قامت تونس، منذ يومين، بتسديد دين قرض من السوق المالية العالمية لسنة 2016، تقدر قيمته بـ503.54 مليون دولار أميركي، تتوزع على 500 مليون دولار بعنوان الأصل و3.54 مليون دولار بعنوان الفوائد.
ويعادل بالعملة المحلية، حوالى 1397.2 مليون دينار، وقد حصلت عليه من السوق المالية الدولية بتاريخ الخامس من أغسطس (آب) 2016، على إثر منح الإدارة الأميركية ضمانها لتونس بمقتضى اتفاقية الضمان المبرمة بين تونس والولايات المتحدة بتاريخ السادس من يونيو (حزيران)، 2016.
احتياطي العملة الأجنبية
وأدى ذلك إلى تراجع احتياطيات العملة الأجنبية لتونس، الخميس، 2021، إلى نحو 19 مليار دينار (6,7 مليار دولار)، ما قلص قدرة البلاد على تغطية الواردات إلى 120 يوماً، بعد أن كانت في حدود 20,5 مليار دينار (7,11 مليار دولار).
وكشف مجلس إدارة البنك المركزي التونسي في اجتماعه الذي عقده، في الثالث من أغسطس 2021، أن انخفاض تعبئة الموارد بالعملة في شكل قروض واستثمار أجنبي، إضافة إلى تسديدات مهمة للدين الخارجي خلال يوليو (تموز) 2021، أثرت على توازن المدفوعات الخارجية.
وكانت تونس سددت أواخر يوليو 2021 قرضاً رقاعياً بالسوق المالية العالمية يعود إلى سنة 2014 على إثر منح الإدارة الأميركية ضمانها لتونس بمقتضى اتفاقية الضمان المبرمة بين تونس والولايات المتحدة بتاريخ الثالث من يونيو 2014 .
وأثرت تسوية هذا الضمان الأميركي المقدر بــ500 مليون دولار، وبأجل استحقاق بسبع سنوات، ونسبة فائدة تصل إلى 2,452 في المئة، على احتياطيات النقد الأجنبي التي تراجعت إلى 20,5 مليار دينار (7,11 مليار دولار) و129 يوم توريد.
رقاعات أسبوعية
وكشف الاقتصادي عز الدين سعيدان أن الطريقة التي تم اعتمادها لسداد الدين الأخير، في الرابع من أغسطس 2021، تكشف اعتماد البنك المركزي التونسي على طريقة مخالفة للقانون، الذي يمنعه من إقراض الدولة أو تمويل الميزانية، إذ أصدرت الخزينة العامة رقاعات أسبوعية في المدة الأخيرة تمت إعادة شرائها من قبل البنك المركزي على الفور، فالخزانة، أي الدولة، اقترضت مبالغ ضخمة بمعدل كل أسبوع من البنوك التونسية، حيث أصدرت رقاع الخزينة قصيرة الأجل (ثلاثة أشهر)، وفي الواقع، البنوك لا تملك المبالغ التي ترغب الدولة في اقتراضها، وقام البنك المركزي التونسي بشراء المبالغ المعنية من البنوك أي الرقاع، ما يترك لها هامش ربح صغير في هذه العملية، ما ينبئ بلجوء البنك المركزي إلى طبع العملة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما تمت عملية مالية مماثلة في 23 يوليو 2021، وكان من المقرر أن تسدد تونس قرضاً قيمته 500 مليون دولار اقترضتها بضمان من الولايات المتحدة، وتم سداد هذا الائتمان بطريقة غير مسبوقة وفق سعيدان، وفي الواقع، في 22 يوليو، اقترضت الدولة من البنوك التونسية، على شكل رقاعات، على مدى ثلاثة أشهر، مبلغ 1.4 مليار دينار (500 مليون دولار) بنسبة 6.52 في المئة.
ولكن نظراً لأن البنوك لم تكن لديها المبالغ التي تم إقراضها للدولة، فقد اشترى البنك المركزي التونسي هذه الرقاعات نفسها عن طريق تدوير المطبعة، باختصار، تسدد الدولة قرضاً على مدى سبع سنوات بسعر فائدة 2.5 في المئة مع ائتمان آخر على مدى ثلاثة أشهر بسعر فائدة 6.52 في المئة.
الأسواق المالية الدولية
أضاف سعيدان أنه من الواضح أن الأسواق المالية الدولية تعرف ذلك وتتفاعل معه، فقد تراجعت السندات التي تمثل الدين الخارجي التونسي بشكل حاد، في 26 يوليو، على سبيل المثال، وتم بيع السند الذي يمثل ديناً بقيمة 100 دولار على تونس مقابل 85 دولاراً، وهذا يمثل خسارة بنسبة 15 في المئة لحامل السند الذي أقرض تونس، وهذا يشير إلى أن البلاد لم يعد بإمكانها الاقتراض من السوق المالية الدولية، وهذا أيضاً سبب استمرار انخفاض التصنيف السيادي للبلاد.
محافظ الائتمان
في الواقع، يحظر القانون التونسي على البنك المركزي الإقراض المباشر للدولة أو الاكتتاب المباشر، لكن ما حصل هو انحراف عن القانون وإخلال خطير وفق سعيدان، ما جعل النظام المصرفي والمالي يخاطر بشكل مفرط، إذ تمثل 20 في المئة من محافظ الائتمان للبنوك التونسية قروضاً للحكومة التونسية، وهي نسبة تمثل المخاطر التي أدت إلى انهيار العديد من الدول، وأوضحت وكالة التصنيف "موديز" هذا الأمر في أحد تقاريرها التي نُشرت قبل بضعة أشهر.
العملة والتضخم
في حين ذكر الخبير الاقتصادي نادر حداد أن تونس اقترضت من السوق المحلية للتسديد ديناً قيمته 503.54 مليون دولار، وعمدت إلى إصدار سندات بالدينار للبنوك التونسية، ثم تسلم البنك المركزي هذه السندات بالدينار، ومنحها للخزينة بعد تحويلها إلى الدولار، أما الانعكاسات المالية السيئة لهذه العملية فهي عدم قدرة البنك المركزي على الدفاع عن الدينار في الفترة المقبلة، ونزول احتياطي العملة الصعبة وأيام التوريد، إضافة إلى ارتفاع نسبة التضخم التي تبلغ حالياً 6,4 في المئة وهي مرشحة إلى الزيادة، وبالتالي، ارتفاع الأسعار، ما ينبئ بأيام صعبة على الاقتصاد التونسي على المدى القريب والمتوسط.
استحقاقات 2021
يبلغ حجم الديون التي تعمل تونس على تسديدها في غضون هذه السنة 16.3 مليار دينار (5.8 مليار دولار)، تم تسديد الثلثين منها، في حين تنتظر تونس استحقاقات أخرى حجمها 5.4 مليار دينار (1,92مليار دولار) يتوجب تسديدها قبل نهاية 2021.
لجأت الحكومة التونسية إلى الاقتراض الداخلي منذ حلول سنة 2021، بسبب عدم قدرتها على الخروج للسوق المالية العالمية نظراً لتفاقم الدين العام، ويعود العجز عن اللجوء للأسواق المالية الخارجية إلى ارتفاع حجم الديون وعدم سدادها، وقارب حجم الدين العام لتونس في مستهل السنة الحالية 92 مليار دينار (34 مليار دولار)، ويمثل الدين العام ديون الدولة والمؤسسات العمومية والقطاع الخاص في المجمل.