في ما يبدو رسالة شديدة اللهجة إلى الصين، أرسلت عدة قوى دولية، بينها الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا، سفناً حربية إلى بحر الصين الجنوبي، في إطار سلسلة من التدريبات العسكرية المشتركة مع دول المنطقة، وهو ما أثار استهجان بكين وتحذيرها، وسط نزاع إقليمي ودولي بشأن السيادة وحرية الملاحة في البحر الواقع جنوب شرقي آسيا.
فبعد أيام من زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، إلى نيودلهي، أعلنت وزارة الدفاع الهندية، الاثنين، أن الهند سترسل فرقة عمل من أربع سفن حربية إلى بحر الصين الجنوبي في عملية نشر تستمر لمدة شهرين وستتضمن تدريبات مع شركاء المجموعة الرباعية الولايات المتحدة واليابان وأستراليا.
ووفق بيان وزارة دفاع الهند، فإن السفن الحربية ستغادر الهند، خلال أيام، من دون تحديد موعد المغادرة. وستشارك فرقة العمل، التي تضم مدمرة صاروخية موجهة وفرقاطة صواريخ موجهة، وكورفيت مضاد للغواصات وكورفيت صواريخ موجهة، في سلسلة من التدريبات خلال فترة النشر التي تستغرق شهرين، بما في ذلك مناورات مالابار 2021 البحرية مع الولايات المتحدة واليابان وأستراليا.
وذكر البيان أن السفن الحربية الهندية ستعمل في تدريبات ثنائية أخرى، أثناء الانتشار، مع وحدات بحرية من الدول المطلة على بحر الصين الجنوبي، بما في ذلك سنغافورة وفيتنام وإندونيسيا والفيليبين مشيراً إلى أن هذه المبادرات البحرية تعزز التآزر والتنسيق بين البحرية الهندية والدول الصديقة، على أساس المصالح البحرية المشتركة والالتزام تجاه حرية الملاحة في البحر.
نشاط عسكري مكثف
وخلال الأسابيع القليلة الماضية، شهد بحر الصين الجنوبي نشاطاً عسكرياً مكثفاً لسفن الدول الكبرى التي تسعى لتحدي سيطرة الصين على البحر، الذي تقدر ثرواته بنحو 11 مليار برميل من النفط الخام و190 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، وفق مجلس العلاقات الخارجية الأميركية. إذ أثارت مطالبات الصين بالسيادة على مساحات شاسعة من البحر، وإقامة نقاط عسكرية على جزر صناعية، استياء دول عدة مطلة، بينها الفيليبين وماليزيا وبروناي وفيتنام، التي من المفترض أن تتشارك ثروات الممر المائي بموجب اتفاقية الأمم المتحدة للبحار لعام 1982.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتؤكد الولايات المتحدة أن الدول المطلة على بحر الصين الجنوبي، وهو طريق رئيس للتجارة البحرية العالمية ومنطقة غنية بالموارد الطبيعية، تتمتع بحرية الملاحة عبر المناطق الاقتصادية الخالصة في البحر، وفق ما تنص عليه اتفاقية الأمم المتحدة، كما أنها ليست مطالبة بإخطار بكين بأنشطتها العسكرية. والأسبوع الماضي، أكد وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، لسنغافورة أن مطالبات بكين المتزايدة في بحر الصين الجنوبي "لا أساس لها في القانون الدولي".
وللمرة الأولى منذ نحو عقدين، أرسلت ألمانيا سفينة حربية، الأحد، تمر عبر بحر الصين الجنوبي، حيث أبحرت الفرقاطة العسكرية "بايرن" البالغ طولها 139 متراً وعلى متنها أكثر من 200 جندي، من ميناء فيلهلمسهافن في مهمة مدتها ستة أشهر لتعزيز الوجود الألماني في المنطقة إلى جانب حلفائها، خصوصاً الأميركيين.
ففي حين تتحفظ ألمانيا على الانخراط عسكرياً على الصعيد العالمي، قالت وزيرة الدفاع الألمانية أنغريت كرامب كارينباور قبل إبحار السفينة (بايرن)، أن مهمة البعثة الألمانية تهدف إلى الإسهام في استقرار المنطقة واحترام القانون الدولي، معتبرة أن "الأمن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ هو أمننا أيضاً" ووصفت المهمة بأنها "خطوة كبيرة وإيجابية".
وأرسلت بكين تحذيراً لألمانيا، إذ طالبتها بتوضيح نواياها من إرسال الفرقاطة العسكرية لتمر عبر بحر الصين الجنوبي. ووفق صحيفة "ساوث تشينا مورنينغ بوست"، فإن الخارجية الصينية قالت، إنها لن تسمح للسفينة بزيارة ميناء شنغهاي ما لم تقدم برلين معلومات كاملة عن أهداف ونوايا الرحلة.
والأسبوع الماضي، عبرت مجموعة حاملة الطائرات البريطانية الهجومية "أتش أم أس كوين إليزابيث"، بحر الصين الجنوبي الذي تبلغ مساحته 1.3 مليون ميل مربع، حيث تتواجد حالياً في الممر المائي من أجل تدريبات تتعلق بحرية الملاحة وتدريبات مع دول أخرى في المنطقة، وهو ما أثار انزعاج بكين التي اعتبرت الخطوة "خطيرة للغاية" وتهدد بتدهور العلاقات المتوترة بين البلدين. واتهمت وسائل الإعلام الصينية المملكة المتحدة بمحاولة إعادة إحياء "أيام مجد الإمبراطورية البريطانية".
وفي فبراير (شباط) الماضي، قامت غواصة فرنسية بدورية أسفل البحر وكثفت الولايات المتحدة من وجودها في الأشهر الأخيرة، ففي استعراض للقوة ضد المطالب الصينية، تنفذ البحرية الأميركية بانتظام ما يسمى بعمليات "حرية الملاحة" عبر تسيير سفن قرب بعض الجزر المتنازع عليها في المياه.
الهند شريك رئيس
وفيما وضعت واشنطن المواجهة مع الصين في صميم سياستها للأمن القومي، وتسعى جاهدة إلى حشد شركاء في مواجهة ما تقول إنها سياسات سيطرة صينية بالقوة القسرية على صعيد السياسات الاقتصادية والخارجية، فإنها تجد في الهند قوة آسيوية وشريكاً رئيساً في الجهود المبذولة للتصدي للنفوذ الصيني. وتشكل الولايات المتحدة والهند جزءاً من المجموعة الرباعية، التي تضم أيضاً اليابان وأستراليا، بهدف التعامل مع القوة الاقتصادية والعسكرية المتنامية للصين.
وفي تعليق لشبكة "سي أن أن"، قال الزميل الباحث لدى كلية "أس راغارتنام" للدراسات الدولية في سنغافورة، المتخصص في الشؤون البحرية، كولين كوه، إن الانتشار الهندي، هو "العرض الأكثر وضوحاً للوجود البحري الهندي في الشرق من مضيق ملقا". لكنه استبعد أن تهدف السفن الهندية لأي مواجهة، أو أن تقوم بعمليات حرية الملاحة بالقرب من الجزر التي تطالب بها الصين في بحر الصين الجنوبي.
وأشار كوه إلى أنه مجرد وجود السفن الهندية في بحر الصين الجنوبي سيكفي لتحقيق أهداف نيودلهي الاستراتيجية المتمثلة في الإشارة إلى عزمها الاستمرار في التواجد في غرب المحيط الهادئ.
وتوترت العلاقات بين الهند والصين العام الماضي بعد اشتباك مميت بين القوات البرية من البلدين المتجاورين، على الأراضي المتنازع عليها في جبال الهمالايا، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 20 جندياً هندياً وأربعة جنود صينيين. ومنذ الحادث، سعت الهند إلى إعادة تأكيد الروابط مع المجموعة الرباعية.
وفي مارس (آذار) الماضي، أكدت المجموعة على ضرورة "ضمان أن منطقة المحيطين الهندي والهادئ يمكن الوصول إليها، ويحكمها القانون الدولي والمبادئ الأساسية مثل حرية الملاحة والحل السلمي للنزاعات، وأن تكون البلدان جميعها قادرة على اتخاذ خياراتها السياسية الخاصة، بدون إكراه"، وهو ما تطرق له بيان الهند.