أحدث ظهور المدير العام السابق لشركة "سوناطراك" البترولية الحكومية، بمطار الجزائر الدولي، وهو مكبل اليدين، صدمة لدى الشارع أكثر من خبر تسليم المتهم من طرف دولة الإمارات، الأمر الذي فتح جدلاً واسعاً حول وضعية حقوق الإنسان في البلاد.
صور تطغى على المشهد
وطغى الحديث حول تعاطي السلطات مع المدير السابق عبد المؤمن ولد قدور، على المشهد في الجزائر، وسيطرت الصور على القنوات والصحف أكثر من الاهتمام بالخطوة، وهو يدخل مطار الجزائر الدولي مكبل اليدين ومحاصراً بمجموعة من رجال الأمن وهو في وضعية "دهشة وحياء"، وهي المشاهد التي علق عليها الحقوقيون بـ"سقوط أخلاقي على كل المستويات أمنياً وإعلامياً وقضائياً في التعامل مع ولد قدور".
ويأتي تسلم الجزائر من دولة الإمارات العربية المتحدة، الرئيس المدير العام السابق لشركة "سوناطراك"، بموجب مذكرة توقيف دولية صادرة ضده على ذمة قضايا فساد، إذ يتابع بتهم تتعلق بتبديد أموال عامة، وإساءة استغلال الوظيفة، ومنح امتيازات غير مستحقة، ولعل من بين الملفات المهمة التي سيجري السماع له فيها وهو يمثل أمام عميد قضاة التحقيق للغرفة الأولى لدى القطب المالي والاقتصادي لمحكمة "سيدي امحمد" بالعاصمة الجزائر، قضية ما يعرف بـ" سوناطراك 2"، وكذلك "مصفاة أوغوستا" الإيطالية.
وفي السياق، يعتبر الناشط السياسي، صادق أمين، أن جلب ولد قدور الهارب "بهرجة إعلامية"، وقال في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إن "الطريقة الاستعراضية لعملية التسليم لم تحفظ الحقوق القانونية والأخلاقية للمتهم عند تسليمه وتقديمه إلى وسائل الإعلام، بخاصة أن التسليم لا يعتبر إنجاز الجزائر، على اعتبار أنه اعتمد أساساً على الاتفاقية الثنائية بين الجزائر وأبوظبي الخاصة بتسليم المطلوبين"، مضيفاً أن "تقديم ولد قدور إلى العدالة لا أرى أنه سوف يسهم في ردع المسؤولين الفاسدين أو يلبي مطالب سكان الولايات الجنوبية المطالبين بالتوظيف العادل في شركات المجمع البترولي"، وشدد على أن قضية ولد قدور منعزلة، ولن توقف وتيرة الفساد والمحسوبية وسوء التسيير الذي يشل تطور معظم المؤسسات الاقتصادية الحيوية.
احترافية في العلاقات الدولية
بالمقابل، يرى أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، بريك الله حبيب، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن "الخطوة تتسم بالاحترافية في العلاقات الدولية، وهذا ليس بالجديد على الدبلوماسية الجزائرية التي أضحت اليوم قوة إقليمية ودولية لا يستهان بها، بخاصة في الآونة الأخيرة، حين زاد الطلب على الوساطة الجزائرية من أجل حل الكثير من الأزمات العربية - العربية وحتى المشاكل الداخلية لبعض دول الجوار"، وأبرز أن "العدالة سوف تأخذ مجراها في تطبيق القانون، وستضرب بيد من حديد كل الذين يحاولون الإضرار بالاقتصاد، واختلاس المال العام".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
توقيف بعد فرار
وجرى توقيف ولد قدور، في 20 مارس (آذار) الماضي، بمطار دبي، واحتجزته الشرطة لوجود اسمه في النشرة الحمراء للشرطة الدولية "الإنتربول"، لكن أطلق سراحه بكفالة مع منعه من مغادرة الإمارات، إذ كان قد غادر في وقت سابق فرنسا حيث يقيم مع أفراد عائلته، متوجهاً إلى عمان عبر دبي لحضور مؤتمر.
وأصدر القضاء الجزائري، في فبراير (شباط) الماضي، أمراً دولياً بالقبض على ولد قدور، لاتهامه في ملف فساد مرتبط بشراء مصفاة "أوغوستا" النفطية في جزيرة صقلية الإيطالية، إذ وخلال وجوده في منصبه، أعلنت "سوناطراك"، في ديسمبر (كانون الأول) 2018، الاستحواذ على هذه المصفاة، التي كانت مملوكة لشركة "إكسون موبيل" الأميركية، بكلفة 700 مليون دولار.
وفي يوليو (تموز) 2019، أمر المستشار المحقق لدى المحكمة العليا في الجزائر بوضع المدير العام السابق لشركة "سوناطراك" تحت الرقابة القضائية، مع سحب جواز سفره، بسبب ملاحقته بعدة تهم، منها إبرام صفقة مخالفة للأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري العمل بها بغرض إعطاء امتيازات غير مبررة للغير، وتبديد أموال عمومية، وكذلك إساءة استغلال الوظيفة، غير أنه نجح في الهروب خارج البلاد، قبل استصدار قرار توقيفه بساعات قليلة.
رسالة حسن نية
إلى ذلك، يعتقد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، علي محمد ربيج، أن تسليم الإمارات العربية المتحدة المتهم ولد قدور، رسالة للجزائر بأنها مستعدة لنقل العلاقات الثنائية إلى مستوى جديد، لا سيما بعد تشنج بسبب مواقف الطرفين حول العديد من الملفات، موضحاً أن الخطوة قد تستقبلها الجزائر على أنها نية إماراتية لتحسين العلاقات البينية والتاريخية.
ويواصل ربيج، بخصوص التعامل مع ولد قدور، موضحاً أن العدالة والجهات القضائية هي الجهة الوحيدة المخولة للفصل في الموضوع، مشيراً إلى أنه من الناحية الإعلامية كان الأمر متوقعاً باعتبار أن الرجل شخصية عمومية، ومن حق الرأي العام الاطلاع على تفاصيل وتطور القضية.