"الصحة" تحذر من التزاور، و"الأوقاف" تحدد أماكن الصلاة، والطب البيطري يحذر من الذبح العشوائي، ووزارة السياحة تشدد على الحدود القصوى لأعداد النزلاء والمنع التام للحفلات في الأماكن المغلقة، ومترو الأنفاق يعلن الطوارئ والاحتراز، والمحافظون يصدرون اللوائح لمتابعة ومراقبة الشواطئ لمنع تكدس المصطافين خلال أيام العيد، وهيئة الإسعاف تعلن أرقام الاستغاثة ووسائل الاتصال ومناشدات الصحة والأمان، لكن غالبية المصريين تمضي قدماً في الاحتفال والاحتفاء بالعيد رافعة شعار "الاحتفال كالمعتاد"، فلا كورونا في الحسبان ولا فيروس على البال.
الأعداد الرسمية المعلنة من قبل وزارة الصحة والسكان تشير إلى انخفاض معدل الإصابات ومعها الوفيات (الإصابات اليومية 77 والوفيات ستة والموجة الثالثة إلى انحسار)، مع تداول الجميع تصريح مستشار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لشؤون الصحة، محمد عوض تاج الدين، بأن مصر تجاوزت ذروة الموجة الثالثة للوباء.
أمنيات العيد
أمنيات العيد هذا العام في مصر شملت انتهاء الوباء وتوقف الموجات. لكن وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا بالعلم والمتابعة والتوقعات المبنية على واقع. المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، أحمد المنظري قال، قبل أيام، "إن دول الإقليم تشهد تزايداً في حالات الإصابة بكوفيد-19، وذلك بعد شهرين من الانخفاض المطرد". وعبر المنظري عن قلق المنظمة إزاء حدوث ارتفاع حاد في حالات الإصابة خلال أشهر الصيف بسبب التحورات المثيرة للقلق وزيادة السفر الدولي، بالإضافة إلى انخفاض مستوى حماية الأشخاص لضعف الإقبال على اللقاح وعدم الالتزام بتدابير الوقاية بالقدر الكافي.
قرار الحكومة المصرية بأن تبدأ إجازة عيد الأضحى من 17 إلى 24 يوليو (تموز) الحالي فتح أبواب السفر الجماعي وترحال الأسر الممتدة للمدن الشاطئية والمصايف الشعبية ومنتجعات البحرين الأحمر والمتوسط. وعلى الرغم من تحذيرات التلاصق ومناشدات التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات لا سيما في الأماكن المغلقة، فإن المشهد العام يشير إلى سيارات وميكروباصات متخمة بركابها السعداء بالعيد والإجازة والتكدس مع بقية أفراد العائلة والأصدقاء.
فرحة الإجازة
الفرحة بالإجازة الطويلة شملت الجميع هذا العام. أغلب المحتفلين الذين اعتادوا السفر إلى دول أوروبية أو آسيوية أو عربية في أيام الأعياد يكتفون بمنتجعات الساحل الشمالي وجنوب سيناء هذا العام، خوفاً من قوائم السفر الحمراء هنا، وتعديل إجراءات الحظر والحجر والعزل هناك. والمحتفلون المنتمون لمنتصف الهرم الطبقي وقاعدته العريضة جداً سيلتقون حتماً في شاطئ عام هنا أو في فندق قدم عرض العيد اللافت هناك. وتبقى بضعة ملايين باقية على عهد "العودة للبلد"، حيث الاحتفال بالعيد مع الأهل في القرية أو الأقارب في مسقط الرأس. والمحصلة النهائية لكل ما سبق هو عيد احتفالي سمته التلاقي والتقارب وعنوانه نحتفل ونحتفي رغم أنف كورونا.
الأنوف الظاهرة نهاراً جهاراً رغم أنف الوباء وقرارات ارتداء الكمامات أكثر بكثير من تلك الكامنة خلف الكمامات. قبل ساعات أعلنت وزارة الداخلية ضبط عشرة آلاف و964 شخصاً لعدم ارتدائهم الكمامات. الخبر المنشور في الصحف والمواقع مصحوب بـ"صورة أرشيفية" لضابط يرتدي كمامة في باص نقل عام فيه أربعة مواطنين بأربع كمامات. لكن بين الأرشيف والشارع في أيام العيد هوة سحيقة. الأقلية فقط ترتدي الكمامات، وبعضهم ممن يخشى مغبة التوقيف في لجنة هنا أو المرور من كمين شرطي هناك يدسها أسفل ذقنه، والغالبية من دون.
خروف العيد
ومن دون الخروف لا يستوي العيد، ولذلك فإن الأجواء مليئة بأحاديث الخرفان. فبين تصريحات رسمية بوجوب الذبح في الأماكن المخصصة لذلك وتطبيق العقوبات على المخالف، وتحذيرات أطباء الجهاز الهضمي من الإسراف في أكل اللحم الضأن والفتة والرقاق وغيرها من أطعمة عيد الأضحى الكلاسيكية الملغمة بالدهون والمعبأة بالسعرات، وتوجيهات لعيد آمن خالٍ من صداع اختيار الخروف والتحايل على القانون من أجل الذبح على باب البيت وذلك عبر خيار الصكوك، لا صوت يعلو على صوت الخروف.
رئيس الإدارة المركزية للمجازر والصحة العامة في وزارة الزراعة المصرية، أيمن محروس، قال في تصريحات صحافية، "إنه أُتيحت خدمة ذبح الأضاحي للمواطنين في المجازر الحكومية منعاً للذبح خارجها، وحفاظاً على الصحة العامة وسلامة اللحوم والبيئة، مع اتخاذ الإجراءات الاحترازية الخاصة بمواجهة فيروس كورونا".
لكن العين المجردة تقول إن النية مبيتة للذبح المعتاد، على الأقل في الشوارع الجانبية. استطلاع للرأي أجراه موقع "اليوم السابع" المصري أوضح، "أن 65 في المئة ممن شملهم الاستطلاع يوافقون على تغليظ عقوبة ذبح الأضاحي في الشوارع، في حين عارض 35 في المئة"، وهو ما يعني أن نسبة غير قليلة من المصريين ما زالت تفضل الذبح في الشوارع.
العين المجردة كذلك تشير إلى أن قواعد الأنظمة الصحية المنخفضة الدهون أو المحدودة السعرات في طريقها إلى الانهيار الكامل، وذلك في ظل كميات رهيبة من الزبد والسمن والمعجنات واللحوم والأرز. حتى محال الحلويات طرحت أشكالاً وأنواعاً لا حصر لها من الكعك المخبوز وقوالب الشوكولاتة على شكل خروف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
السينما تنتعش
وعلى الرغم من استمرار الوباء ومروره سواء بالإصابة المؤدية إلى الشفاء أو الوفاة على نسبة كبيرة من البيوت المصرية، وعلى الرغم من عزوف المصريين عن دور السينما على مدى أشهر طويلة حتى بعد إعادة فتحها، فإن التوقعات تشير إلى موسم سينمائي جيد في عطلة العيد. فقد صدر قرار رسمي بزيادة نسب استقبال الجمهور في دور العرض السينمائية من 50 إلى 70 في المئة، مع عودة حفلتي العاشرة مساءً ومنتصف الليل، وهو ما يبشر بنسب إقبال جيدة، لا سيما أن الشعور العام السائد لدى كثيرين من المصريين أن "كورونا تحت السيطرة". وقد سيطر فيلم "مش أنا" على الاهتمام الشعبي، ويتوقع أن يسيطر كذلك على شباك التذاكر في أيام عطلة العيد، مستفيداً من الـ"تريند" المشتعل حول بطلته حلا شيحة ودائرة التغريدات الملتهبة المتداولة بينها وبين بطل الفيلم تامر حسني ووالدها وزوجها وإعلاميين وملايين المتابعين. عناصر الجذب والإثارة والإغراء توافرت كلها للفيلم، وذلك بين اعتراض شيحة على مشاهد اكتشفت بعدما صورتها بعام أنها "غير لائقة"، وهو الاكتشاف المتزامن وزواجها بالداعية معز مسعود الذي يحوي سجله قائمة ملفتة من الزوجات المشهورات والمؤثرات.
والشيشة أيضاً تنتعش
التأثير الذي أحدثه قرار منع تقديم الشيشة (النارجيلة) في المقاهي بداية الوباء كان كبيراً، وذلك لسببين لا ثالث لهما. فللشيشة رغم أضرارها الجمة جمهور كبير بين المصريين. والسبب الثاني هو أن قرار المنع طُبق بحسم وحزم في البداية. لكن التطبيق يعاني الوهن حيناً والتساهل أحياناً. ولذلك تسللت الشيشة من الأبواب الخلفية ثم الأمامية، لكن مع استعادة الصحوة في مناسبة العيد، أيقن الجميع أن شيشة العيد في قبضة القانون والمصادرة. ويبدو أن ذلك أدى إلى انتعاش نسبي في سوق الشيشة الشخصية والإلكترونية، حيث المحال تبيعها دون قيود والتسوق الإلكتروني متاح للجميع.
أفراح العيد
الجميع يعرف أن عيدي الفطر والأضحى موسمان لإقامة الأفراح. وفي حين أن وزارة السياحة والآثار جددت التذكير بقوائم الممنوعات والمحظورات المعلن عنها للحد من انتشار فيروس كورونا، وأبرزها منع إقامة الحفلات في القاعات المغلقة، فإن الإقبال على حجز الأماكن المفتوحة لإقامة حفلات الخطوبة والزفاف لا سيما في عطلة العيد يفوق أحياناً حجم المعروض. ولذلك نشأ سوق أفراح وأعياد ميلاد وليال ملاح موازية، حيث تأجير الفيلات الخاصة وإقامة المناسبات في رحابها سواء المغلق أو المفتوح بعيداً عن الأعين الرقابية.
صاحب فيلا في منتجع سكني في مدينة الشروق المتاخمة للقاهرة خصصها لـ"الاستثمار الترفيهي" في فترة كورونا. ونظراً إلى الإقبال الكبير على حجز فيلته خلال عطلة العيد الحالية، فقد اضطر إلى رفع قيمة الإيجار بهدف "الارتقاء بنوعية الحضور منعاً للتخريب" حسبما يقول، بالإضافة إلى سداد قيمة العمالة الإضافية التي سيستعين بها لتنظيف المكان، إذ تنعقد حفلتان في اليوم نفسه في بعض الأيام.
أيام مفترجة
إنها أيام مفترجة، والحديث عن إلغاء صلاة العيد كما أشيع في عام الوباء الأول 2020 أمر غير وارد. مطالبات البعض بإلغاء الصلاة التي يستحيل أحياناً لا سيما في العيد تحقيق مبدأ التباعد الجسدي فيها لا تُقابَل في الأغلب إلا باتهامات تدور حول محاربة الدين ومناصبة المتدينين العداء.
ويسارع البعض الآخر إلى المطالبة بإغلاق الشواطئ ودور السينما والمقاهي أسوة بالمساجد مع استدعاء متلازمة ربط الإجراءات الاحترازية بالمؤامرة على الدين. وزارة الأوقاف أعلنت عن 15 شرطاً لإقامة صلاة العيد في المساجد التي تقام فيها صلاة الجمعة. أبرز الشروط الكمامات وسجاجيد الصلاة الشخصية والتباعد وفتح المسجد قبل الصلاة بعشر دقائق وإغلاقه بعدها بعشر دقائق أيضاً، مع تحديد مدة التكبير بسبع دقائق. وأعلنت الوزارة منع صلاة العيد في الساحات وخارج المساجد.
وفي الوقت نفسه أعلنت كل من وزارة الأوقاف ودار الإفتاء أن إقامة صلاة العيد في البيوت جائزة شرعاً، في محاولة لتخفيف أعداد المصلين في المساجد في ظل استمرار انتشار الفيروس، فعودة بعض الدول إلى القيود الاجتماعية وتلك المفروضة على السفر، تعني أن هناك تراخياً من جانب المجتمعات في تطبيق الإجراءات الاحترازية وتلقي اللقاح، حسبما تؤكد منظمة الصحة العالمية.
الطريف أن مكتب شرق المتوسط في منظمة الصحة العالمية طرح قبل أيام بطاقات تهنئة إلكترونية في مناسبة عيد الأضحى لتشجيع المحتفلين بالعيد على تداولها إلكترونياً وضرب عصفورين بحجر. الأول هو التهنئة، والثاني نشر مجموعة من الرسائل الصحية التوعوية للاحتفال بالعيد من دون خطر زيادة الإصابات بـ"كوفيد-19".