دقت ساعة الحقيقة لفئة واسعة من طلاب لبنان مع انطلاق امتحانات الشهادة الثانوية الرسمية، الاثنين 26 يوليو (تموز) الحالي. ويشكل هذا الموعد نهاية لماراتون الشد والجذب بين وزارة التربية والتعليم العالي من جهة، والهيئات الطالبية من جهة أخرى. فمنذ بدء العام الدراسي، يسود الغموض مصير الشهادة الرسمية. وكان لبنان على أكثر من موعد مع المطالبة بإلغاء الشهادة الرسمية، تارة بسبب انتشار جائحة كورونا، وطوراً لأسباب اقتصادية واجتماعية. فالبلاد تعيش حالة انهيار غير مسبوقة، تشكّل ضغطاً كبيراً على الاستقرار النفسي للطلاب وقدرة الصمود الاقتصادية وتأمين البيئة الملائمة لإجراء امتحانات عادلة بين المنتسبين إلى مدارس القطاعين العام والخاص، أو بين أبناء مناطق الأطراف التي تفتقر إلى شبكة اتصالات حديثة. بالتالي، كان مصير أبنائها "الحرمان من متابعة دروس الأونلاين" كبقية الطلاب في المناطق المدينية.
الطلاب قلقون
يستعد حوالى 43 ألف طالب لبدء مشوار امتحانات الشهادة الثانوية الرسمية، التي تشكّل نهاية مرحلة التعليم النظامي المدرسي وممراً إلزامياً نحو التعليم الجامعي. فبعد 12 عاماً على المتابعة الدراسية في المدارس، يخضع الطلاب لامتحان مفصلي. ويتوزع هؤلاء الطلاب على أربعة فروع، حوالى 22 ألف طالب، تنطلق امتحاناتهم صباح الاثنين، في فرعي علوم الحياة والعلوم العامة، بينما يستهلّها 21 ألف طالب في فرعي الإنسانيات والاقتصاد والاجتماع، صبيحة الثلاثاء 27 يوليو.
عام 2021، اجتمعت ظروف شتى في وجه الطلاب وذويهم، لذلك استمر هؤلاء بالرهان حتى اللحظة الأخيرة على فكرة مفادها بأن "الوزير سيلغي الشهادة الثانوية بقرار، وذلك على غرار ما حصل مع الشهادة المتوسطة" (البريفيه). واندفع الطلاب نحو الشارع للتظاهر والتعبير عن مخاوفهم، مقدمين حججاً مختلفة، منها أنهم "لم يحصلوا على التعليم الكافي والوافي ضمن الصفوف"، ومنها أنهم لم يتمتعوا بفرص متساوية في التعليم عن بعد". ويؤكد بعض الطلاب أنهم لم يتمكنوا من متابعة الصفوف عن بعد بسبب عدم امتلاك التجهيزات اللوجستية. فإحدى الطالبات تشير إلى أنه "في المنزل، هناك جهاز واحد، وفضّلت متابعة إخوتها الصغار الدروس على حسابها، على أمل التعويض عند العودة إلى التعليم الحضوري"، ولكن فترة الأسابيع الثلاثة بعد العودة الحضورية لم تكن كافية لتحصيل مضامين المنهاج الرسمي.
وشكّل "الخوف على صحة الأهل" أحد أسباب القلق لدى الطلاب، إذ تناقل هؤلاء بصورة يومية التزايد المستمر لأعداد الإصابات بمتحورة "دلتا" التي قاربت 800 حالة عشية انطلاق الامتحانات، وترافق ذلك مع تحذيرات صادرة عن الجهات الصحية الرسمية من "بدء موجة ثالثة" من الوباء. إلى ذلك، شكّل "طابور البنزين" سبباً إضافياً لتوتر أعصاب الطلاب، الذين يخشون عدم الوصول في الوقت المناسب إلى مراكز الامتحانات التي يبعد بعضها 50 كيلومتراً عن أماكن إقاماتهم. ولا ينسى المرشحون الحديث عن "انقطاع الكهرباء" الذي يجتمع مع عوامل أخرى في عرقلة جهودهم نحو الظفر بالشهادة الثانوية.
أخطاء في طلبات الترشيح
فاقمت الأخطاء المادية في طلبات الترشيح مخاوف الطلاب، إذ يخشى البعض منهم من الوصول إلى مراكز الامتحان صباحاً ليجدوا أن أسماءهم غير مدرجة ضمن القوائم. إحدى الطالبات تؤكد أنها تواجه الحيرة بسبب خطأ فادح "على البطاقة أُدرج مركز امتحانات في منطقة مختلفة عن النطاق الجغرافي الذي تقع فيه المدرسة". وتشتكي طالبة أخرى على مجموعة طلاب لبنان من أنها كانت تتابع التحصيل في فرع علوم الحياة، فيما جاء توزيعها على الطلب على فرع الاقتصاد والاجتماع. وهو أمرٌ أصرّت على رفضه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فيما امتنعت مجموعة من المدارس الخاصة عن تسليم طلبات الترشيح لطلابها الذين لم يسددوا كامل أقساطهم بسبب الأوضاع الاقتصادية. وحاولت وزارة التربية استدراك هذا الأمر، فأعلنت فتح أبواب الدوائر التربوية في المناطق من أجل منحهم بطاقات ترشيح بديلة. وتؤكد أمل شعبان، رئيسة دائرة الامتحانات في وزارة التربية، أن الوزارة تقف إلى جانب الطلاب، وأن الوزير سيمنح موافقة استثنائية للطالبة التي أُعطيت بطاقة اقتصاد واجتماع بدلاً من علوم الحياة. وتوضح شعبان أن "الوزارة لا تتحمل المسؤولية، لأنها التزمت البيانات التي وصلت إليها من المدرسة، كما أن الطالبة تابعت في العام المنصرم التعليم في الصف الثاني ثانوي إنسانيات والمرسوم يمنعها من دراسة الثالث ثانوي علمي". ولكن، أمام إصرار الطالبة، سيوقّع وزير التربية قراراً استثنائياً يتيح لها التقدم للشهادة الثانوية الفرع العلمي.
الأساتذة مترددون
لا يختلف الوضع على ضفة الأساتذة، يعيش هؤلاء حالة من التردد بالمشاركة في أعمال الشهادة الرسمية، فالبعض امتنع لأسباب صحية، فيما آخرون وجدوا عدم تكبّد عناء المراقبة والتصحيح لقاء بدل مادي ضئيل. وأمام خفوت همة الأساتذة، حاولت وزارة التربية تشجعيهم من خلال "الاتفاق مع وزارة المالية على منح المراقب مبلغ 10 دولارات فريش، إضافة إلى بدل النقل عن يوم العمل في الشهادة الرسمية". وبحسب التعديل الجديد، يتقاضى رئيس المركز 110 آلاف ليرة (حوالى 6 دولارات) عن يوم العمل الواحد، والمراقب العام 95 ألف ليرة (حوالى 5 دولارات)، أما المراقب ضمن الغرفة، فيحصل على 80 ألف ليرة (حوالى 4 دولارات) يومياً.
كذلك، رفع بدل التصحيح بنسبة 60 في المئة، وتراوح البدل بين 3250 ليرة (حوالى دولار ونصف) للمسابقة التي مدتها ساعة واحدة، و8500 (حوالى 4 دولارات) ليرة للمسابقة التي تبلغ مدتها ثلاث ساعات. وبالرغم من مضاعفة بدلات المراقبة والتصحيح، لا يمكن الحديث عن تصحيح نظام التعويضات على نحو عادل في ظل انهيار العملة الوطنية، وبلوغها مستوى 20 ألف ليرة مقابل الدولار.
الوزارة مستعدة
أصرّت وزارة التربية على إجراء الامتحانات الرسمية، وكانت عرضة لكثير من الانتقادات بسبب الموقف الصلب الذي اعتمدته في مواجهة المطالب بإلغائها ومنح إفادات. تسلّحت الوزارة بالحفاظ على مستوى الشهادة اللبنانية، وبأن هناك جامعات ترفض استقبال طلاب الإفادات. في الفترة الماضية، حاولت الوزارة تكييف مناهج الصفوف الثانوية مع ظروف التعليم المدمج، وأخضعتها لجملة تعديلات وإلغاء عدد من الوحدات التعليمية لتتلاءم مع مدة التعليم.
مع تثبيت الامتحانات الثانوية، تشعر وزارة التربية أنها كسبت الرهان. وتؤكد شعبان أن "الوزارة على أتم الجاهزية لبدء الامتحانات الرسمية، وأنجزت الإجراءات اللوجستية"، ويتم العمل لتذليل عراقيل اللحظات الأخيرة من قبيل "تبديل المراقبين بسبب إصابة البعض بكورونا أو لطارئ ما، وتقديم مساعدات للطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين لم يعلنوا سابقاً عن حاجتهم إلى مساعد، إضافة إلى تزويد بعض المراكز بالمازوت". وسبق أن تجاوزت أزمة فقدان الورق والحبر، إضافة إلى المستلزمات الوقائية الصحية لمراكز الامتحانات من معقمات وكمامات.
تعتقد شعبان أن مواعيد النتائج لن تتأخر، لأن الوزارة عدّلت بدلات التصحيح لمصلحة الأساتذة، وكذلك وعد الوزير بتقديم 10 دولارات للمصحح. وتوضح كيفية التعاطي مع "الطلاب المصابين بكورونا، إذ سيخضع هؤلاء لامتحان استلحاقي ربما يكون ضمن الدورة الثانية التي تحدد عادة بعد نحو شهر من الدورة الأولى، كما يمكن إجراء امتحانات خاصة بهم إذا ارتأت الوزارة ذلك".
ويؤكد عدد من المراقبين العامين أنهم لم يخضعوا لفحص pcr، ولم يتم التحقق من حصولهم على جرعتَي اللقاح. هذه المسألة تجيب عنها شعبان التي تتحدث عن "إجراء الفحوص لأعضاء اللجان الفاحصة الذين يقع على عاتقهم وضع المسابقات، وكذلك الذين يتولّون طباعة المسابقات، أما بالنسبة إلى الطلاب الذين لديهم عوارض كورونا، فطلبت منهم الوزارة إجراء فحوص في مراكز خاضعة لوزارة الصحة والموزعة على الأراضي اللبنانية". أما في ما يتعلق بالمراقبين، فألزمتهم الوزارة بارتداء الكمامات والحفاظ على التباعد الاجتماعي.