كشفت بيانات رسمية حديثة، أنه منذ شهر مارس (آذار) من العام الماضي، أنفقت الحكومات نحو 16 تريليون دولار على خطط الدعم والتحفيز المالي، في إطار تحركات سريعة لمواجهة التداعيات الخطيرة التي خلفتها جائحة فيروس كورونا المستجد. فيما زادت البنوك المركزية على مستوى العالم ميزانياتها العمومية بمقدار 7.5 تريليون دولار، ليصل المبلغ الإجمالي إلى نحو 23.5 تريليون دولار.
وعلى الرغم من هذا الإنفاق الضخم، لكن العجز سجل أعلى مستوياته منذ الحرب العالمية الثانية، متجاهلاً قيام البنوك المركزية بتوفير سيولة قياسية خلال العام الماضي أكثر مما كانت عليه في السنوات العشر الماضية مجتمعة. وأشار صندوق النقد الدولي إلى أن خطط التحفيز كانت ضرورية للغاية، حيث تشير الأبحاث التي أجراها الصندوق، إلى أنه إذا لم يتحرك صانعو السياسة، لكان الركود العالمي خلال العام الماضي أسوأ بنحو ثلاث مرات مما حدث خلال أزمة الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي.
ومع انطلاق الحكومات في توزيع اللقاحات الخاصة بفيروس كورونا، وبدء إعادة فتح الاقتصادات، يحتاج صانعو السياسات النقدية والمالية على مستوى العالم، إلى هندسة تحول أساسي لإنقاذ اقتصاداتهم من الانهيار، وتعزيزها للمستقبل من خلال التركيز على النمو والإصلاحات.
ندوب اقتصادية وتأجيل إصلاحات
وكشف صندوق النقد الدولي أنه مع خسائر كورونا، فقد قامت بعض الحكومات بتأجيل بعض الإصلاحات الداعمة للنمو، كما حدثت بعض الندوب الاقتصادية. وخسر العالم نحو 15 تريليون دولار من الناتج الإجمالي نتيجة للجائحة، مقارنة بما توقعه صندوق النقد الدولي في يناير (كانون الثاني) من العام الماضي. كما يجب وضع الطاقة نفسها التي يتم وضعها في التطعيم وخطط الإنفاق على التعافي في إجراءات النمو لتعويضها لهذا الجزء المفقود من الناتج الإجمالي العالمي.
كما يجب أن تساعد آليات إعادة هيكلة الديون المحسّنة في حل مشكلة الشركات غير القادرة على الاستمرار على وجه السرعة وتوجيه الاستثمار إلى الأفكار والشركات الجديدة. أيضاً، يجب أن تساعد سياسات سوق العمل النشطة، بما في ذلك رصد ودعم البحث عن الوظائف، وإعادة التدريب العمال على التحول إلى وظائف واعدة في الأجزاء الديناميكية من الاقتصاد. أيضاً، يجب أن تضمن أطر سياسة المنافسة المحسّنة - التي تمت مناقشتها بشكل جدي في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، عدم وجود خنادق حول الشركات التي استحوذت على صانعي السياسات خلال العام الماضي في إطار مواجهة النزيف الذي تعرض له القطاع الخاص عالمياً.
وكشف صندوق النقد أن استخدام هذه اللحظة لبعض هذه الإصلاحات الصعبة، يعني أن الحوافز النقدية والمالية التي لا تزال تتدفق ستكون بمثابة نقطة انطلاق لمستقبل أكثر إشراقاً واستدامة بدلاً من ركيزة لنسخة أضعف من اقتصاد ما قبل ظهور كورونا. وقد يؤدي اغتنام الفرصة إلى تحقيق سنوات من النمو القوي بعد الجائحة والتقدم في مستويات المعيشة.
ويقدر الصندوق أن الإصلاحات الشاملة المعززة للنمو والتي تشمل المنتجات والعمالة والأسواق المالية يمكن أن ترفع النمو السنوي في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من نقطة مئوية واحدة في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية خلال العقد المقبل. كما ستكون هذه البلدان قادرة على مضاعفة سرعة تقاربها مع مستويات المعيشة في الاقتصادات المتقدمة مقارنة بسنوات ما قبل الوباء.
كيف ستتحرك الاقتصادات المتقدمة والناشئة؟
بالنسبة إلى الاقتصادات المتقدمة، فإن رياح النمو والإصلاح الخلفية من شأنها أن تساعد في سداد الديون التي تفاقمت خلال العام الماضي بعد اتجاه عالمي لتوفير دعم مالي غير مسبوق، كما ستساعد في زيادة مساحة الاستثمار وتقليل الحاجة إلى زيادة الضرائب. ومع ارتفاع معدل التضخم عما كان متوقعاً وانعدام اليقين بشأن الوقت الذي ستنخفض فيه محركاته، توفر إصلاحات النمو التي تستهدف جانب العرض، التأمين ضد أي مخاطر تضخمية مستمرة من ضغوط جانب الطلب في الولايات المتحدة وأماكن أخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبالنسبة إلى بلدان الأسواق الناشئة التي تمكنت من الحفاظ على الوصول إلى أسواق رأس المال العالمية، يمكن للإصلاحات أن تعزز من قوتها المالية، كما تعزز من ثقة المستثمرين حتى مع تشديد الظروف المالية، بخاصة إذا استمر التضخم في الاقتصادات المتقدمة.
على صعيد البلدان منخفضة الدخل التي استنفدت حيز سياساتها، يمكن أن تكون عوائد الإصلاحات الموجهة نحو النمو عالية بما يكفي لتجنب التقشف المالي القاسي، مما يسمح لها بحماية الإنفاق الاجتماعي والصحي على المدى القصير، مع تعزيز قدرتها على الاستثمار في مواطنيها على المدى الطويل.
لكن في الوقت نفسه، فإنه ليس من الضروري القيام بكل ذلك مرة واحدة. وسيستغرق التعافي من هذه الأزمة سنوات بالنسبة إلى معظم البلدان. كما يمثل إلهام الجيل القادم لإعادة بناء مستقبل أكثر إشراقاً التحدي الأساسي لهذا الجيل من صانعي السياسات. كما يجب عليهم مواجهة هذا التحدي. وقال صندوق النقد إن الجمع بين إصلاحات النمو والإنفاق على التعافي سيحقق الرخاء المطلوب في عالم ما بعد الجائحة.
كورونا يفاقم أزمة الدين العالمي
وفي وقت سابق، كانت وكالة "ستاندرد أند بورز"، قد كشفت أنه بفرض أن الاقتصاد العالمي عاد للنهوض مجدداً بعد جائحة كورونا، فإن نسبة الدين العالمي إلى الناتج المحلي الإجمالي يجب أن تتراجع مجدداً إلى 256 في المئة بحلول عام 2023.
وأشارت الوكالة إلى أن الدين العالمي سجل زيادة بنحو 14 نقطة كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بعد أن تضخم بفعل التراجع الاقتصادي الناجم عن "كوفيد" والاقتراض الزائد الذي اضطرت الحكومات والشركات والأسر إلى اللجوء إليه. وذكرت أن نسبة الدين العالمي إلى الناتج المحلي الإجمالي تتجه للارتفاع منذ سنوات. وببساطة، فإن الجائحة تفاقم الارتفاع، لكن على الرغم من القفزة الكبيرة والموجة المتوقعة من حالات التعثر في السداد في السنة المقبلة، لا تتوقع الوكالة أزمة كبيرة في هذه المرحلة.
ووفقاً للتقرير، فإن الزيادة المتوقعة والبالغة نحو 14 في المئة في الدين العالمي إلى الناتج المحلي الإجمالي في 2020، من المستبعد أن تسبب أزمة ديون في الأمد القريب، بفرض تعافي الاقتصادات، وتوزيع لقاحات على نطاق واسع، واعتدال سلوك الاقتراض.
ووفق تقديرات صندوق النقد الدولي، فإن الاقتصاد العالمي قد يتكبد بسبب أزمة كورونا حوالى 12.5 تريليون دولار خلال عامي 2020 و2021، مرجحاً استمرار الضغوط لفترة طويلة وسط درجة مرتفعة من الشكوك في ظل وجود توقعات بحدوث موجات أخرى من العدوى بالفيروس ما سيؤدي إلى زيادة الإنفاق على مكافحة الوباء وتقييد أسعار الفائدة والظروف المالية، ما يجعل الديون العالمية تتفاقم أكثر وأكثر.
فيما توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أن يتكبد الاقتصاد العالمي جراء الجائحة خسائر تقدر بنحو 7 تريليونات دولار، مشيرة إلى أنها قد تتجه لخفض توقعاتها للنمو العالمي بنحو يراوح بين 2 إلى 3 في المئة خلال 2021 والتي تستقر حالياً قرابة 5 في المئة في حال استمرار تفشي الفيروس وارتفاع أعداد الإصابات بقوة. وعزت المنظمة توقعاتها السلبية إلى تراجع معدل إنفاق الأسر كعامل أساسي في تراجع معدلات النمو.