يبدو أن الجزائر وجدت السبيل للخروج من اقتصاد الريع، بعد أن ارتفعت صادراتها غير النفطية خلال السداسي الأول للعام الجاري بنسبة 95.55 في المئة، وبقدر ما تسعد هذه الأرقام السلطات، تثير "قلق" الاتحاد الأوروبي الذي يستعد لمفاوضات تجديد اتفاق الشراكة.
وبين تراجع أسعار النفط وأزمة جائحة كورونا تنقسم تفسيرات المتخصصين حول تصاعد منحى الصادرات غير النفطية، وفي حين يتفق الجميع على أن الأزمة الاقتصادية والمالية التي تضرب البلاد أهم أسباب اللجوء إلى تنويع الصادرات وإعادة إحياء قطاعات ومنتوجات كانت إلى وقت قريب منسية، في محاولة لإيجاد الحلول للوضعية الصعبة، ترى أطراف أن الإجراءات التحفيزية والمشجعة على الإنتاج المحلي وعلى التصدير أعطت حيوية للصناعيين من أجل إنعاش الدورة الاقتصادية بعيداً عن الاتكال على ارتفاع أسعار النفط من أجل اللجوء إلى الاستيراد.
وأشارت وزارة التجارة إلى أن قيمة الصادرات غير النفطية بلغت خلال السداسي الأول للعام الجاري 2.03 مليار دولار، أي بارتفاع مضاعف مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي 2020، إذ بلغت 1.04 مليار دولار.
وأضافت الوزارة "تمثل الصادرات خارج المحروقات حصة قدرها 12.38 في المئة من إجمالي صادرات البلاد في النصف الأول من العام الحالي"، موضحة أن من بين أهم المواد المصدرة، الأسمدة المعدنية والكيميائية الآزوتية بقيمة 618 مليون دولار، والحديد والصلب الجزائري بـ370 مليون دولار، والمواد الكيميائية غير العضوية بـ343 مليون دولار، والمواد الغذائية بـ287 مليون دولار، والمصنوعات المعدنية بـ141 مليون دولار.
اقتراح أوروبي
بالمقابل، قدمت المفوضية الأوروبية مقترحاً لأعضائها للموافقة عليه يخص اتفاق الشراكة مع الجزائر الموقع عام 2002 ودخل حيز التنفيذ عام 2005 يكون كوثيقة "شراكة مؤقتة" لغاية اعتماد اتفاق جديد بين الطرفين، إذ يهدف إلى توفير إطار ملائم للحوار السياسي بين الجزائر والاتحاد الأوروبي من أجل تقوية العلاقات بين الطرفين والتعاون في جميع المجالات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب الاتحاد الأوروبي فإن تطوير المبادلات بين الطرفين يضمن بروز علاقات اقتصادية واجتماعية متوازنة بينهما، وتحديد شوط التحرير التدريجي لمبادلات السلع والخدمات ورؤوس الأموال، وتحفيز المبادلات الإنسانية خصوصاً في إطار الإجراءات الإدارية، وتشجيع الاندماج المغاربي من خلال تشجيع المبادلات والتعاون بين الجزائر والدول الأعضاء في الاتحاد.
ومن أجل تفادي فجوات محتملة بين انتهاء أولويات الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر واعتماد أولويات جديدة، أشار المقترح إلى أنه من مصلحة الطرفين تمديد الأولويات الحالية للشراكة حتى اعتماد إطار أولويات جديد.
مراجعة الاتفاق "المجحف"
وفي السياق، يعتبر أستاذ الاقتصاد، أحمد الحيدوسي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن الحكومة ترى في تقييمها اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الذي كان من المفروض أن ينتهي في2017 ثم مُدد لثلاث سنوات أخرى، إجحافاً في حقهاً، بدليل أن صادرات الجزائر غير النفطية تجاه هذا الفضاء لم تتجاوز مليار دولار سنوياً طيلة 15 عاماً، أي أنها لم تتجاوز 15 مليار دولار في المجمل، في حين أن واردات الجزائر من الاتحاد الأوروبي خلال هذه المدة قاربت على 700 مليار دولار، وهذا ما يشكل عجزاً كبيراً في الميزان التجاري لصالح الطرف الآخر، وقال "صحيح أن الجزائر معروف عنها أنها لا تتنصل من الالتزامات والاتفاقات الدولية، لكن هذا لا يمنع من إعادة النظر في هذه الاتفاقية بما يخدم الطرفين وفق مبدأ (رابح - رابح)"، مشيراً إلى أن الظروف التي وقعت فيها هذه الاتفاقية تختلف عن الظروف الحالية.
ويتابع الحيدوسي، "الجزائر كانت ترى في الاتفاقية أنها طوق نجاة بعد الأزمة التي عاشتها في التسعينيات والحصار غير المعلن في تلك الفترة، وكذلك بالنسبة إلى قوة وحجم الاتحاد الأوروبي في حوض المتوسط، غير أن المنطقة عرفت تغييرات عميقة بظهور لاعبين جدد في الساحة الاقتصادية، ما يحتم على الاتحاد تقديم بعض التنازلات في بعض بنود الاتفاقية، وعلى الطرف الجزائري أن يحسن التفاوض حولها"، مبرزاً أن الشاهد اليوم على حجم الاستثمارات الأوروبية في الجزائر خارج قطاع المحروقات يجده ضعيفاً جداً طيلة تلك الفترة، وأوضح أن الاتحاد الأوروبي ينظر إلى السوق الجزائرية على أنها لتصريف منتجاته فقط، وبالتالي على الطرف الجزائري المفاوض أن يحسن كسب الأوراق فيما يخص رفع حجم الاستثمارات الأوروبية ونقل المعارف التكنولوجية.
مطالب متواصلة
وكان وزير الشؤون الخارجية السابق، صبري بوقدوم، قد شدد خلال الاجتماع الـ12 لمجلس الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، الذي عقد نهاية عام 2020، برئاسته مناصفة مع الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، أن "هناك إرادة للحوار بين الجزائر والاتحاد الأوروبي حول اتفاق الشراكة الذي يربط الطرفين منذ 2005"، مؤكداً أن مراجعته يجب أن توازن بين مصالح الجانبين، وأكد أن المفاوضين الجزائريين يعون نقائص الاتفاق، بخاصة في جانبه التجاري، ملحاً على ضرورة تصحيح الاختلال في حالة وجوده، وأخذ كل التدابير لمراجعة هذا الاتفاق على أساس قاعدة التوازن.