أصدر الرئيس التونسي، قيس سعيد، جملة من المراسيم الرئاسية التي تهدف إلى إرساء الأمن والاستقرار في البلاد، تضمنت منع سير الأشخاص والعربات في توقيت محدد، وتنقل العربات بين المدن خارج أوقات منع التجول، وتجمع ما يزيد على ثلاثة أشخاص في الطرق العامة والساحات، مع ضمان استمرار سير المرافق الحيوية طبقاً للأحكام الموضوعة، ما زاد من قلق الملاحظين الاقتصاديين الذي استشرفوا تعميق هذه الإجراءات للأزمة الاقتصادية في البلاد، بالإضافة إلى ما سبق من قرارات متخذة من قبل الرئيس سعيد بتجميد نشاط البرلمان وحل الحكومة، والتي أثرت بدورها على المؤشرات المالية في تونس بسرعة قياسية، والحال أن البلاد تعاني ركوداً اقتصادياً غير مسبوق بسبب الأزمات الاقتصادية والصحية، ومن شأن هذه الإجراءات شل الحركة التجارية نهائياً، وفق تقديرهم، كما لم ترفق القرارات الإجرائية بتراتيب ضامنة لسير قطاعات الاقتصاد، وتدابير لحماية نشاطه.
الحقوق الاقتصادية
ووصف رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة (منظمة الأعراف)، سمير ماجول، الوضع الاقتصادي في البلاد بالحساس والدقيق، داعياً إلى ضرورة التزام مختلف القوى السياسية والمجتمعية بالسلم والمحافظة على الأمن والممتلكات العامة والخاصة، آملاً أن يوفق القائمون على مؤسسات الدولة بإرساء حوار جدي ومسؤول للبحث عن حلول للأزمة الاقتصادية العميقة التي تعيشها البلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أضاف ماجول أنه نبّه من تدهور المؤشرات الاقتصادية والمالية الأساسية وتداعياتها الخطيرة على الجميع، ودعا إلى مراجعة النظام السياسي والقانون الانتخابي، وبعض أحكام الدستور تجنباً لحالة الشلل الاقتصادي التي عاشتها تونس، كما نبّه إلى ضرورة حماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والفردية لكل التونسيين بعيداً عن منطق تصفية الحسابات أو الانتقام أو التشفي، وأعرب عن مساندته الفئات التي تضررت من هذه الأوضاع.
ضرب ثقة المستثمرين
وقال الاقتصادي نادر حداد، بدوره، إن القرار السياسي البحت للرئيس سعيد قد يزيد الضبابية السائدة في ما يخص الأوضاع الاقتصادية، ما ينذر بمزيد من التدهور في الاستثمار والعملة، يتوقع معه، أيضاً، انخفاض ثقة المستثمرين في السوق التونسية كنتيجة حتمية لعدم الاستقرار السياسي، وينطبق هذا الوضع على المستثمرين التونسيين والأجانب معاً، والحال أن نسبة الاستثمار لا تتجاوز 13 في المئة في الأشهر الستة الأولى من عام 2021، علماً بأن نسبة الاستثمار من الناتج المحلي الإجمالي لم تتجاوز 1.7 في المئة عام 2020، وهي تسير نحو التراجع عام 2021، ما يعني الانهيار، الأمر الذي من شأنه أن يعوق التنمية التي تتراوح نسبتها نحو ثلاثة في المئة، سلبية، حالياً، وهي مرجحة للانخفاض في النصف الثاني من العام الحالي.
هروب رؤوس الأموال
ويتوقع أن يؤدي انتظار التسوية السياسية النهائية في تونس إلى تراجع صافي دخول رؤوس الأموال الخارجية، وهي تشكو أصلاً من تراجع مهم في الأشهر الستة الأولى من عام 2021 لتبلغ 811 مليون دينار (289.6 مليون دولار) فقط مقابل خمسة مليارات دينار (1.78 مليار دولار) عام 2020. وتوقع حداد خروج رؤوس الأموال، لأن تونس دخلت رسمياً في مرحلة "عدم اليقين" "uncertainty".
لذلك، تابع حداد، فإن العواقب ستكون وخيمة في حال عدم تقديم الرئيس سعيد ضمانات للسوق المالية، ورزنامة واضحة للمتعاملين في السوق.
أموال الفاسدين
وفي سياق متصل، اعتبر الاقتصادي عبدالجليل البدوي، أن الأمر غير المفهوم هو عدم إرفاق الإعلان عن القرارات من قبل رئيس الجمهورية، بالخطوات العريضة التي سيقع اعتمادها لمواجهة الأوضاع الاقتصادية والصحية، وبخاصة منها المالية.
وكان من المفترض ألا ينحصر الأمر على تجميد نشاط البرلمان، بل يجب الاعتماد سريعاً على برنامج وآليات تهم الأولويات، والإمكانات، التي سيتم تسخيرها وتعبئة الموارد الداخلية، مثل القيام بالإصلاح الجبائي أو مقاومة الفساد بأكثر صرامة أو مصادرة أموال الفاسدين وتسخيرها للميزانية العمومية. وحذر البدوي من أنه في حال استمرار غياب برنامج واضح وعملي، فعندها لا يمكن تطوير المؤشرات الاقتصادية المنهارة.
مخزون العملة
وسط هذه الأجواء، يظل انخفاض مخزون العملة الصعبة الشبح المخيم على السوق المالية في تونس وفق الاقتصادي غازي معلى، الذي لفت إلى أن الاستثمارات الجديدة المحلية أو الخارجية هي الضامنة لملء الموارد الخارجية من العملة الصعبة، وهي تشكو من التراجع منذ فترة، وتكاد تتوقف الآن بالنظر للمعطيات السياسية المستجدة، ما يؤثر في المدى المتوسط، وبطريقة غير مباشرة، على الدينار التونسي، وقد فقدت العملة التونسية 40 في المئة من قيمتها في السنوات الأخيرة.
لكن تراجع نسق الدفوعات بعنوان الصادرات وغياب الاستثمار يهددان بمزيد من الانزلاق، كما أن هناك تخوفاً من ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية بسبب اعتماد الاقتصاد التونسي على الاستيراد، والتزود بالمواد الأولية وجزء كبير من السلع الجاهزة من الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يرفع حتماً في نسبة التضخم التي توقع البنك المركزي التونسي أن تتجاوز 5.3 في المئة نهاية عام 2021.