إلى أعالي جبال "هندوكش" و"دالان" و"اخان" في ولاية بدخشان وعلى ارتفاع 4932 متراً بالقرب من معبر "واخجير" على الحدود مع إقليم سينك يانغ الصيني، وصل مقاتلو وعناصر حركة طالبان، ليسيطروا للمرة الأولى على الحدود الأفغانية- الصينية الممتدة لنحو 95 كليومتراً.
الأهالي الذين يعيشون في حالة من الغربة عن أي مظاهر حضارية، وأمام ما شاهدوه من أسلحة ودخول عناصر طالبان إلى مناطقهم، فروا إلى داخل أراضي طاجيكستان المجاورة خوفاً على حياتهم من القادمين الجدد.
هذه الحدود التي أعلنتها الصين منطقة عسكرية انطلاقاً من مخاوفها بأن تستغلها الولايات المتحدة معبراً للنفوذ إلى داخل الأقلية المسلمة في إقليم سينك يانغ وتحريكها ضد السلطة الشيوعية في بكين. وفي الوقت نفسه تتهم واشنطن بالعمل للسيطرة على هذه المنطقة الجلبية لما تحتويه من ثروات ضخمة ومهمة بما فيها "اليورانيوم" الطبيعي. فضلاً عما تعتبره الصين محاولة أميركية لمحاصرة مشروعها الاقتصادي الذي يحمل اسم "طريق واحد حزام واحد" والذي يمر من هذه المناطق باتجاه إيران وصولاً إلى مياه الخليج والشرق الأوسط باتجاه أوروبا.
بالوتيرة نفسها، تحركت عناصر طالبان باتجاه المعابر الحدودية التي تربط أفغانستان بالدول المجاورة، وللمرة الأولى، على غرار ما حصل على الحدود الصينية، سيطرت هذه الحركة على المعابر الحدودية الثلاثة مع إيران، وبات عناصر حرس الحدود الإيرانيين في مواجهة مباشرة مع عناصر طالبان. وعلى الرغم من تأكيد الحركة بأنها تسعى لإقامة علاقات جيدة وعدم السماح باستخدام الأراضي الأفغانية ومناطق نفوذها لتهديد الأمن والداخل الإيراني بحسب الوثيقة التي تم التوقيع عليها بين ممثل الحركة الملا عبدالغني دلاور ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في طهران في الاجتماع الذي عقده لممثلين عن القوى الأفغانية والحكومة. إلا أن المخاوف من النوايا الأميركية هذه المرة دفعت الجانب الإيراني إلى الدخول في حالة استنفار غير معلنة رسمياً جاءت ترجمتها بالزيارة التي قام بها قائد القوات البرية في حرس "الثورة الإسلامية" الجنرال محمد باكبور للمعبر الحدودي دوغارون وتوجيه رسالة شديدة اللهجة إلى أي طرف يريد المساس بالأمن الإيراني برد قاس وحاسم من قبل القوات الإيرانية التي تقف على أهبة الاستعداد التام للرد على أي تهديد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الجانب الروسي وعلى الرغم من الاجتماع الذي استضافته موسكو للممثلين عن حركة طالبان برئاسة رئيس المكتب السياسي الملا برادر والتأكيد الذي قدمته هذه الحركة بعدم السماح لأي مجموعة بأن تشكل تهديداً للأمن الروسي انطلاقاً من الأراضي الأفغانية، إلا أن الانتشار والسيطرة التي قامت بها عناصر طالبان في المناطق الحدودية مع دول المحيط الحيوي لروسيا في آسيا الوسطى إن كان على طول الحدود مع طاجيكستان البالغة 1200 كيلومتر، أو الحدود مع تركمنستان البالغة 744 كيلومتراً، تراه موسكو تهديداً لأمنها في مواجهة الجماعات المتطرفة التي قد تستغل الفراغ الأمني الناتج من انهيار المنظومة الأمنية والعسكرية للدولة الأفغانية والفرصة التي أتاحها الانسحاب الأميركي لعودة حركة طالبان إلى الساحة وإمكانية السماح بإعادة إحياء التوجهات المتطرفة إن كانت القاعدة أو ما تقول عنه موسكو بفلول "داعش" من أبناء هذه المناطق والدول الذين انتقلوا من سوريا والعراق إلى أفغانستان، وإمكانية تحولهم إلى خطر يعيد إحياء النزعات المتطرفة في العمق الروسي، خصوصاً في مناطق الشيشان، ما يجعل بالتالي موسكو نفسها في معرض تهديد العمليات الإرهابية.
على الرغم من المخاوف لدى الدول الثلاث المعنية بالأزمة الأفغانية، أي إيران وروسيا والصين والمخاطر التي يمكن أن تواجهها منطقة وسط آسيا جراء عودة نفوذ طالبان ومساعيها للسيطرة الكاملة على أفغانستان وإسقاط الحكومة الرسمية في كابول، فإن هذه الدول تتفق على رؤية مشتركة حول مستقبل هذا البلد، وهو ضرورة العمل المشترك لمنع انحداره إلى حرب أهلية أو قومية تؤدي إلى تقسميه، بالتالي عليها – أي هذه الدول- العمل لاستيعاب المتغير الناتج من عودة طالبان التي تسعى لتكون المسيطر على الدولة مع إمكانية السماح بمشاركة محدودة للأطراف الأخرى في إطار ما توصلت له من تفاهم مع الإدارة الأميركية في اتفاق الدوحة لإقامة "إمارة إسلامية".
وتنطلق هذه الدول الثلاث الأكثر اهتمامات بالتطورات الأفغانية وتداعياتها على أوضاع الجيوسياسية والاستراتيجية في صراعها مع الولايات المتحدة، من أن طالبان الجديدة، وإن كانت متمسكة برؤيتها لتشكيل إمارتها الإسلامية، فإنها تسعى في الوقت نفسه لتحسين صورتها الدولية من خلال التأكيد أولاً على رفض أي نشاط للجماعات المتشددة كتنظيمي القاعدة و "داعش"، وهو موقف قد يكون متأتياً لدى طالبان من قراءتها الخاصة لمفهوم الإمارة الإسلامية التي توصل أو تفتح الطريق للحديث عن الخلافة الإسلامية، بالتالي فإنها وفي حال تمكنت من بسط نفوذها وسيطرتها وتطبيق رؤيتها في الإمارة الإسلامية ستكون أمام تحدي التعامل مع طرفين يحملان الفكر المتشدد نفسه ويدعوان لإقامة الخلافة الإسلامية، ما يعني أنها ستكون أمام تحدي المواجهة معهما دفاعاً عن مشروعها الأفغاني الخاص، وأما أن تندمج مع واحد منهما، بالتالي أن تكون أمام خطر خسارة ما سعت له من مشروع العودة إلى السلطة وإقامة دولتها في أفغانستان.
وتمهيداً للخطوة الاخيرة التي تضعها طالبان للمرحلة النهائية في تشكيل دولتها، فإنها بدأت بتوجيه سلسلة من رسائل الطمأنة للدول الثلاث الأساسية في محيطها الجيوسياسي، أي موسكو وبكين وطهران، تكشف عن حرصها في التعامل الإيجابي وعدم تشكيل تهديد لمصالح هذه الدول في إطار التعاون البناء والإيجابي، وباعتبار هذه الدول قوى كبرى في المنطقة ومعنية بأمنها واستقرارها. وعليه فإن هذه الدول ستسعى للتوصل إلى حل سلمي للقضية الأفغانية بمشاركة جميع الأطراف المعنية، لمنع انهيار هذا البلد وانفجاره بحرب أهلية، ما قد يدفعها للجوء إلى سياسة الدفاع عن مصالحها بمنع انتقال العدوى الأفغانية إلى داخل أراضيها، مع التأكيد على عدم التدخل المباشر حتى لا تتكرر تجارب الثمانينيات مع الجيش السوفياتي.