يترقب الشرق الآسيوي الزيارة التي بدأها وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إلى الأرخبيل لتشمل "فيتنام، وسنغافورة، والفيليبين" في خطوة يرى البعض أنها تهدف لإعادة التوازن في المنطقة لمواجهة الصين التى يُخشى من نفوذها وهيمنتها وحرصاً من إدارة الرئيس جو بايدن لتقوية العلاقات الأميركية مع دول آسيان. ويرى مواطنو جنوب شرقي آسيا أن العلاقة الأميركية مع دولهم لا تزال ضعيفة ومختزلة في الصراع الأميركي الصيني، كما يتوقع أن يأخذ ملف الصين وخلافاتها مع دول المنطقة حيزاً كبيراً من النقاشات والنقاط المطروحة على أجندة اللقاء بين الجانب الأميركي والدول الآسيوية الثلاث المستضيفة.
حضور ترمبي متواضع
اتُهمت إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب بتهميشها منطقة جنوب شرقي آسيا سياسياً، إذ تغيب ترمب عن قمة رابطة آسيان التي كان حضرها سلفه باراك أوباما طوال فترة حكمه، وترك ترمب مساحة كبرى للصين اقتصادياً، فبلغة الأرقام تنامت العلاقة الاقتصادية بين الصين ودول جنوب شرقي آسيا في السنوات الأخيرة الماضية.
ورغم وجود وزير الدفاع الأميركي الأسبق في اجتماعات "آسيان+" خلال السنوات الأربع السابقة والمشاورات الدائمة مع مسؤولي دول جنوب شرقي آسيا، فحضوره كان لافتاً في اجتماعات أمنية مع وزراء دفاع آسيان في فيتنام في أكتوبر (تشرين الأول) 2017. كما حرص، مارك إسبر، الذي خلف جيمس ماتيس في إدارة ترمب على حضور الاجتماع في 2019 بالعاصمة التايلاندية بانكوك.
كما توالت زيارة أول وزير دفاع في عهد ترمب ماتيس لفيتنام مرتين في 2018، تلتها زيارة لإندونيسيا التقى فيها وزيرة الخارجية، وأكد في زيارته قوة العلاقات الاستراتيجية بين واشنطن وجاكرتا. إلى جانب زيارة مارك إسبر العاصمة الفيتنامية هانوي في 2019.
ومع إعلان البنتاغون عن الزيارة المرتقبة لوزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، إلى دول جنوب شرقي آسيا الثلاث "فيتنام، وسنغافورة، والفيليبين"، تصبح هذه الزيارة الأميركية الثانية من مسؤول كبير في إدارة بايدن إلى منطقة جنوب شرقي آسيا. وسبقت جولة أوستن، زيارة نائبة وزير الخارجية، ويندي شيرمان، التي عقدت في مايو (أيار) الماضي جولة شملت "إندونيسيا، وتايلاند، وكمبوديا". كما كان من المفترض أن يقود وزير الدفاع الأميركي الحالي وفداً إلى منتدى حوار "شانغريلا" للأمن الآسيوي، الذي أُلغي للمرة الثانية بسبب تفشي وباء كورونا في المنطقة، بحسب ما ذكره منظمو المنتدى الأمني السنوي.
جولة متأخرة
غير أن بعض المراقبين يرون الجولة الأميركية لآسيان جاءت متأخرة بعض الشيء، حيث عقد وزير الدفاع الأميركي اجتماعات مرتين في أوروبا، وزار اليابان، وكوريا الجنوبية، والهند. فهناك تلكؤ من قبل إدارة بايدن في زيارة الأرخبيل، في حين أنه من المفترض أن تسعى واشنطن لتعزيز نفوذها السياسي في الإقليم.
فيما وصف مهتمون بالشؤون الآسيوية إدارة بايدن واهتمامها بالمنطقة بـ"دون المأمول" وأن الإدارة الأميركية الجديدة لم تقدم كثيراً لآسيان ولجنوب شرقي آسيا، فلم تظهر بوصلتها السياسية وأجندتها الخاصة بتوجه الولايات المتحدة في المنطقة بعيداً عن محاولات الإدارة الأميركية لضم الإقليم لصفها في منافسة الصين - الولايات المتحدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول الأكاديمي تشارلز دانست، المتخصص في السياسات الصينية وسياسات جنوب شرقي آسيا، إن اختزال الإقليم في الصراع الأميركي الصيني يبعث برسالة ضعيفة إلى مواطني آسيان. كما أن إدارة بايدن لم تختر حتى الآن سفراء لها في "آسيان، وبروناي، وإندونيسيا، والفيليبين، وسنغافورة، وتايلاند"، وأصبحت هذه المناصب فارغة لمدة أطول من تلك الخاصة بإدارة ترمب السابقة. ويشير المحللون إلى حاجة إدارة بايدن لإقناع دول جنوب شرقي آسيا بأهمية الولايات المتحدة كقائد إقليمي والفائدة التي تقدمها لهم.
"التنين" يترقب
وفقاً للبيان الرسمي من الحكومة الأميركية، فإن الجولة الأميركية في جنوب شرقي آسيا تعكس الأهمية التي توليها إدارة بايدن - هاريس لمنطقة جنوب شرقي آسيا ودورها الكبير في بناء استراتيجية المحيط الهادي - الهندي، إلى جانب التزام واشنطن الثابت تجاه المنطقة وتأكيدها التمسك بالقواعد الدولية في الإقليم ودعمها محورية منطقة آسيان.
ومن المتوقع أن يكون لدور الصين وخلافاتها حيز كبير من النقاشات والنقاط المطروحة على أجندة اللقاء بين الجانب الأميركي والدول الثلاث المستضيفة، بخاصة مع الخلافات المتزايدة بين فيتنام والفيليبين في الآونة الأخيرة في منطقة بحر الصين الجنوبي، والتي وصلت إلى استنكار وزارة الخارجية الفيتنامية في يونيو الماضي للممارسات الصينية وانتهاكها السيادة الفيتنامية في جزر سبراتلي ببحر الصين الجنوبي.
كما أقدمت الفيليبين على اعتراض دبلوماسي ضد الصين في مايو الماضي، بعد تصاعد الخلاف بين الجانبين نتيجة لوجود عدد من الزوارق والسفن الصينية في النطاق الجغرافي الفيليبيني في منطقة بحر الصين الجنوبي.
وتشير التحليلات إلى أن الزيارة الأميركية رفيعة المستوى هدفها تقوية العلاقات والتحالف مع الإقليم لمجابهة التوسع الصيني في بحر الصين الجنوبي. وأن لقاء وزير الدفاع مع المسؤولين في فيتنام والفيليبين سيركز على التعاون داخل رابطة آسيان لصد التدخلات الصينية البحرية في المنطقة إلى جانب اقتراح مزيد من التعاون بين خفر السواحل في الولايات المتحدة وآسيان لمواجهة استخدام الصين ما يسمى نزاعات المنطقة الرمادية أو الحرب الهجينة والأنشطة التي وُصفت من جانب دول النزاع في بحر الصين بالعدائية، والتي مارستها الصين ولا تزال كبناء الجزر الاصطناعية في المناطق المتنازع عليها إلى جانب التأكيد على حرية الملاحة في المنطقة. وأوضح المنسق في مجلس الأمن القومي، كورت كامبل، أنه من أجل تحقيق استراتيجية أميركية آسيوية فعالة لا بد من فعل المزيد وتوطيد العلاقة مع جنوب شرقي آسيا.
فيما توقعت مجلة "فورين بريف" المختصة في الأبحاث السياسية وتحليل المخاطر الجيوسياسية أن وزير الدفاع الأميركي سيعمل في سنغافورة على كسب دعم البلاد بعيداً عن الصين كي تصبح سنغافورة أكثر قرباً من موقف آسيان تجاه الاعتداءات الصينية.
فيما ذكرت وسائل إعلام سنغافورية أن خطاب وزير الدفاع الأميركي ومحاضرته المرتقبة في البلاد في 27 يوليو (تموز) الحالي ستكون محط اهتمام لكثير من المحللين في المنطقة.
الفيليبين واتفاقية القوات المشتركة
ويعتقد أن هناك سعياً حثيثاً من واشنطن لتقوية العلاقات مع مانيلا، كونها المحور الرئيس للزيارة الأميركية، حيث تأمل إدارة بايدن في بقاء اتفاقية الدفاع والقوات الزائرة مع الجانب الفيليبيني التي دخلت حيز التنفيذ عام 1999، كما أقرت وزارة الخارجية في عهد بايدن 2.6 مليار دولار في صفقة أسلحة مرتقبة مع الفيليبين التي وصفت باللفتة الترحيبية من واشنطن لإدارة دوتيرتي للتقرب بين الإدارتين.
فيما أوضحت وزارة الدفاع الفيليبينية أن اتفاقية القوات الزائرة بين الفيليبين والولايات المتحدة الأميركية قد قُدمت إلى الرئيس رودريغو دوتيرتي للتوقيع عليها. وأوضح وزير الدفاع الفيليبيني، دلفين لورينزانا، أن ملف اتفاقية القوات الزائرة ومعاهدة الدفاع المتبادل والتباحث حول العلاقات الثنائية الأوسع بين البلدين على طاولة النقاش مع نظيره الأميركي، كما سيشمل الحوار الوضع المتوتر في بحر الفيليبين الغربي الممتد من بحر الصين الجنوبي.
وترتبط الفيليبين مع الولايات المتحدة الأميركية باتفاقية القوات الزائرة منذ عقدين من الزمن، والتي بموجبها تكلف القوات الأميركية في الفيليبين بشكل أساسي بمحاربة الإرهاب ولكن الفيليبين ألغت الاتفاقية بشكل أحادي العام الماضي بالتزامن مع رفض واشنطن تأشيرة أحد النواب الفيليبينيين في عهد ترمب، فيما أجلت الفيليبين قرار الانسحاب من الاتفاق لستة أشهر كمناورة سياسية من جانب مانيلا.