الإنسان السياسي الإثيوبي أظهره مشروع سد النهضة في تجاوب الإثيوبيين مع مشروعهم القومي تفاعلاً في الذود عنه، قادهم إلى أتون السياسة التي لم تكن مطروقة على المستوى الشعبي في عرف العامة، فضلاً عن التباري فيها على المستوى الخارجي.
فبقدر ما مثله المشروع من حق قومي جمع مشاعر وأطياف الإثيوبيين كان السد حافزاً سياسياً مهماً للحكومة استفادت منه مدعمة سياساتها فيما تواجهه من مصاعب، وما تلاقي في طريقها من تحديات.
فكرة قديمة
بدأ المشروع كفكرة قديمة، ظلت مغمورة في طيات الخطط المستقبلية تجاه حقوق مياه النيل، يرجعها البعض لما يُجاوز قرناً من الزمان. اندفعت لتحقيقها حكومة رئيس الوزراء الأسبق ملس زيناوي، وعمل المواطن على دعمها، وعندما تبلور المشروع واقعاً حقيقياً ظهر الولاء له دفاعاً وحججاً، تجلى فيها الإنسان الإثيوبي السياسي ببعديه المحلي والإقليمي.
البعد عن السياسة
جدل السياسة في إثيوبيا لم يكن ضمن واقع حياة الإثيوبيين إلى وقت قريب، وهذا يمثل بعداً حضارياً في دولة أفريقية ينشغل أهلها بالعمل ويتركون السياسة لمن يخدمها من أهلها، وفي حين لا تمثل السياسة سوى وسيلة، يرى الدارسون لحضارات الشعوب أن التخصصية في تعاطيها تصنف كميزة للمجتمعات المتحضرة.
قيمة الولاء
الواقع الإثيوبي الذي رافقه سد النهضة أظهر مؤشرات إيجابية، فرغم ما تواجه إثيوبيا من مشاكل الانحراف العرقي، فإن ذلك لم يُؤثر في قيمة الولاء لجملة مشروع سد النهضة مما يعطي مؤشراً على حالة صحية.
فظهرت قوة الدفع السياسي الشعبي في تصديق الحكومة، وبرز الإنسان السياسي بمجرد أخذ المشروع بعداً تنافسياً في مسألة المياه على المستوى الإقليمي، تجلى في الأخذ والرد بين متوجسي المشروع، ومؤيديه كمشروع مائي كغيره من سدود تُبنى في مجاري الأنهار، فاكتسبت وسائل الإعلام مادة غنية في الجدال والمناظرات.
أظهر الحوار السياسي في قضية سد النهضة حقائق لم تكن مدركة إذ بدا تمكن العديد من الإثيوبيين من اللغة العربية جلياً فكانوا وما زالوا يدافعون من خلالها فيدحضون الحجة بالحجة، من خلال لغة عربية رصينة أدهشت كثيرين.
هناك بعد مهم يراه المراقب عاملاً مساهماً في توسع رقعة الحوار الإقليمي، فإضافة لما لعنصر الماء من أهمية، يجمع نهر النيل، موقع السد والتنافس، ما يفوق 250 مليوناً من الموطنين على ضفافه، وأعطى الإعلام بمختلف أشكاله تغطيات شاملة للموضوع، استفاد فيها من تطور تكنولوجيا ميديا التلاقي على شاشات التلفزة، وثورة التواصل الاجتماعي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بلاط محرم
الإنسان السياسي الإثيوبي أخفته عصور ملكية امتدت آلاف السنين، "بلاط محرم طرقه بأقدام العامة"، وإثيوبيا التي أظهر سد النهضة البعد السياسي لإنسانها إذ كان يطأطئ مواطنها رأسه راكعاً يكاد يلامس الأرض عند مرور موكب الإمبراطور هيلا سيلاسي، والي عهد قريب جوقة الرئيس الإثيوبي السابق منغستو هايلي ماريام في الطريق العام!!
عامل السياسة في حركة المواطن الإثيوبي بقدر ما أظهره مشروع سد النهضة، كان له خلفياته في التحول الاجتماعي الكبير الذي شهدته الحياة الإثيوبية، أخيراً، إذ تمرد على الواقع فتأثر هو الآخر بالواقع الإقليمي أو كما عرف مصطلحاً بـ"الربيع العربي"، وتمثل في الاحتجاجات والمطالب التي أدت إلى تغيير نظام الحكم في مارس (آذار) 2018، وتغيير نمط الحياة السياسية الإثيوبية التي دخلتها مفردات الرفض.
يرى المراقبون أن ما أظهره مشروع سد النهضة تمثل في سياسة الحق القومي الذي أجمع عليه الإثيوبيون، ليظهر البعد القومي الوطني في الولاء. وإثيوبيا كخليط أجناس شتى، ظل التنافس فيما بينها هو الغالب على حياة أهلها.
تحديات لم يكن الخارج طرفاً فيها إلا نادراً، وإثيوبيا البلد الإفريقي الوحيد الذي لم يستعمر أرضه أجنبي (باستثناء الاستعمار الإيطالي لـ5 أعوام فقط).
سندات الألفية
كانت البداية السياسية لسد النهضة موفقة في ربط المشروع بالمواطن، مما أعطاه الولاء القومي. بدأته الحكومة بطرح سندات "سد الألفية" (الاسم السابق للسد) لتشارك كل فصائل الشعب الإثيوبي فيه بالبر والبرين، والدولار والدولارين.. لم تُحدد نسبة معينة، فجمع المشروع سواد المواطنين دون فرز، فبقدر تلك الاستثمارات المتنوعة في الإسهام نال ولاء قومياً. فحسبه أن المواطن الإثيوبي جزء منه، ونافح بصوته على وسائل الإعلام دفاعاً عنه، فظهر السياسي الإثيوبي على مستوى إقليمي، وهو السياسي الذي كان مختفياً على المستوى المحلي.