رفوف فارغة في محلات السوبرماركت، تحذيرات من الشراء المذعور، البحث عن موظفين – فجأة يبدو أننا نتوجه مجدداً نحو الفوضى التي وسمت الأيام الأولى لجائحة كوفيد-19 العام الماضي، لكن من دون الإغلاق.
ففي اللحظة نفسها التي توقعنا فيها العودة إلى شكل من أشكال الوضع الطبيعي، يعطل المزيج من حالات العدوى المتزايدة و"جائحة التطبيقات المراسلة" في مجال الإشعارات بوجوب العزل الذاتي الاقتصاد ككل.
وحين يصبح هذا كله من التاريخ، لا شك في أننا سننظر في الحكمة من وراء نظام للمتابعة والتتبع يستطيع المستخدمون جعله غير صالح من خلال وقفهم إياه أو تجاهلهم في الواقع قواعد العزل الذاتي. لكن الآن يلقي شح العمالة غمامة على التعافي [يعيقه]. فالناس قد يرغبون في الخروج إلى مطعم، لكن إذا كان المطعم مغلقاً بسبب مراسلة [تنبيه وتحذير من مخالطة مصاب] في شأن كوفيد، لن يستطيعوا ذلك.
بيد أنها غيمة [مشكلة] تحمل بعض الإيجابيات، إذ يبدو أن العمالة ستظل نادرة في المستقبل المنظور، ما يرفع الرواتب ويجبر أصحاب العمل على تعزيز الإنتاجية.
برز طلب كبير على الموظفين في مختلف قطاعات الاقتصاد خلال الأسابيع الماضية. وتجري "كاي بي إم جي" استطلاعاً شهرياً لوضع سوق العمل، ويشير التقرير الأخير الخاص بيونيو (حزيران) إلى "زيادة غير مسبوقة في تعيينات الموظفين الدائمين"، في حين "يتدهور توافر العاملين بوتيرة قياسية... ما يؤدي إلى زيادة أكثر حدة في الراتب الأولي". ويبدو أن النواقص شاملة إلى حد كبير، لكن قطاع الضيافة يبدو رازحاً تحت ضغط خاص.
لماذا يبرز هذا النقص في اليد العاملة، وما مآل الأمور؟
نحن إلى حد كبير في خضم النقص وهو سيستغرق بضعة أشهر حتى يستقر، لكن يمكن للمرء أن يرى بعضاً من أجزاء الإجابة على السؤال "لماذا؟" ثمة دور لبريكست هنا، مع قرار بعض مواطني الاتحاد الأوروبي العودة إلى بلدانهم وعدم العودة إلى هنا، أقله ليس الآن. وهناك التعطل الأعم، مع قرار أشخاص تغيير مهنهم، أو العودة إلى مقاعد الدراسة، أو ربما تمضية مزيد من الوقت في العناية بأطفالهم. وثمة أثر برنامج الإجازات المدفوعة الذي يُقلَّص الآن. لكن هذه المشكلة لا تقتصر ببساطة على المملكة المتحدة. ففي الولايات المتحدة هناك نواقص مماثلة في الموظفين مع انتعاش الطلب على العمالة هناك وتقلص المعروض في الوقت نفسه. ومن بين الأسباب يبرز كيف أن الجائحة شجعت الناس على رؤية توازن أفضل بين العمل والحياة. وبثت الإذاعة الوطنية العامة الشهر الماضي قصة حول كيف أن الجائحة غيرت ذهنيات الناس. فالعمل يتعلق بتسديد الفواتير، لكن إذا استطعتم خفض حجم هذه الفواتير، لا يعود عليكم العمل لساعات طويلة كما في السابق. وبالنسبة إلى الكثيرين، يمثل ذلك إعادة تفكير مهمة في كيفية تعامل المرء مع العالم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولا يستطيع أي منا أن يعرف طول مدة هذا التحول في الأولويات أو مدى عمقه. فما نعرفه هو أن الأجور، ولاسيما قرب الطرف الأدنى من سلاسل الرواتب، ترتفع. وفي الواقع ارتفعت بقوة العوائد البريطانية من ضريبة الدخل والتأمين الوطني الشهر الماضي – وهذا أحد الأسباب التي تجعل العجز هذه السنة يبدو أفضل مما كان متوقعاً لدى صدور الميزانية.
من الناحية الاجتماعية، هذا موضع ترحيب بالتأكيد. فنحن بحاجة إلى رفع مستوى الناس الواقعين في الطرف الأدنى من سلسلة الرواتب. وهذا جزء من الإيجابيات، لكن ثمة عنصر آخر. فالشركات تتعلم استخدام العمالة بفاعلية. لا تتوفر لدينا أرقام بعد، لكن، وفق ما يُقَال، هذا التحول كبير، ولاسيما في قطاع الضيافة. فالمطاعم تراجع طريقة عملها للعثور على طرق تقدم من خلالها التجربة الجيدة نفسها إلى الناس بواسطة موظفين أقل.
ويُعَد تبسيط قوائم الطعام طريقة رئيسية للتقدم، وهذا يحدث منذ ضربت الجائحة. مثلاً، تخفض قائمة طعام أقصر وقت الإعداد، وتجعل تدريب الموظفين أسهل، وتقلل من إهدار الطعام، وإذا وُضِعت بطريقة ذكية، يمكنها تحسين جودة الوجبة. وقد يعني تبسيط قائمة المشروبات أنكم في حاجة إلى موظفين أقل في الحانة – وفي الواقع، هل يريد الناس حقاً كوكتيلات معقدة في وقت يتزايد فيه تقدير الأصالة؟
هذا مجرد قطاع في الاقتصاد، على رغم أنه من القطاعات الأهم، لكن الفكرة تُكرَّر في مجال قطاعات الخدمات كله. كيف نستخدم ما تعلمناه من الإغلاق لنعمل في شكل أكفأ الآن مع العودة إلى نوع من الوضع الطبيعي؟
ثمة تفصيل إضافي. إذا كان من الصعب إقناع الناس بالعمل لديكم، فماذا تفعلون؟ الإجابة هي أن عليكم على الأرجح أن تدفعوا مزيداً من المال إلى الموظفين، لكن عليكم بالتأكيد جعل ظروف العمل ألطف. وعليكم التعامل مع الموظفين بمزيد من الإنصاف وعليكم السماح بأنماط عمل أكثر مرونة. ثمة غيوم سوداء ملبدة الآن، كما تذكرنا الرفوف الفارغة. لكن ثمة إيجابيات تلوح في الأفق [تبرز في المستقبل].
© The Independent