شهدت ليلة الخميس الثامن من يوليو (تموز) الماضي جلسة مجلس الأمن الخاصة بإشكالية سد النهضة، وقد لفت الانتباه الكلمة التي ألقاها المندوب الروسي، فاسيلي نيبنزيا، والتي لم تأخذ في الاعتبار المخاوف المصرية والسودانية من تبعات بناء هذا السد المثير للعواصف، بقدر ما ركزت على رفض ما أسماه التهديد باللجوء إلى القوة، في إشارة لا تغفلها العين لفكرة الحل العسكري إن تعذر الحل السلمي.
كان التساؤل المباشر تالياً: أين تقف روسيا من الصراع الإثيوبي- المصري- السوداني، وهل موقفها هذا يتجاوز مسألة السد إلى رؤية أوسع وأشمل للقارة الأفريقية، ربما بدت فيها إثيوبيا أكثر أهمية من حيث الموقع والموضع عن دول شمال أفريقيا؟
يحتاج الجواب عن علامة الاستفهام المتوقعة توسيع دائرة البحث، والتطلع إلى ما ورائيات الصراع الإدراكي القائم على رقعة الشطرنج الأفريقية، هناك حيث القارة البكر التي يتسابق عليها الروس والأميركيون والصينيون دفعة واحدة، وهم يعلمون تمام العلم أنها القارة التي لا تزال تتمتع بخيرات طبيعية من كافة الأنواع، عطفا على أنها في حاجة إلى أعمال تنمية وإنشاءات وبنية تحتية، تأخذ من الزمن قرنين على الأقل، ما يجعل منها موقعاً جاذباً لرؤوس الأموال العالمية، فضلاً عن كونها القارة الفتية العفية بمعدلات أعمار سكانها، لا قارة عجوز مثل أوروبا، وإلى جانب هذا كله توسط موقعها الجغرافي العالم كله.
ما الذي تريده روسيا من أفريقيا، وهل تحلم بعودة نفوذها سياسياً وعسكرياً كما كانت قبل بضعة عقود، أم أن هناك من المتغيرات القطبية، لا سيما الصينية، وليس الأميركية، ما يجعل هذا الحلم صعب المنال، بخاصة بعد حسابات الردع النقدي وليس النووي التي تبرع فيها بكين؟
بوتين وأفريقيا... هدف قمة سوتشي
في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2019، ترأس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أول قمة روسية- أفريقية في منطقة سوتشي على ضفاف البحر الأسود، وقد كان من الواضح أن موسكو تسعى من خلالها لبسط نفوذها في قارة غابت عنها عدة عقود، لا سيما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي صاحب العلاقات الوثيقة مع العديد من دولها من قبل.
يمكن القطع بأن قمة سوتشي لم تكن سوى نسخة من "منتديات التعاون الصيني- الأفريقي"، والتي فتحت الطريق لبكين لتضحى الشريك الفاعل والناجز في القارة السمراء.
في سوتشي أعلن بوتين عن مشروعات استثمارية بمليارات الدولارات في عدد من الدول الأفريقية، وظهر أنه مهتم بالفعل بمآلات المستقبل هناك مع أنه لم يقم سوى بثلاث زيارات لجنوب القارة طوال عشرين سنة من حكمه.
غازل بوتين في سوتشي الأفارقة بأكثر من بعد، إذ لم يتوقف عند حدود الاستثمارات المالية، بل تجاوزها إلى التعاون الدفاعي العسكري والأمني، والأول يهم غالبية إن لم يكن معظم الدول السمراء، انطلاقاً من أن جيوش بعضها في طور التكوين، والبعض الآخر قد تهالكت أسلحته والكثير منها روسي ويعود إلى ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم، والثاني موصول بمحاربة الإرهاب، لا سيما أن القارة الأفريقية قد أضحت منطقة جاذبة لجماعات العنف المسلح، والحديث دائر عن نشوء وارتقاء تنظيمي داعش والقاعدة مرة جديدة هناك.
لم تكن موسكو طهرانية أو يوتوبية في توجهاتها نحو أفريقيا، ذلك أنه وبعد خمس سنوات من العقوبات الأميركية والأوروبية، بسبب قضية شبه جزيرة القرم، باتت موسكو بحاجة إلى شركاء جدد وأسواق جديدة لإخراج نموها من الركود.
روسيا ومرحلة التخطيط لغزو أفريقيا
منذ نحو ثلاث سنوات، وتحديداً عام 2018، باشرت روسيا عودة واضحة إلى أفريقيا تمثلت في قيامها بإرسال مستشارين عسكريين، إلى دولة أفريقيا الوسطى، والتي كانت في ذلك الوقت تحت النفوذ الفرنسي.
توافد عناصر مجموعة المرتزقة الروس، فاغنر، إلى دول القارة الأفريقية، وتعود ملكية الشركة الأم لهذه الميليشيات إلى يفغيني بريغوجين، المقرب من الرئيس الروسي بوتين، وقد توسع حضورها لاحقاً لتنتشر عناصرها في ليبيا وموزمبيق، وكذلك في السودان ومدغشقر.
والشاهد أن قضية المرتزقة الروس في الداخل الأفريقي تطرح على مائدة النقاش علامة استفهام مثيرة للجدل، وتدور حول هذا الوجود، وهل هو براغماتي تكتيكي، أم أنه استراتيجي بعيد المدى؟
المعروف تاريخياً أن المرتزقة يسعون في كل أنحاء العالم إلى الكسب السريع، والأموال الساخنة، ومن غير أن يهتموا لأي قضايا أخرى.
في تقرير للصحافية الروسية نتاليا أنتونوفا، نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، نقرأ ما يفيد بأن عناصر فاغنر ليس هدفهم الرئيس المال، بل نشر العنف، وفتح المجال واسعاً أمام شركات الأسلحة الروسية، وجمع ما يكفي من معلومات عن الأوضاع السياسية في البلاد التي يصلوا إليها، أي أنهم مقدمة للكرملين في الوسط الأفريقي.
في هذا الإطار يذهب، بول سترونسكي، كبير الباحثين في معهد كارنيجي لدراسات السلام، إلى أن شركات الأمن الروسي تلعب أكثر من دور مفيد بالنسبة لموسكو فهي تشارك في تأمين حكومات مثل جمهورية أفريقيا الوسطى، وتساعد في تأمين الموارد الاقتصادية الهامة، وعادة ما تمول تلك المجموعات الميليشياوية نفسها من خلال أعمالها في حراسة الموارد الهامة، وفي الوقت نفسه تعطي روسيا الفرصة للتوسع في نفوذها الأمني والسياسي في البلدان نفسها من دون تكلفة تذكر، وبأقل قدر من المخاطرة، إذ لا تحتاج موسكو إلى تحريك فيالقها العسكرية، تلك المشغولة في التحرك لملاقاة الأميركيين والأوروبيين إن هم فكروا يوماً في الاقتراب من أوكرانيا.
صراع على النفوذ السياسي أم الموارد؟
في قمة سوتشي قال بوتين: "إن تقوية العلاقات مع البلدان الأفريقية يعد إحدى أولويات السياسة الخارجية الروسية"، غير أن تراتبية مثل هذه الأولويات أمر يحتاج إلى توضيح وتساؤل عن أيهما يشغل ذهن القيصر الروسي أكثر، النفوذ السياسي، أم الموارد الاقتصادية المتوافرة في القارة الأفريقية؟
في خلفية الجواب تبقى كلمات الإمبراطور الفرنسي الأشهر نابليون بونابرت: "الجيوش تمشي على بطونها"، بمعنى أنه لا بد من توافر العنصر الاقتصادي وبوفرة حتى يمكن أن تؤدي العناصر العسكرية ما هو مطلوب منها.
والثابت أنه ليس الجيوش التي تمشي على بطونها، بل الشعوب أيضاً، وهذا ما يفسر السعي الروسي الحثيث نحو أفريقيا طمعاً في مواردها، ومن قبل ملء مربعات النفوذ السياسي.
يقول يفغيني كوريندياسوف، مدير مركز أبحاث العلاقات الروسية- الأفريقية بمعهد أفريقيا التابع لأكاديمية العلوم الروسية، إن النخبة الروسية تتفهم دور أفريقيا في العالم الحديث، فمن خلال عملنا مع القارة، سنكون قادرين على تحقيق المزايا التنافسية التي نتمتع بها، في مجالات استكشاف المعادن، وإنتاجها، والطاقة النووية، والاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية، والأسلحة.
ولعل الجزئية الخاصة التي تبرع فيها روسيا على صعيد علاقاتها مع دول القارة الأفريقية، هي تلك الخاصة بالإنشاءات النووية السلمية، فلدى روسيا اتفاقيات مع 20 دولة أفريقية، ولدى موسكو فرصة لتعزيز مكانتها في سوق الهيدروكربونات العالمية، وعلى وجه الخصوص تبرع في تسويق معدات إنتاج وتشغيل الطاقة.
وعلى صعيد النفوذ السياسي يمكن للمرء أن يرصد زيارات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف المتكررة للدول الأفريقية، لا سيما تلك الغنية بالمعادن النادرة، ومساعيه لعقد صفقات لبيع السلاح الروسي إلى دول جنوب شرقي أفريقيا، لتصبح روسيا المورد الأول للسلاح في القارة.
يعزف الروس في هذا الإطار على جزئية الوعي الوطني للأفارقة بأنفسهم، ويحاولون جاهدين تأجيج مشاعرهم ضد الحضور الغربي بنوع خاص.
خذ إليك على سبيل المثال ما صرح به، نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، من أن روسيا تتحرك اليوم في أفريقيا بثقة على طريق التطور السياسي والاجتماعي – الاقتصادي، والعلمي – التقني، وأن موسكو تعمل كمشارك نشيط ومسؤول في العلاقات الدولية، وأنها تدفع الأفارقة للوعي بهويتهم الثقافية الفريدة والمميزة.
غير أن تلك المنطلقات على وجاهتها، لا تعني أن روسيا لا تمارس الألاعيب السياسية التقليدية، كالعزف على المتناقضات، الأمر المعروف والموصوف في السياسات الدولية، ومن آية ذلك ما حدث في مشهد سد النهضة، والتساؤل لماذا تصرفت على هذا النحو مع مصر والسودان؟
موسكو – أديس أبابا... فزاعة سد النهضة
تظهر قضية سد النهضة الإثيوبي وجهاً من وجوه روسيا المغرقة في البراغماتية، فالعلاقات مع إثيوبيا تعود إلى القرن الثامن عشر وربما قبلها، وهناك جانب دوغمائي عقائدي يربط بين موسكو وأديس أبابا، يتمثل في المسيحية الأرثوذكسية، وقد عرفت روسيا كيف تستغل تلك الجزئية تحديداً وتخصيصاً للدخول إلى عمق القارة الأفريقية منذ أكثر من قرنين من الزمان.
تراجع الاهتمام الروسي بإثيوبيا بعد قيام الثورة الروسية في 1917، وعلى رغم هذا التراجع كانت روسيا القوة العظمى الوحيدة التي دعمت إثيوبيا في عصبة الأمم بعد الاجتياح الإيطالي عام 1935، وفي 1943 افتتح الاتحاد السوفياتي سفارة له في أديس أبابا، وكانت إثيوبيا أول دولة يوجه لها الاتحاد السوفياتي مساعدات ضمن برنامج المساعدات الخارجية بعد الحرب العالمية الثانية.
طوال عقود القرن العشرين ظلت العلاقات الروسية- الإثيوبية بين شد وجذب، ما بين الكتلة الشيوعية تارة وبين الميل لجانب الولايات المتحدة الأميركية تارة أخرى.
لاحقاً وبعد ما جرى في الاتحاد السوفياتي من تفكيك في عهد غورباتشوف، تسيدت المشهد بين البلدين رؤية جديدة عبر عنها المؤرخ الروسي الأميركي، سيرجيوس ياكوبسن، بقوله: "إن الساسة الروس ذوي البصيرة في العهد ما قبل السوفياتي كانوا ينظرون إلى الاختراق السلمي لإثيوبيا، باعتبار أن مكاسبه تفوق التحكم في مقدراتها، فهو مدخل واعد للتأثير في مصر ودول حوض النيل، ولإيجاد موطئ قدم في البحر الأحمر، وللبقاء قريباً من البريطانيين".
هل عاد الروس إلى هذه الفلسفة مرة جديدة في حاضرات أيامنا، ما يعني أن حضورهم في إثيوبيا غالباً سيكون براغماتياً يستهدف رسائل لمصر والسودان، بأكثر من التركيز على المصالح والأهداف الاستراتيجية الخاصة بالمصالح الإثيوبية عينها؟
قاعدة فلامنغو والمهر الروسي المطلوب
لا يزال الموقف الروسي في مجلس الأمن تجاه مصر والسودان يلقى بالعديد من علامات الاستفهام حول ما تتطلع إليه موسكو في القارة الأفريقية، وهنا فإن العديد من النقاط التي تستدعي الانتباه تبدو مثيرة لمزيد من التحليل.
بداية من عند المشهد المصري، وقد توثقت عرى العلاقات بين القاهرة وموسكو لا سيما منذ ثورة 2013، والكيمياء الجيدة للغاية التي نشأت بين الرئيس الروسي بوتين، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
ولعل الواقع يقول بأن المصريين غداة ثورة 25 يناير 2011 وقر لديهم أن واشنطن حليف غير موثوق، ولهذا رفعوا صور بوتين في ميدان التحرير، وقد عزز من الحضور الروسي في مصر التعاون العسكري الجيد، والذي ظهر في توقيت أوقفت فيه واشنطن بصورة أو بأخرى تعاونها العسكري مع مصر بعد ثورة المصريين ضد جماعة الإخوان المسلمين.
أضف إلى ذلك فإن روسيا تقوم على إنشاء المفاعل النووي المصري في منطقة الضبعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، بقرض طويل الأجل يصل إلى 25 مليار دولار.
من هنا كانت حالة الإحباط لدى المصريين، بسبب الموقف الروسي في مجلس الأمن، وقد ازدادت الحيرة بعدما وقعت موسكو اتفاق عسكري مع إثيوبيا، يهدف إلى تحديث القوات العسكرية الإثيوبية في مختلف المجالات.
وعلى رغم إعلان الجانب الروسي أن هذه الاتفاقية ليست لها علاقة بموضوع سد النهضة، إلا أن العين تغنيك عن طلب الأثر أحياناً.
وفي كل الأحوال يطفو التساؤل: هل براغماتية الدور الروسي الحديث، هي وراء الموقف تجاه مصر والسودان، وربما كانت الإشارة موجهة إلى الخرطوم بنوع خاص، بأكثر من كونها رسالة إلى المصريين، والذين لا توجد شائبة تشوب علاقاتهم الحديثة مع موسكو؟
الجواب نجده عبر صحيفة "كوميرسانت" الروسية، تلك التي بينت أسباب الموقف الروسي، وأرجعتها إلى تغير موقف السودان في ما يخص القاعدة البحرية الروسية المعروفة باسم فلامنغو، والتي كان السودان في عهد البشير قد توافق على قيامها في ميناء بورتسودان.
هنا يمكن القول إن تراجعاً سودانياً ما قد طفا على السطح عند صناع القرار الجدد في السودان، وهذا ما رصدته موسكو، فقد رأى البعض من السوادنيين أنه لا يتوجب زج السودان في دائرة عسكرة القرن الأفريقي، والتي تجري من قبل القوى القطبية، لا سيما في المناطق المطلة على البحر الأحمر، وضمن سباق لا تخطئه العين بين واشنطن وموسكو وبكين.
استبقت موسكو بدء عملية التصديق على اتفاق إنشاء مركز لوجستي للبحرية الروسية في البلاد، وقد أجادت الدبلوماسية السودانية بدورها، في الغزل على أوتار السياسة الروسية، ما تمثل في قول وزيرة الخارجية السودانية مريم المهدي، في حديثها مع لافروف على هامش زيارتها الأخيرة لموسكو، تلك التي أعقبت جلسة مجلس الأمن الأخيرة، بأن الموافقة على إنشاء القاعدة سيعتمد إلى حد كبير على الحل الإيجابي لعدد من القضايا الأخرى التي تعتمد فيها الخرطوم على تفهم موسكو ودعمها.
هل استبق السودان بذكاء الموقف الروسي، ورد الروس في مجلس الأمن؟
المعروف أن العلاقات السودانية- الروسية كانت قد تعقدت أخيراً، مع طلب مجلس السيادة السوداني من الجانب الروسي، سحب جميع المعدات العسكرية من قاعدة فلامنغو في بورتسودان، وفي أبريل (نيسان) الماضي، كشفت مصادر عسكرية سودانية، أن قيادات عليا في البلاد قررت تعليق بناء قاعدة فلامنغو العسكرية الروسية، وجاءت الخطوة السودانية بعدما تم الكشف عن حضور عسكري روسي ملحوظ.
يمكن توقع أن السودانيين قد أرادوا إظهار ورقة الضغط التي في أيديهم تجاه موسكو، أي القاعدة اللوجستية، والروس أرادوا إظهار قدرتهم على دعم الإثيوبيين، وفي النهاية يمكن الحصول على موقف وسط ومكاسب متبادلة بقيام موسكو بالضغط على إثيوبيا، في مقابل إنشاء قاعدة فلامنغو... هل يتوقف الدور الروسي في أفريقيا على قضايا الأفارقة وصراعاتهم فقط، أم يمتد إلى التنازع الأممي في العقود المقبلة؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
موسكو – بكين... الفوز بالكعكة الأفريقية
تبدو العلاقات الصينية- الروسية على السطح في حالة تناغم، والبعض يرى أنها قد ترقى إلى التنسيق من أجل مواجهة الولايات المتحدة الأميركية.
غير أن نظرة أعمق على حال تلك العلاقات تقطع بأن الأمر لا يتجاوز البراغماتية الثنائية المتبادلة، عبر مصالح آنية ضيقة، ومن غير مقدرة على إظهار مودات حقيقية من العمق، بمعنى أنهما يشتركان في نقاط ورؤى تكتيكية، ومن غير تنسيق استراتيجي قائم أو مقبل.
الصداقة الظاهرة بين روسيا والصين والتي تغذيها وسائل الإعلام على الجانبين، ينقضها التيار القومي الروسي، والذي يؤمن بأن الصين تخطط ولو في المدى الزمني المتوسط وليس القريب للاستيلاء على الشرق الاقصى وسيبيريا في نهاية المطاف.
هذه النظرة تغذيها أصوات نفر من الجنرالات الروس، أولئك الذين يقطعون بأن بكين لو قدر لها أن تستشعر حالة ضعف روسية عند لحظة زمنية بعينها، فإنها لن تتردد البتة في مناوشة موسكو عسكرياً، وتجاوز مقدراتها على كافة الأصعدة.
في القارة الأفريقية يشتد التنافس الروسي- الصيني ولو أنه تنافس مكتوم وغير ظاهر للعلن، ويجري فيه السجال بطريقة غير تقليدية.
من المعروف أنه لا يمكن للروس مجاراة الصينيين من حيث القدرة المالية والاقتصادية، فما توافر من فوائض نقدية لبكين عبر العقود الثلاثة الأخيرة، قد مكنها من تجاوز موسكو والغرب بمراحل.
الصينيون لا يملكون لأفريقيا سوى المزيد من الأموال الساخنة، والغرب الأميركي والأوروبي مهموم ومحموم بمواد أفريقيا الطبيعية، وكثيراً ما تنكر كلاهما في صورة المدافع عن أمن القارة ومحاربة الإرهاب.
على الجانب الآخر تبدو موسكو شاغلة لمربع نفوذ مختلف للغاية، تعزف على وتر إيقاظ الوعي القومي لدى الأفارقة، ودفعهم في مسارات ومساقات بديلة عن رغبات الأميركيين وتطلعات الصينيين، وذلك عبر استنهاض الهمم الساعية لقيادة المصير الأفريقي عبر الأفريقيين أنفسهم، ومساعدتهم تنظيمياً وحكومياً على ترتيب أوضاعهم وأوراقهم.
ومن ناحية أخرى تبدو موسكو قادرة على تزويد الأفارقة بالأسلحة المتقدمة، وهي تشهد الآن طفرة متقدمة في عملية تصنيع أسلحة تضارع ما يصنع في أوروبا وأميركا، وتدرك أن الصراعات البينية في أفريقيا لن تتوقف بين يوم وليلة، بل إنها تعمد إلى تغذيتها لضمان استمرار وجودها وبورقة لا تتوافر للصين وفوائضها النقدية.