عادت ظاهرة اختطاف الأجانب في منطقة الساحل الأفريقي خلال الفترة الماضية، وأثارت معها مخاوف من مفاجآت غير سارة قد تكون بداية لمرحلة جديدة من التوتر وعدم الاستقرار، لا سيما في ظل تصاعد الاعتداءات الإرهابية وتوسع دائرة الانقلابات العسكرية وتأزم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
وتأتي آخر عملية اختطاف شهدتها المنطقة وكانت الأراضي المالية مسرحاً لها، لتؤكد أن الأوضاع تزداد سوءاً على جميع المستويات، بعد أن شملت الظاهرة رعايا صينيين على غير العادة. وأعلن الجيش المالي أن ثلاثة صينيّين وموريتانيين اثنين يعملون في شركات بناء، قد خُطِفوا بالقرب من الحدود مع موريتانيا، مضيفاً أن العملية جاءت على أثر هجوم استهدف موقعاً على بُعد 55 كيلومتراً من مدينة كوالا في جنوب غرب البلاد، وأدى إلى تدمير معدات بناء.
وبينما لم تتبنَّ أي جهة العملية، لم يقدّم الجيش المالي تفاصيل بشأن الهجوم، ولم يحدد هويات الخاطفين، علماً أن وسائل الإعلام المحلية أشارت إلى أن المهاجمين الذين وصلوا على دراجات أشعلوا النار في صهريج وقود قبل أن يلوذوا بالفرار. وهو ما يزيد المشهد غموضاً.
أمن الرعايا الأجانب
وفي السياق، يرى أستاذ الحقوق عابد نعمان، أنه "قبل الخوض في موضوع الاختطاف، يجب العودة إلى النقطة المرجعية بالنسبة إلى فضاء الساحل الصحراوي، فهي منطقة ذات تغطية فرنسية باسم مكافحة الإرهاب". ويعتقد نعمان أن "عمليات الخطف المتسلسلة تحمل العديد من الرسائل، ففي كثير من المرات كان الغرض منها التشويش الدبلوماسي والعسكري على المصالح الجزائرية، خصوصاً منذ اختطاف صحافي فرنسي قبل حادثة الهجوم الإرهابي على القاعدة الغازية الجزائرية تيڨنتورين عند الحدود مع ليبيا في 16 يناير (كانون الثاني) 2013".
ويتابع نعمان أن "بعض العمليات التي شهدتها منطقة الساحل تستهدف زعزعة صدقية الجانب الجزائري في مساعيه لتقوية الذات من دون الاستعانة بمساعدة أورو- أميركية في مكافحة الإرهاب". ويضيف أنه مهما كانت خسائر فرنسا في المنطقة، فهي لم ولن تفكر في الانسحاب، بل إنها تقاوم لحماية موقعها كشرطي مرور، و"بالتالي يجب خلق ظروف تبرر وجودها".
ويعتبر نعمان أن "الجماعات الإرهابية ليست بريئة من الظاهرة، ولكن هي أداة وفق اتفاقات تضمن ديمومتها وتمويلها". ويعتبر أن "الدولة مسؤولة عن أمن الرعايا الأجانب، وهذه قاعدة في القانون الدولي، وعليه فإن اتفاقات الشراكة المبرمة بين الدول ستخلق أزمة التزام في الشق الأمني في حماية رعايا الشركاء، ما يؤدي إلى غلق باب الاستثمارات في دول الجنوب بحجة انعدام الأمن، وخلق منطقة توتر عسكرية وحالة عدم ثقة بين دول الجوار".
الفدية والمصالح هما الغاية
وباتت الجماعات الإرهابية المنتشرة في المنطقة المسؤول الأول عن عمليات الاختطاف. وتفيد تقارير أمنية أنها الوسيلة الوحيدة للضغط والابتزاز من أجل الحصول على موارد مالية لتمويل نفسها وضمان ديمومتها، وتحقيق انتصارات مثل الإفراج عن بعض عناصرها، كما أنها توفر شبكة علاقات واسعة مع العديد من أجهزة الاستخبارات من داخل المنطقة وخارجها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب وزارة المالية الأميركية، حصلت الجماعات الإرهابية على فديات من أوروبيين قيمتها 165 مليون دولار بين 2008 و2013. وأشارت الوزارة إلى أن معظم عمليات الاختطاف نفّذها تنظيم "القاعدة" في بلاد المغرب، مبرزة أنه في وقت تصر فيه الجزائر على ضرورة عدم دفع فديات للخاطفين لأن ذلك يضر بالأمن القومي لدول المنطقة، وتفضل الحلول العسكرية لتحرير الرهائن، ترى الدول الأوروبية أن دفع الفدية أسلم خيار لإنقاذ حياة الرهائن، من دون أن تعلن ذلك صراحة.
والفدية الأولى دُفعت للخاطفين في فبراير (شباط) 2003، لإنهاء عملية اختطاف 32 سائحاً أوروبياً (16 ألمانياً وعشرة نمساويين وأربعة سويسريين وهولندي وسويدي)، كانوا موزعين في سبع مجموعات منفصلة في منطقة الصحراء الكبرى. وتمكن الجيش الجزائري في مايو (أيار) 2003، من تحرير 17 رهينة بعدما اشتبك مع مجموعة من الخاطفين، وقضى على تسعة مسلّحين منها، لكن ألمانيا اعترضت على هذا الأسلوب لأنه قد يعرض حياة الرهائن للخطر، ودفعت فدية قدرها خمسة ملايين لتحرير 14 رهينة في 17 أغسطس (آب) في مالي، بينما توفيت رهينة ألمانية بسبب ضربة شمس قبل تحريرها.
مستقبل المنطقة في خطر؟
ويرجّح متخصصون في شؤون المنطقة أن تكون الفترة المقبلة مرشحة لمزيد من عمليات خطف الرهائن، لا سيما بعد قرار فرنسا سحب قواتها بشكل تدريجي وظهور بوادر تنافس قوي بين قوى كبرى مثل روسيا والصين والولايات المتحدة وتركيا إلى جانب فرنسا. ما يوحي باحتمال حصول مناوشات عسكرية بين دول في المنطقة في سياق حرب بالوكالة. ما يفرض على المجتمع الدولي ودول الجوار المبادرة إلى وضع خريطة طريق تنموية قبل أن تكون أمنية.