أجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان اتصالاً هاتفياً بنظيره الجزائري رمضان العمامرة، تباحثا خلاله مستجدات القضايا الإقليمية والعلاقات الثنائية بين بلديهما.
وقالت الخارجية السعودية في بيان لها إن الاتصال جاء قصد تهنئة رئيس الدبلوماسية في البلاد زميله الجزائري بتولي مهماته الجديدة، وأنه أعرب عن "تطلعه للعمل معه في سبيل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، بما يحقق مصالح البلدين والشعبين الشقيقين، كما جرى خلال الاتصال بحث التطورات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك".
وكانت السعودية بين أوائل الدول العربية التي تفاعلت مع الملف التونسي، إذ قادت رحلة وزير خارجيتها إلى مقابلة مع الرئيس التونسي قيس سعيد الذي أطلق حملة ضد الفساد السياسي والمالي في بلاده، طالت تجميد البرلمان وملاحقة مئات من رجال الأعمال والسياسيين المتهمين بالضلوع في الأزمة الخانقة التي تعيشها البلاد.
وسوى الملف التونسي والليبي القديم المتجدد المثيران لاهتمام البلدين، ربط عدد من المعلقين عبر وسائل التواصل الاجتماعي محادثات الوزيرين كذلك بملف العلاقات المغربية – الجزائرية، التي شهدت توتراً متزايداً هذا العام، قبل أن يعلن الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة الذكرى الـ 22 لتوليه العرش أخيراً رغبته في طي ملف الخلاف مع جارته التي وصفها بـ "التوأمة لبلاده".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال، "نجدد الدعوة الصادقة لأشقائنا في الجزائر للعمل سوياً من دون شروط، من أجل بناء علاقات ثنائية أساسها الثقة والحوار وحسن الجوار، ذلك لأن الوضع الحالي لهذه العلاقات لا يرضينا، وليس في مصلحة شعبينا، وغير مقبول من طرف العديد من الدول، فقناعتي أن الحدود المفتوحة هي الوضع الطبيعي بين بلدين جارين وشعبين شقيقين، بخاصة أنه لا الرئيس الجزائري الحالي ولا حتى الرئيس السابق ولا أنا، مسؤولين على قرار الإغلاق، ولكننا مسؤولون سياسياً وأخلاقياً على استمراره أمام الله وأمام التاريخ وأمام مواطنينا".
عمل مشترك في الساحة الدولية
لكن الوزير الجزائري العمامرة لم يزد على مضمون بيان الخارجية السعودية، إذ اكتفى بالقول عبر حسابه في "تويتر"، إنه تلقى " اتصالاً هاتفياً للتهنئة من زميلي وأخي الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله آل سعود، استعرضنا خلاله العلاقات المميزة والروابط التاريخية الراسخة بين الجزائر السعودية، كما تبادلنا وجهات النظر حول مستجدات الأوضاع في المنطقة وآفاق تعزيز العمل المشترك على الساحتين العربية والإسلامية".
إلا أن الباحث السياسي الجزائري بومدين بوزيد أكد أن الاتصال الهاتفي الذي تم أمس جاء "ضمن مساعي اللقاءات السابقة والمشاورات بين خارجيتي البلدين بخصوص الوضع في المنطقة، بخاصة في تونس التي دعت السعودية إلى عدم التدخل في شأنها الداخلي وهي الرؤية الجزائرية نفسها، وتم تبادل وجهات النظر حول مساعي الجزائر الأخيرة في تهدئة الأوضاع بين مصر وإثيوبيا، وحل مشكل سد النهضة إلى جانب المسألة الليبية التي تحظى باهتمام البلدين منذ بداية الأزمة".
وأضاف، "أما بخصوص تجديد المسعى من أجل حل أزمة العلاقة بين المغرب والجزائر فأعتقد أن المرحلة الحالية ليست بحجم أزمات تونس وليبيا وسد النهضة، ولكن إيمان المملكة العربية السعودية قوي في القناعة بكونها تملك قوة اقتراح ومساعي دبلوماسية مميزة من أجل حل الخلاف المغربي – الجزائري".
التراشق وقصة الوساطة الأولى
وكان التراشق الإعلامي بين المغرب والجزائر لا يزال قائماً حتى بعد المبادرة من جانب ملك المغرب، مما دفع إلى الاعتقاد بأن السعودية التي تربطها علاقات تاريخية بالجانبين يمكنها أن تعيد تحريك وساطتها القديمة، لتخفيف حدة التوتر بين العاصمتين المغاربيتين في أقل الأحوال، إذ كانت الرياض قد قامت بدور مماثل في ثمانينيات القرن الماضي، أنهى آثار حرب دامية بين الجارتين في ذلك الحين.
وفي مناسبة سابقة في العاصمة السعودية، كشف الباحث الجزائري محمد عبدالمؤمن عن الدور الذي لعبته تلك الوساطة في نزع فتيل البغضاء قائلاً، "إن الأزمة السياسية بين البلدين كادت أن تعصف بهما إلى الهاوية، وأسهمت في توتر العلاقة بين الشعبين على الرغم من روابط الدين والأخوة".
وكان من آثار تلك المصالحة التاريخية التي كانت إثر خلاف وتباين حول الموقف المغربي والجزائري من قضية الصحراء ونزاع حدودي إنهاء تلك القطيعة وعودة العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء وفتح الحدود، وإلغاء فرض تأشيرة بين الشعبين الشقيقين، وإرساء مشاريع اقتصادية مشتركة وغيرها.
وأضاف، "بدأ الملك فهد وضع أولى لبنات المصالحة التاريخية خلال تنظيم مؤتمر القمة الإسلامية الثالث والمنعقد في شهر رمضان عام 1987 بمكة المكرمة، حيث شهد مصافحة زعيمي البلدين أمام باب الكعبة المشرفة، وأظهر الطرفان تجاوباً كبيراً تقديراً لدوره التاريخي، كما استكمل الملك فهد تلك المصالحة عبر عقد لقاء مشترك بين الحسن الثاني والشاذلي بن جديد في خيمة نصبت على الحدود بين البلدين عام 1989، وفتحت صفحة جديدة بعد قطيعة طويلة الأمد".
واعتبر أن "الشعب الجزائري والمغربي لا ينسى هذا الدور التاريخي الذي قام به الملك فهد، كما لا ينسى الجزائر دور السعودية في دعم ثورة تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي إبان عهد الملك سعود، حيث قاد الملك فيصل حينها حملة دعم موسعة شملت تخصيص مبلغ للثورة يقتطع من موازنة الحكومة السعودية، إلى جانب القيام بحملات تبرعات موسعة والدفاع عن حق الشعب الجزائري في الأمم المتحدة، ومفاوضة القوى الكبرى العالمية".