تشهد منطقة أهرامات الجيزة، غرب القاهرة، اليوم، احتفالية كبرى، حيث سيتم نقل "مركب الشمس" إلى مقره الجديد في المتحف المصري الكبير، وسيتم عرضه في قاعة الملك خوفو، وهو سفينة دينية معنية بطقس ديني عند المصري القديم يتمثل في اصطحاب الملك الشمس في رحلته إلى العالم الآخر. وتم اكتشاف "مركب الشمس" في مايو (أيار) 1954 على يد المهندس كمال الملاخ، ويعد أحد الاكتشافات الأثرية الفريدة التي عثر عليها بالمنطقة.
وليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها نقل أثر ضخم من مكان لآخر في مصر، حيث كان الحدث الأشهر في السنوات الأخيرة هو نقل تمثال رمسيس عام 2006 من الميدان الشهير الذي سمي باسمه وسط القاهرة، تمهيداً لعرضه في المتحف الكبير عند افتتاحه. وفي حقبة سابقة تعود إلى أواخر الستينيات من القرن الماضي تم اتخاذ قرار بالتعاون مع اليونسكو لنقل معبد فيلة في أسوان جنوب مصر. وينضم نقل مركب خوفو الذي يصل طوله إلى 43 متراً إلى العمليات الكبرى لنقل الآثار.
استعدادات نقل المركب
تشهد منطقة الأهرامات إغلاقاً كاملاً للطرق، التي سيمر منها الموكب حتى وصوله إلى المتحف الكبير، وتبدأ الفعالية من السادسة مساء اليوم بتوقيت القاهرة، حتى الساعات الأولى من صباح الغد. وسيتم نقل المركب باستخدام سيارة ذكية يتم التحكم فيها عن بعد تم استقدامها خصيصاً من بلجيكا لنقله قطعة واحدة بعد حمايته وتأمينه أثناء التحرك.
وأوضح اللواء عاطف مفتاح، المشرف العام على المتحف المصري الكبير، في بيان صحافي، أنه "تم بالفعل فصل المركب عن مبنى المتحف الحالي بمنطقة الأهرامات، وأصبح والهيكل المعدني الذي سيحيطه جزءاً واحداً تمهيداً لعملية النقل النهائية، وأثبتت التجربة نجاحها وقدرة وكفاءة السيارة الذكية على إتمام عملية النقل بنجاح، حيث تم الاطمئنان الكامل على توازنها، وسلامة وثبات الهيكل المعدني أثناء السير وعند المنحنيات".
المراكب في الحضارة المصرية القديمة
يقول بسام الشماع، المتخصص في المصريات، لـ"اندبندنت عربية"، "ارتبط المصريون بالنيل منذ بداية الحضارة لأنه الشريان الرئيس لمصر، ومن هنا كان لزاماً عليهم أن يجدوا وسيلة أو طريقة للتنقل من خلالها، ومن هنا جاء ابتكارهم للسفن كحاجة أساسية تتطلبها طبيعة حياتهم. واكتشف العلماء أواني فخارية يرجع تاريخها إلى ما قبل توحيد القطرين تحمل رسوماً لمراكب، فالمصري القديم وثق حياته بالرسم حتى قبل ظهور الكتابة الهيروغليفية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يضيف، "عرف المصريون أنواعاً مختلفة من المراكب لها استخدامات متعددة، فكانت هناك الخاصة بالتنقل في النيل، وسفن بحرية تختلف في إنشائها عن النيلية لاختلاف طبيعة المياه. وعرفت السفن ذات المقاصير التي كانت تصنع للآلهة، وتستخدم في المعابد والمواكب الدينية، كما عرفت المراكب الدينية الطقسية مثل مراكب الشمس".
اكتشاف "مركب الشمس"
وأوضح الشماع، "تم اكتشاف مركب الشمس في عام 1954 مصادفة أثناء رفع رمال من منطقة الأهرامات جنوب هرم خوفو في حفرة كبيرة منحوتة في الصخر عرضها 2.60 متر، وعمقها 3.5 متر، وطولها 31 متراً، وفوقها ألواح حجرية يصل وزنها إلى 18 طناً، وكانت القطع الخشبية التي يتألف منها المركب منفصلة عن بعضها، ووصل عددها إلى 1224 قطعة، وهي مصنوعة من خشب الأرز القادم من لبنان، حيث انتشر التبادل التجاري بين مصر ولبنان في هذا العصر".
يضيف أن "للمركب 10 مجاديف طويلة يتراوح طولها بين 6.5 و8 أمتار، ومن ضمن العوامل المبهرة فيه أنه بُني بكامله دون استخدام المسامير، وتم تجميعه عن طريق الحبال وتداخل القطع الخشبية مع بعضها. ومما يفسر أهمية هذا المركب هو اتخاذ المصري القديم لكل هذه الإجراءات للحفاظ عليه من السرقة أو الرطوبة والحشرات، فالألواح الحجرية التي وجدت فوق الحفرة كانت تعمل على حمايته وإبقائه في حالة جيدة".
ترميم المركب
يتابع الشماع، "لا يقل الإعجاز في ترميم المركب وتركيبه عن بنائه بأيدي المصريين القدماء، لأن المرمم الذي أعاد تركيبه في القرن العشرين لم يكن لديه صورة لها أو تصور عن شكله وكيفية تركيبه، إلا أنه استمر في البحث والدراسة والتخيل حتى تمت إعادة بنائه بشكل كامل مطابق لحالته الأصلية". وأشار إلى أن "من قام بعملية الترميم الأثري المصري الشهير أحمد يوسف".
دائماً ما اقترن "مركب الشمس" باسم الملك خوفو، ولسنوات طويلة عُرض في متحف مجاور لأهرامات الجيزة، فما الدليل على نسبته إليه، دون غيره من الملوك الذين وجدت أهراماتهم في هذه المنطقة. يذكر الشماع، أنه "لا يوجد دليل قاطع على نسبته إليه سوى اكتشافه مجاوراً إلى هرمه، لكن الشائع هو أنه ينتمي له، وقد يحتمل أنه لـ(جدف رع) الابن الأول لخوفو الذي حكم بعده ثماني سنوات، خاصة أنه قرن اسمه بإله الشمس، بعكس أبيه، وكلها افتراضات قائمة إلى أن تحسم بدليل قاطع يثبتها أو ينفيها".