تأثر قطاع السكن في تونس بالأزمة الاقتصادية والمالية التي تعرفها البلاد منذ نحو عقد من الزمن، ما جعل القطاع العقاري على وشك الانهيار بسبب تراجع مبيعات الشقق والمنازل نتيجة لانخفاض القدرة الشرائية للتونسيين وصعوبة نفاذهم إلى القروض البنكية، في ظل ارتفاع نسبة الفائدة البنكية.
وبحسب بيانات الغرفة الوطنية للعقاريين التونسيين، فقد شهد القطاع أزمة حادة بسبب ارتفاع تكاليف بناء المساكن وتراجع القدرة الشرائية مقابل غلاء أسعار المنازل، ما خفض عدد الوحدات السكنية الجديدة من معدل 20 ألفاً عام 2010 إلى نحو 3 آلاف في السنوات القليلة الماضية.
وقبل عام 2011، كان التونسيون يفتخرون بأن نحو 80 في المئة من الشعب يمتلك منزله بسبب السياسات الاجتماعية التي كانت معتمدة لتسهيل اقتناء الشقق والمنازل بالضغط على التكلفة مع تيسير النفاذ إلى القروض البنكية، الأمر الذي تغير جذرياً في العقد الماضي.
انشغال وحيرة
وعبر فهمي شعبان، رئيس الغرفة الوطنية للعقاريين، عن انشغاله وحيرته من مستقبل هذا القطاع الذي يشغل أكثر من مليون يد عاملة ويسهم في تنشيط الدورة الاقتصادية.
وأكد في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن العقاريين والمواطنين أضحوا يعيشون وضعاً اقتصادياً متردياً منذ عام 2012، أثر بدوره على هذا القطاع الذي عرف طفرة واضحة قبل 2011 من أبرز تجلياتها ظهور مناطق سكنية كبيرة وراقية في كل جهات البلاد تقريباً، أسهمت في تنشيط الدورة الاقتصادية والنسيج الصناعي وكل القطاعات المرتبطة بالحركة العقارية.
وتابع، "ولكن، مع الأسف، اليوم يعيش هذا القطاع أحلك فتراته، وأضحى مستهدفاً من طرف الحكومات التي قادت البلاد بعد الثورة".
وكشف شعبان عن أن من نتائج سياسات تدمير القطاع العقاري وصول معدل سعر الشقة إلى 142 ألف دولار.
ارتفاع أسعار العقارات
وسجل المؤشر العام لأسعار العقارات في تونس خلال الربع الأول من عام 2021 ارتفاعاً بنسبة 7 في المئة، وذلك مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية، حيث سجلت أسعار الشقق ارتفاعاً بنسبة 6 في المئة (+7.7 في المئة كمعدل مسجل خلال السنوات الست الماضية)، وأسعار المنازل بنسبة 14.4 في المئة، والأراضي المعدة للسكن بنسبة 6.2 في المئة، وفق بيانات المعهد الوطني للإحصاء (حكومي).
دراسة تشخيصية للقطاع
وأصدرت الغرفة الوطنية للعقاريين التونسيين في أبريل (نيسان) الماضي نتائج دراسة حول التغيرات التي عرفها القطاع، أظهرت أن من أهم أسباب تراجع نشاط البناء وبيع الشقق والمنازل يعود إلى التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومن أهمها تأثير انكماش الاقتصاد وتراجع قيمة الدينار، وارتفاع تكلفة مواد البناء على غرار بقية المواد، إلى جانب ارتفاع أجور العمالة والارتفاع المتتالي لنسبة الفائدة المديرية للبنك المركزي من 4 إلى 7.8 في المئة في بعض الفترات.
وخلصت الدراسة إلى أن التوجهات الاقتصادية للحاكمين بعد 2011، وقلة درايتهم ومعرفتهم واتباع الحلول السهلة، والتي ترتكز على إثقال كاهل المواطن والباعث العقاري بالضرائب والجباية، أسهمت في تدمير القطاع العقاري.
ومن أهم السياسات الخاطئة، وفق التقرير، رفع الدعم نهائياً عن الطاقة، إلى جانب الارتفاع الجنوني لأسعار مواد البناء الأساسية والمواد المرتبطة بها بثلاثة أضعاف منذ 2011، فضلاً عن خيار تحرير أسعار الأسمنت الذي اتخذ من دون الرجوع إلى أهل الاختصاص.
نتائج الانهيار
ويوفر القطاع العقاري وكل القطاعات المرتبطة به أكثر من مليون وظيفة. ووفق بيانات الغرفة الوطنية للباعثين العقاريين، فإن أكثر من 300 مهنة ونشاط ترتبط بقطاع الحركة العقارية، كان لها دور كبير في تحريك الدورة الاقتصادية وتنمية موارد الدولة وإيجاد حلول اقتصادية.
وحذر شعبان من إمكانية وصول سعر المتر المربع الواحد إلى نحو 2140 دولاراً، مقابل 892 دولاراً حالياً، بسبب ارتفاع التكاليف وسعر الفائدة البنكية.
أمل جديد
وسعت الحكومة الحالية إلى إيجاد حلول عملية من خلال اقتراحها لقانون الإنعاش الاقتصادي وتسوية مخالفات الصرف.
وتضمن القانون الذي صادق عليه البرلمان في 12 يوليو (تموز) الحالي، فصولاً جديدة تنص على تمكين التونسيين من الحصول على قروض بفائدة 3 في المئة ومدة سداد تصل إلى 40 عاماً ومن دون اشتراط التمويل الذاتي بالنسبة إلى المسكن الأول الذي لا تتجاوز قيمته 179 ألف دولار.
واعتبر شعبان الإجراء المتعلق بالمسكن الأول ثورياً، موضحاً أنه قرار جاء لإنقاذ القطاع من الانهيار وفتح أبواب أمل جديد أمام التونسيين لتحقيق حلمهم بامتلاك مسكن.
وقال إن أهمية القانون تكمن في تقليصه نسبة الفائدة التي تصل حالياً إلى حدود 12 في المئة، ما سيؤدي إلى انخفاض الاقتطاع الشهري لمقتني المنزل إلى حدود النصف، أي إن التونسي الذي يقتني مسكناً بحدود 70 ألف دولار بنسبة اقتطاع شهري تعادل 430 دولاراً، سيدفع بعد تطبيق القانون 214 دولاراً، وهي أقل من قيمة إيجار الشقق اليوم.
نجاعة تطبيق القرار
وعن القدرة على تطبيق هذا القرار على أرض الواقع وإمكانية عدم الاستجابة من طرف البنوك، استبعد شعبان هذه الفرضية، مؤكداً أن الإجراء الجديد سيكون ذا فائدة لكل الأطراف بما فيها البنوك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما أنه إجراء سيحرك الاقتصاد الوطني من دون تكلفة كبيرة من العملة الصعبة على غرار القروض الخارجية، وهو ما دفع بالحكومة إلى وضعه ضمن قانون الإنعاش الاقتصادي.
وشدد على أن الغرفة النقابية للعقاريين ستشارك في صياغة النصوص الترتيبية لهذا القرار، وأنها ستكون بالمرصاد لأي تجاوزات قد تحيد به عن أهدافه الجوهرية وضمان نجاحه.
ودعا شعبان إلى ضرورة دخول هذا القانون حيز التنفيذ في أقرب الآجال، خصوصاً أن موسم الصيف هو الفترة التي تتم فيها شراءات وبناء المساكن الجديدة.
تمليك الأجانب
وجدد الدعوة لإلغاء العمل بالأمر العلي المؤرخ في 4 يونيو (حزيران) 1957 القاضي بحصول الأجانب على رخصة من المحافظ لتملك العقارات والمنازل في تونس.
وكشف عن أنه طلب من رئيس الحكومة هشام المشيشي إلغاء الرخصة، وكان عند وعده عبر تنقيحه، مستدركاً "إلا أننا ما زلنا ننتظر مصادقة البرلمان على هذه المسألة".
وشدد على أن إلغاء رخصة المحافظ سيخلق ما يسمى السياحة السكنية للتسويق للوجهة التونسية كبلد يستطاب فيه العيش والاستثمار ويمكن استغلال مقومات أخرى، مثل السياحة الاستشفائية لتشجيع الأجانب وغير المقيمين على تملك العقارات وبعث مشاريعهم في تونس.
وكانت حكومة يوسف الشاهد أقرت إجراء يتيح لليبيين والجزائريين تملك الشقق والمنازل، من دون الجنسيات الأخرى.