صدر، أمس الخميس، قرار تجميد البرلمان التونسي ورفع الحصانة عن النواب، في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية (الجريدة الرسمية)، مع النص على إمكانية التمديد في مدة التجميد، وهو ما يعني احتمال عدم عودة البرلمان بشكله الحالي إلى النشاط، بعد أن فتحت النيابة العمومية عدداً من التحقيقات القضائية، ضد بعض النواب والأحزاب السياسية، بتهم تتعلق بالفساد وبتلقي تمويلات من الخارج.
ويرجح متابعو الشأن العام في تونس، احتمال انتهاء البرلمان بتركيبته الحالية، والذهاب إلى انتخابات تشريعية مبكرة. فأي مصير ينتظر مجلس نواب الشعب المنتخب بنحو ثلاثة ملايين صوت؟ وما مصير القوانين التي صادق عليها في حال انتهى وجوده استناداً إلى أحكام قضائية باتة ونهائية؟
فرضيات عديدة
أستاذ القانون والباحث في القانون الدستوري، رابح الخرايفي، أكد في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن رئيس الجمهورية، قيس سعيد، سيجد نفسه أمام عدة فرضيات، أولها عند انتهاء مدة تجميد البرلمان التي حددها بـ30 يوماً، فيتم التمديد بـ30 يوماً إضافية، وفق ما نص عليه الفصل 80 من الدستور، مع وجود قراءة أخرى لهذا الفصل تشير إلى أن التمديد يمكن أن يكون مفتوحاً، وعند انتهاء هذا التمديد فإن رئيس الجمهورية قد يستند إلى حالة الطوارئ، طبق الأمر المؤرخ في 26 يناير (كانون الثاني) 1978، والتي مدد فيها بستة أشهر، أي إلى يناير 2022، بالتالي يتواصل تمديد تجميد البرلمان إلى هذا التاريخ.
وفي هذه الحالة، إذا أصدر القضاء أحكاماً بإبطال نتائج الانتخابات التشريعية لسنة 2019، استناداً إلى تقرير محكمة المحاسبات، خاصة أن الأبحاث في هذا الشأن متقدمة يصبح البرلمان في حكم "المعدوم"، وكأنه لم يوجد أصلاً، على أساس الفصل 163 من قانون الانتخابات الذي يسقط القوائم الانتخابية التي تتلقى تمويلات أجنبية.
أما الفرضية الثانية، فتقوم على إعداد مشروع قانون مؤقت لتنظيم السلطات، يتضمن كل ما جاء به دستور يناير 2014، من ضمان للحريات والحقوق الأساسية واستقلال القضاء وتفريق السلطات ومدنية الدولة والنظام الجمهوري، وفي المقابل يتم توحيد السلطة التنفيذية بيد رئيس الجمهورية بحكم التدابير الاستثنائية، ووضع آليات رقابية بيد البرلمان لمراقبة رئيس الدولة.
والسيناريو الثالث، يعود البرلمان إلى العمل، بعد التمديد الثاني بشهر إضافي، إلا أنه يعود بشروط جديدة وفي ظروف مختلفة عما كان عليه.
القوانين تبقى نافذة
وبخصوص مصير جميع الأعمال التي صادق عليها البرلمان، من قوانين ومعاهدات ومنح مالية قبضها النواب، في حال صدور الأحكام القضائية التي تدين المجلس، فإنها تبقى سليمة ونافذة، وفق المختص في القانون الدستوري، على الرغم من أنه تم تشريعها من قبل مجلس ثبت أنه "غير شرعي"، مبرراً ذلك بالاستقرار القانوني وقرينة السلامة والبراءة، التي توفرت في أعمال المجلس.
وعاب الخرايفي على رئيس البرلمان راشد الغنوشي دعوته إلى النزول الشارع، واصفاً ذلك "بالمحرقة" لتونس، وداعياً رئيس الجمهورية إلى التسريع في وضع خريطة طريق واضحة، والإعلان عن اسم رئيس الحكومة الجديد، والبدء في مشاورات تشكيلها.
القضاء في حاجة إلى إنابات دولية
في غضون ذلك، تباينت مواقف النواب إزاء الوضعية الراهنة للبرلمان، واعتبر نعمان العش، النائب عن التيار الديمقراطي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن تجميد البرلمان سيكون مبدئياً لمدة شهر قابلة للتمديد، مشيراً إلى احتمال تغير الوضع داخل البرلمان، إثر فتح تحقيقات قضائية ضد عدد من النواب والأحزاب.
وأضاف العش أن البرلمان قد يصبح في هذه الحالة أكثر مصداقية، مشيراً إلى أن هذه القضايا لا يمكن حسمها خلال شهر، بل تتطلب أشهراً، وقد يحتاج القضاء التونسي إنابات عدلية دولية لإثبات التهم الموجهة إلى بعض الأحزاب الفائزة في الانتخابات التشريعية الأخيرة، والتي تلقت تمويلات خارجية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد أن التيار الديمقراطي طالب رئيس الجمهورية بخريطة طريق متكاملة تشمل كل المسارات (الحكومة والبرلمان)، مشدداً على ضرورة تجانسها من أجل مصلحة تونس.
من جهته، يقول النائب المستقل المنجي الرحوي، إن وضعية تجميد المجلس أفضل بكثير، بعد أن "أحكمت طغمة حاكمة قبضتها على التونسيين إمعاناً في اضطهادهم من خلال احتكار ومركزة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بيدها، وبالوسائل الدنيئة اعتماداً على الابتزاز والرشوة والضغوط والمحسوبية".
في المقابل، دعا الغنوشي، في تصريح صحافي، إلى حوار وطني، مبدياً استعداد حركة النهضة إلى "أي تنازلات من أجل إعادة الديمقراطية"، ملوحاً باللجوء إلى الشارع، "للدفاع عن ديمقراطيته ولفرض رفع الإقفال على البرلمان".
ويشار إلى أن وحدات من الجيش التونسي تطوق مبنى البرلمان وعدداً من المؤسسات الحيوية، منذ إعلان سعيد التدابير الاستثنائية.
أغلب التونسيين يساندون رئيس الجمهورية
من جهة أخرى، كشف معهد "إمرود كونسيلتنغ" لاستطلاعات الرأي، عن أن 86 في المئة من التونسيين يساندون قرارات رئيس الجمهورية الاستثنائية، بينما عارضها ستة في المئة فقط من المستجوبين، الذين تراوحت أعمارهم بين 18 عاماً وما فوق، وينتمون إلى كل أطياف المجتمع، من حيث التركيبة الديموغرافية. وشمل الاستطلاع عينة من 900 شخص، ينتمون إلى 24 ولاية (محافظة)، بما فيها المدن والأرياف.
ويستثمر سعيد حالة التأييد الشعبي والسياسي للقرارات الاستثنائية التي اتخذها، خاصة تجميد عمل البرلمان، إلا أن التعجيل في وضع خريطة طريق واضحة المعالم للفترة المقبلة واتخاذ إجراءات جديدة في شأن الحكومة وتسيير شؤون الدولة باتت أموراً ملحة لتفادي حالة الفراغ التي تمر بها البلاد منذ نحو أسبوع.