمو وأساسات التصدير.
تعمق العجز
ووفق أحدث المؤشرات التي نشرها المعهد الوطني للإحصاء (حكومي)، واصل العجز التجاري لتونس تعمقه ليبلغ مع النصف الأول من هذه السنة ما قيمته 2691.6 مليون دولار مقابل 2358.1 مليون دولار في الفترة ذاتها من العام الفائت.
وبلغت قيمة الصادرات التونسية الى نهاية يونيو من هذا العام 8152 مليون دولار مقابل 6497.3 مليون دولار في الفترة ذاتها من العام الماضي بتطور بنسبة 25.5 في المئة، بينما زادت الواردات بقيمة 10843.5 مليون دولار مقابل 8855.5 مليون دولار في النصف الأول من العام الماضي بتطور بنسبة 22.4 في المئة.
وأكد معهد الإحصاء أن نسبة تغطية الواردات بالصادرات تحسنت، لتصل الى 75.2 في المئة، خلال السداسي الأول من عام 2021، مقابل 73.4 في المئة في الفترة ذاتها من العام الفائت.
الميزان التجاري الغذائي يتفاقم بدوره
على صعيد آخر، سجل الميزان التجاري الغذائي، خلال السداسي الأول من العام الحالي، عجزاً بقيمة 288 مليون دولار مقابل عجز بقيمة 137 مليون دولار خلال الفترة ذاتها من عام 2020، نتيجة ازدياد واردات الحبوب وتراجع صادرات زيت الزيتون، بحسب معطيات نشرها المرصد الوطني الفلاحي (حكومي).
وأظهرت المعطيات ذاتها أن نسق الصادرات الغذائية انخفض بما يعادل 10.2 في المئة، لتصبح بقيمة 869.3 مليون دولار مقابل 775.2 مليون دولار في الفترة عينها من العام المنصرم، في حين تطور نسق الورادات الغذائية بنسبة 13.8 في المئة لترتفع إلى 1157.1 مليون دولار مقابل 1026.6 مليون دولار في الفترة ذاتها المذكورة آنفاً.
وتراجعت، تبعاً لذلك، نسبة التغطية إلى 75.1 في المئة، في يونيو 2021، مقابل 95.2 في المئة في الفترة ذاتها من عام 2020.
يذكر أن الصادرات الغذائية تمثل زهاء 10.7 في المئة من إجمالي صادرات البلاد وكذلك النسبة ذاتها للواردات، من إجمالي واردات البلاد، بحسب المرصد.
زيادة واردات الحبوب
وبيّن المرصد الوطني للفلاحة أن نسق واردات الحبوب زاد بحوالى 21 في المئة، مع الإشارة إلى أن إنتاج الحبوب في تونس لهذا العام قُدّر بنحو 1.6 مليون طن وأن حاجاتها من الحبوب (القمح اللين والقمح الصلب والشعير) تقدّر سنوياً بحوالى 3 ملايين طن.
هذا وانخفضت مبيعات البلاد من زيت الزيتون بنسبة تقارب 27 في المئة، علاوة على تدنّي سعر هذه المادة خلال شهر يونيو 2021، بعد ارتفاع مهم خلال الشهر الذي سبقه.
ويذكر أن صادرات زيت الزيتون تمثل نحو 40.8 في المئة من إجمالي الصادرات الغذائية، تليها التمور بنسبة 16.4 في المئة ثم منتوجات الصيد البحري بحوالى 10 في المئة.
ولفت المرصد الوطني للفلاحة إلى أن أسعار الحبوب عند التوريد عرفت ارتفاعاً بلغ 11.4 في المئة للقمح الصلب، و20.1 في المئة للقمح اللين وبما يعادل 23.3 في المئة للشعير و44.1 في المئة للذرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الوضع السياسي من أهم الأسباب
وتعليقاً على هذه المؤشرات، فسّر معز الجودي، المحلل الاقتصادي أن العجز التجاري للسلع هو ناتج من العجز المسجل مع بعض البلدان على غرار الصين الشعبية وتركيا وروسيا والجزائر.
وأوضح أن من أهم أسباب هذا العجز صعوبة الوضع السياسي وضعف محصولَي الزيتون والحبوب لهذا العام وتقلص النشاط الاقتصادي، ما جعل النتائج الاقتصادية غير جيدة، مبيّناً أن هذه الوضعية انعكست جلياً على نسبة النمو المسجلة في الربع الأول من هذا العام بتسجيل انكماش في النمو بلغ 3 في المئة.
ويشار إلى أن حكومة هشام المشيشي تسعى إلى تحقيق نسبة نمو للعام الحالي بحدود 4 في المئة.
وأضاف الجودي أن نقص التصدير والتوريد على غرار توريد المعدات والمواد الأولية والنصف مصنعة، وتقلص وانكماش حجم الاقتصاد خلال عام 2020، تُعدّ من أهم أسباب العجز التجاري الغذائي، مرجحاً أن يكون عام 2021 عاماً صعباً، وفق تقديره.
ودعا الحكومة إلى ضرورة الاعتناء بالقطاع الفلاحي من خلال توفير المواد الضرورية والبذور والفوسفات، وتحسين ظروف صغار ومتوسطي الفلاحين، وتمكينهم من قروض ميسرة ليكون باستطاعتهم الدخول في المنافسة العالمية من أجل رفع حجم الإنتاج، إلى جانب تشجيع المستثمرين على تسويق المنتوج التونسي وترشيد التوريد.
وشدد في هذا الجانب على إمكانية الدولة توفير ما يقارب 2500 مليون دولار في حال استغنائها عن توريد منتوجات، قال إنها أضحت تُعدّ من الكماليات وتزيد من تفاقم عجز الميزان التجاري التونسي.
العجز التجاري يضاعف من انهيار العملة
من جهته، قال عز الدين سعيدان، المحلل الاقتصادي إن العجز المسجّل يعتبر أحد أهم أسباب ومصادر انهيار الدينار التونسي، ومن أهم أسباب تدنّي الاحتياطي من العملة الأجنبية، وإنه يغذّي التضخم المالي الذي تعرفه البلاد.
وأشار إلى أن العجز التجاري يتفاقم من عام إلى آخر بالنسبة إلى الدول ذاتها تقريباً ومنها الصين، متحدثاً عن حجم العجز في ظل عدم وجود محاولات لترجيح الكفة على شاكلة إقامة استثمارات صينية في تونس أو بضمانات في قروض.
وأضاف أن العجز التجاري مع تركيا بلغ مستويات مهمة، ملاحظاً أن القاسم المشترك بين واردات تونس من البلدين أنها تركّز على مواد استهلاك ثانوية.
وخلص بالتأكيد على أهمية استرجاع أهم رافعات نمو الاقتصاد التونسي، لا سيما استعادة نسق تصدير الفوسفات إلى ما قبل 2011 والعمل على تنويع الأسواق الخارجية، بخاصة المراهنة على السوق الأفريقية التي أضحت سوقاً واعدة ومحل اهتمام كبرى الاقتصاديات العالمية، وأن الدول الأفريقية بحاجة إلى منتوجات تونسية عدة، لا سيما المنتوجات الغذائية على غرار زيت الزيتون والمعجنات الغذائية.