دفعت الأزمة الاقتصادية والمالية التي تضرب الجزائر حكومات الرئيس عبد المجيد تبون إلى البحث عن مخارج تسمح بالحفاظ على احتياطي الصرف بالعملة الصعبة، وضمان استمرار الدوران "الحذر" لعجلة التنمية، ولعل عقلانية عمليات الاستيراد إحدى أهم الخطوات التي من شأنها الاستجابة لتطلعات السلطات.
قائمة موانع لتخفيض الواردات
وباشرت حكومة أيمن بن عبد الرحمن عملية تحضير قائمة جديدة من المواد الممنوعة من الاستيراد، بعد شكاوى تقدمت بها مؤسسات عمومية، تنتقد المنافسة غير النزيهة للمنتج الأجنبي المستورد، ويتعلق الأمر بقطع الغيار بمختلف أنواعها، وبعض أصناف الملابس ومشتقاتها، ومعدات طبية ومواد البناء، وهي القائمة التي يرتقب وضعها على مكتب الجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية، التي ستوجهها بدورها للبنوك الناشطة والمؤسسات المصرفية.
وبالعودة إلى قانون المالية لسنة 2021، فإنه تضمن تخفيض الواردات إلى 28 ملياراً و210 ملايين دولار، أي بـ 10 ملايين دولار مقارنة مع 2020، ما يشير إلى أن خطوة الحكومة إنما تندرج في سياق تقليص فاتورة الاستيراد من خلال تشجيع المنتوج المحلي الذي عانى منافسة غير نزيهة خلال فترة سيطرة "العصابة" على دواليب الحكم، واستيلاء رجال الأعمال الموجودين في السجون على الاقتصاد.
"استئصال" 10 ملايين دولار
وأوقفت البنوك قبل 3 أسابيع، بناء على تعليمات مشتركة لوزارتي التجارة والمالية، أُرسلت إلى الجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية، تطلب توقيف عملية التوطين البنكي لواردات الأحذية والألبسة، في خطوة جديدة لترشيد النفقات وتشجيع المنتج المحلي ووضع حد لنزيف العملة الصعبة.
إلى ذلك، أبرز رئيس جمعية المصدرين الجزائريين علي باي ناصري، أن تحديد قائمة للمواد الممنوعة من الاستيراد خلال 2021، من شأنه أن يحدث أزمة، بخاصة أنه من الصعب "استئصال" مبلغ 10 ملايين دولار من الواردات، لأنه مبلغ ضخم، موضحاً أن فاتورة الواردات في 2020 تراجعت بشكل كبير بفعل غلق حركة النقل الجوي والبحري، وفرض إجراءات الحجر الصحي، إذ أدى الأمر إلى توقف عدد من النشاطات الاقتصادية التي كانت ترفع فاتورة استيراد المواد الأولية، وهو ما يجعل تقليص الواردات بشكل أكبر، أمراً صعباً يحتاج إلى كثير من الدقة، لمعرفة ماهية المواد الجديدة الممنوعة من دخول الجزائر، مشدداً على أن رفع الإنتاج المحلي من شأنه أن يعوض عدداً كبيراً من المواد المستوردة من الخارج، مع العلم أن إجراء الحكومة لتقليص الواردات يدخل في إطار تشجيع المنتوج المحلي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأقدمت الحكومة السنة الماضية على رفع حزمة المواد المستوردة الخاضعة للرسم الإضافي الموقت من 998 إلى 2600 منتج، حيث أوضح وزير التجارة كمال رزيق، أن الخطوة تأتي لكبح "العشوائية"، التي يعرفها نشاط الاستيراد، سواء من حيث صنف المنتجات أو الكميات المستوردة، معتبراً ذلك "مطية لتهريب العملة الصعبة من خلال تضخيم الفواتير".
وكشف حينها عن تطبيق رسم جمركي من 100 و150 إلى 200 في المئة على كل الأصناف المستوردة، التي تعرف نسبة إنتاج محلي يضمن تغطية السوق المحلية، وفي حال وجود نقص في الإنتاج المحلي، فإن الرسم الوقائي يكون في نطاق 30 إلى 50 في المئة.
تخوفات من التأثير على الإنتاج المحلي
وفي الشأن ذاته، يرى أستاذ الاقتصاد أحمد الحيدوسي، في تصريح إلى "اندبندنت عربية"، أن كل دول العالم تمارس النظام الحمائي لاقتصادها بطريقة أو بأخرى، حتى في الدول ذات التوجه الأكثر انفتاحاً، لذلك "أعتقد أن ما قامت به الحكومة الجزائرية من توسعة قائمة المنتجات الممنوعة من الاستيراد يدخل في هذا الإطار".
وقال الحيدوسي، إن الخطوة "تهدف إلى تقليص فاتورة الاستيراد كهدف سطرته الحكومة في ظل شح المداخيل بالعملة الصعبة، كما أنها تمنح فرصة للمنتجين المحليين، لتحقيق أرباح وتراكم رؤوس الأموال داخلياً كاتجاه ضروري لتطوير المنتجات مستقبلاً"، موضحاً أن الإشكال الذي يخشى أن تقع فيه الحكومة من خلال هذه الإجراءات هو "التأثير على الإنتاج المحلي من خلال منع بعض المواد الأولية، أو المنتجات نصف المصنعة التي تبقى أساسية لاستمرار نشاط بعض المصانع".
ويتابع الحيدوسي، رداً على توقعات رد فعل الاتحاد الأوروبي، أنه في كل الحالات لا يرضى إلا بشيء واحد هو أن يجعل الجزائر "سوقاً لتصريف منتجاته"، لذلك على الحكومة التفاوض بحكمة من خلال مراجعة اتفاقية الشراكة التي جعلت منها الطرف الخاسر في المعادلة، موضحاً أنه "من غير المعقول أن تضع الحكومة كل مجهوداتها في الحماية والغلق، إنما يجب أن تركز على زيادة الصادرات أيضاً".
"عقلنة" تثير "غضب" الشركاء
ولجأت الجزائر إلى "عقلنة" عمليات الاستيراد بعد تراجع مداخيل صادرات المحروقات التي تعد العمود الفقري للاقتصاد بنسبة تفوق 95 في المئة، وهو ما أدى إلى تنامي العجر في ميزان المدفوعات، غير أن "التصرف" من شأنه إثارة "غضب" شركائها، وعلى رأسهم الاتحاد الأوروبي، الذي يعد أول شريك تجاري لها، بخاصة في ظل حالة الانكماش الاقتصادي الذي يعانيه بسبب الجائحة، حيث يبحث عن أسواق لسلعه.
وفي سياق متصل، وبمناسبة مشاركة وزير التجارة وترقية الصادرات كمال رزيق، في أشغال الاجتماع الوزاري للجنة المفاوضات التجارية لمنظمة التجارة العالمية كعضو ملاحظ، عاد ملف انضمام الجزائر إلى هذه الهيئة للواجهة بعد جموده لأكثر من 21 سنة، حيث لم تُحقق أي قفزة في الملف، على الرغم من استمرار الجلسات وتعديل 1800 مادة قانونية من الطرف الجزائري، بسبب تمسك المنظمة بتحرير التجارة الخارجية، عبر "محو" المواد المانعة للاستيراد.
وعن ذلك، يشير رئيس جمعية المصدرين الجزائريين علي باي ناصري، إلى أن منظمة التجارة العالمية تفرض جملة من الشروط، يصعب الالتزام بها في الظرف الراهن، بفعل انخفاض احتياطات الصرف، وتراجع أسعار النفط، وهو ما اضطر الحكومة إلى اتخاذ جملة من الإجراءات لضبط الواردات وقمع الاستيراد المتوحش، عكس رغبة الهيئة الدولية، موضحاً أن الوقت غير مناسب لاستكمال إجراءات الانضمام.