امتد ارتداد الزلزال السياسي في تونس سريعاً إلى جارتها ليبيا أكثر من نظائرها المجاورة، إذ تتشابه الظروف والتركيبة السياسية في البلدين، بالإضافة إلى عناصر الأزمة فيهما بين تيارات الإسلام السياسي والمعارضين له، الأمر الذي جعل التفاعل داخل ليبيا أوسع، وخلق حالة من التباين في ردود الفعل على إجراءات الرئيس التونسي قيس سعيد تجميد البرلمان وإقالة الحكومة، بين مهلل لها وناقم عليها يصفها بالانقلاب على الدستور والثورة.
حالة الاصطفاف والانقسام في تقييم المشهد التونسي أثارت مخاوف واسعة من ارتداد سياسي في ليبيا، ومسار العملية السياسية الجارية لحل أزمتها، وترقب انعكاسات الخلافات بين مؤيدي الرئيس التونسي ومناصري حزب النهضة على الوفاق الهش أصلاً بين الأطراف الليبية، وجولاتها التفاوضية التي تخوضها على أكثر من مسار سياسي وأمني.
تفاعل كبير
ما إن أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد إجراءاته الطارئة والمفاجئة لمعالجة الأزمة السياسية المتفاقمة في بلاده بتجميد البرلمان وإقالة الحكومة، مع حزمة قرارات أخرى تفاعلت مع حراك الشارع المحلي الناقم على الأوضاع السياسية في بلاده، حتى توالت ردود الفعل من الأطراف السياسية في ليبيا على هذه الإجراءات على اختلاف مشاربها وتوجهاتها.
هذه الردود الصادرة من ليبيا اختلفت مضامينها بوضوح بين طرابلس وبنغازي، فبينما أثارت حنق تيارات الإسلام السياسي التي يتركز نشاطها في العاصمة وما حولها من مناطق غرب البلاد، والتي استنكرت إجراءات الرئيس التونسي، قوبلت هذه القرارات في بنغازي بترحيب واسع وسيل من الثناء، واعتبرت أنها استجابة لنبض الشارع التونسي.
أول المعلقين في ليبيا على التطورات التونسية المتسارعة، كان رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، العضو السابق في جماعة الإخوان المسلمين الليبية، الذي احتج على قرارات الرئاسة التونسية، دون أن ينسى استخدامها في الهجوم على الخصم اللدود في الشرق القائد العام للجيش المشير خليفة حفتر، مشبهاً ما يحدث في تونس اليوم، بما حدث في ليبيا في فبراير (شباط) عام 2014 عندما أعلن حفتر انطلاق عملية الكرامة العسكرية. وقال المشري على حساباته الرسمية في مواقع التواصل، "ما أشبه الليلة بالبارحة 14 فبراير 2014 انقلاب حفتر و25 يوليو (حزيران) 2021 انقلاب قيس سعيد". وأضاف "نرفض الانقلابات على الأجسام المنتخبة وتعطيل المسارات الديمقراطية مثلما يحدث في تونس".
في المقابل، رحب قائد الجيش في الشرق خليفة حفتر، بـ"انتفاضة الشعب في تونس ضد زمرة الإخوان الذين أنهكوا تونس ونهبوا مقدراتها"، واعتبر في تصريحات مقتضبة أن "ما اتخذه الرئيس التونسي قيس سعيد من قرارات جاء استجابة لإرادة الشعب"، متطلعاً إلى أن "تسهم في انطلاق تونس نحو تحقيق أماني شعبها في مستقبل زاهر، بعد قضائهم على أهم عثرة في طريق تطورها".
أول تعليق رسمي
وفي أول تعليق رسمي من السلطات الليبية على الأحداث الجارية في تونس، قال عضو المجلس الرئاسي، موسى الكوني، "نراقب بقلق ما يجري في تونس، وندعو جميع الأطراف للاحتكام إلى لغة الحوار"، وتابع، في بيان أصدره المجلس الرئاسي، أن "المجلس يراقب بقلق شديد الأوضاع في تونس، ويدعو جميع الأطراف لحل الخلافات عبر التواصل"، مؤكداً أن "ما يحدث في تونس يمثل بالنسبة إلى ليبيا أهمية كبرى، باعتبار التجربة التونسية امتحاناً مهماً للديمقراطية في المنطقة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
انعكاس على المسار السياسي الليبي
واتفقت آراء كثير من المحللين في ليبيا على أنه ستكون هناك تداعيات كبيرة للتطورات السياسية في تونس على مسار العملية السياسية في جارتها الشرقية، متوقعين أن تسهم في تشدد مواقف الأطراف السياسية الليبية، وزيادة زعزعة الثقة بينها في مفاوضاتها الخاصة بالقوانين المنظمة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، إذ سيتمسك ممثلو الإسلام السياسي في مجلس الدولة بموقفهم الرافض انتخاب الرئيس من الشعب والاستفتاء على الدستور قبل التوجه إلى صناديق الاقتراع، والعكس تماماً في شرق البلاد حيث البرلمان والجيش.
وعبرت الأطراف المتمسكة بالاستفتاء على الدستور قبل الانتخابات والانتخاب غير المباشر للرئيس مراراً عن تخوفها مما تصفه بتغول الرئيس المنتخب على السلطات الأخرى، أو ما عبر عنه رئيس مجلس الدولة خالد المشري بـ"انتخاب ديكتاتور جديد".
وربط كثير من الآراء بين اللقاء الصاخب الذي جمع رئيس مجلس الدولة خالد المشري، والمبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، أمس الاثنين، وما يجري في تونس، التي تمسك فيها المشري بضرورة الاستفتاء على الدستور قبل التوجه إلى الانتخابات، وهو الموقف الذي يتوقع أن يتمسك به مجلس الدولة أكثر من ذي قبل بعدما حدث ويحدث في تونس.
في السياق، وصف عضو هيئة الدستور، ضو المنصوري، أن عدم الاستفتاء على الدستور قبل انطلاق العملية الانتخابية سيخلق حالة ليبية مشابهة لنظيرتها التونسية مستقبلاً، وأضاف "اجتماعات لجنة مجلس النواب في روما لمناقشة مشروع قانون انتخاب مجلس النواب ورئيس الدولة، عبارة عن استكمال للحلقة الأخيرة من المؤامرة التي ستفضي إلى نظام نيابي مختل التوازن، ومن دون ضوابط دستورية، وهو ما سيدخل البلاد في نفق لا خروج منه".
وتابع، "ما حدث في تونس سببه عدم اتباع القواعد الحاكمة، وهي المحكمة الدستورية للفصل في التنازع بين السلطات، والنزاع القائم حولها من أطراف السلطة الثلاثة، الذي كان السبب في الأزمة القائمة حالياً، وتدل في مؤشراتها على أنها ستتفاقم، إذ يُؤسس لــ(ديكتاتورية بثوب ديمقراطي)، وهو ما يراد استنساخه في ليبيا من خلال إهمال مشروع الدستور الصادر عن هيئة منتخبة من الشعب".
تداعيات أمنية محتملة ودعوة للحياد
من جانبه، توقع رئيس حزب الائتلاف الجمهوري والمحلل السياسي، عز الدين عقيل، أن "يزداد تنظيم الإخوان في ليبيا تغولاً وعنفاً عقب أحداث تونس"، وأشار في تصريحات صحافية إلى أن "ما جرى في تونس سيزيد القتال في ليبيا عبر الإسلام السياسي بكل جيناته، فلن يضعفهم بل سيزيد عنفهم".
ومع تزايد الانقسام في مواقف الأطراف السياسية الليبية حول المستجدات في تونس، طالب عضو مجلس الدولة، بلقاسم قزيط، بأن "ينأى كل السياسيين الليبيين بأنفسهم عن الإدلاء بأي رؤية أو تقييم للأحداث الأخيرة التي شهدتها تونس، فما يحدث فيها شأن داخلي تونسي، ولا يمكننا إلا أن نتمنى السلامة والاستقرار لتونس والشعب التونسي الشقيق". وحث كل السياسيين في ليبيا، على أن "يحتفظوا بآرائهم وتقييماتهم، وأن يتركوا الشعب التونسي يحدد خياراته ومصيره".